ملفات وتقارير

خبير: الثورات تدفع حكام العرب للتعاون مع إسرائيل

التقارب العربي- الإسرائيلي حاصل فعلا ويبقى تفعيل المجالات - أرشيفية
يناقش العميد ألون باز في الجيش الإسرائيلي والزميل الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، أن المشاكل أصبحت أبعد عن قدرة دولة واحدة للتصدي لها. وهي بهذا تقتضي قدرا من التعاون بين الدول في المنطقة لإدارتها، إن لم يكن حلها.

ويرى باز أن الانتفاضات العربية من المغرب العربي إلى المشرق العربي، أدت إلى تغيير المشهد الأمني بشكل لم يعد بإمكان دولة واحدة التصدي لتحدياته الجديدة على العرب وإسرائيل  في وقت واحد. 

وأوضح باز أن التحديات الجديدة تتلخص بظهور الحركات الجهادية التي أوجدت لها حضورا في الدول الجديدة، والتأثير الإيراني، فيما يتعرض وجود بعض الدول ونظامها الأمني القائم منذ الحرب العالمية الثانية لمخاطر كبيرة. 

ويشير باز إلى أن التهديد الوجودي عادة ما يؤدي لخلق فرص جديدة للتعاون.  فقد تعاونت إسرائيل بهدوء في الماضي مع جيرانها العرب ودول التعاون الخليجي  فيما يتعلق بالتهديد الإيراني. 

وبناء على تجربة الماضي يتوقع المراقب نشوء مجالات تعاون جديدة لمواجهة التحديات الحالية، من مثل الجهود المصرية- الإسرائيلية لمواجهة الجهاديين في سيناء، والجهود الأردنية – الإسرائيلية لمنع انتقال الحرب في سورية لخارج حدود هذا البلد (واستخدام طائرات التجسس- بدون طيار على طول الحدود السورية مع الأردن)، وأخيرًا التعاون في مجال المياه بين إسرائيل والسلطة الوطنية والأردن لمواجهة مشاكل نقص المياه.
 
ويبيّن الكاتب أن هذه التطورات قد تكون علامة على بداية تعاون عربي- إسرائيلي مكثف في المجالات الصعبة (العسكرية) واللينة ( غير العسكرية).
 
ويلفت إلى أن تعاونا أمنيا كهذا سيخدم مصلحة كل  الأطراف، بل بات التعاون فرضا وجوديا عليها لمواجهة الأزمات الحالية، خاصة وأن قرارت خوض حروب بقرار فردي لم يعد ممكنا وأقل جدوى في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على طول الحدود. وفي الوقت نفسه وجدت الكثير من الدول العربية نفسها في وسط تهديدات محلية نتجت عن نقص الطعام والمياه وطريقة الحكم، مضافا إليها جماعات العنف مثل القاعدة، واللاعبون الخارجيون مثل إيران. ويمكن أن نضيف إلى هذه التحديات مشاكل الصحة والأمراض المعدية التي اعتقدت الدول أنها حلتها كما حدث في انتشار مرض شلل الأطفال في سورية.

ومن هنا يرى باز أن طرق الحل القديمة لم تعد مهمة في ظل هذه الظروف غير المسبوقة، فسواء حضر الجرحى السوريون أوعرب الخليج لتلقي العلاج في إسرائيل، أو تعاونت السلطة الوطنية والأردن وإسرائيل في مجال أمن المياه، فسيتخلى الناس عن السياسة عندما تتعرض مصالحهم الحيوية للخطر. 

ويقول إنه مع مرور الوقت تقوم الكثير من الدول العربية بالتخلي عن مواقفها التقليدية للمواجهة مع إسرائيل بسبب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ما قد يؤدي لوضع شروط جديدة للتقدم في مفاوضات السلام. 

ويسأل باز: إذا كان هذا هو الوضع، فما هي مجالات التعاون بين إسرائيل والدول العربية؟. 

 ويحدد المجالات في التعاون الأمني الذي يحدث الآن، وإن كان تحت السطح، ولكن الأجهزة الأمنية العربية والإسرائيلية يمكن أن تتعاون أكثر، من مثل المشاركة في المعلومات حول خلايا الإرهابيين ومنظماتهم، نشاطاتهم وخططهم العادية، التهريب والبنى التحتية لهذه المنظمات، ما سيؤدي إلى فهم أحسن للتحديات التي تمثلها هذه الجماعات على المنطقة. 

ويرى أن العمل والتشارك الروتيني في مجال الأمن يخلق علاقات عمل تساعد على تفكيك الخلايا الإرهابية في أول عملها، وتبادل المشتبه بهم والتعاون في التحرك لاجهاض عمل هذه الجماعات. 

وهناك مجال آخر يشير إليه باز في مجالات التعاون، وهو اعتراض حركة السلاح وخطوط تهريبه. فمنذ اندلاع الانتفاضات العربية، أصبحت العديد من دول الشرق الأوسط مركز جذب لعمليات نقل السلاح للجماعات التي تريد شن حرب جهادية، وقد استغلت القاعدة وإيران الوضع واستفادتا من خطوط التهريب وأنشأت أخرى لتهريب السلاح للبنان وسورية واليمن وغزة. ومن هنا فالتعاون الأقليمي سيعمل على وقف عمليات نقل الأسلحة.

ومن المجالات الأخرى يرى الكاتب أن هناك إمكانية لدى دول المنطقة لتبادل دورس وتجارب في مجال حماية الحدود الجوية والبحرية والبرية، وقد يؤدي هذا التعاون لإنشاء مركز افتراضي للاستفادة من التجارب المشتركة وتطوير التكنولوجيا وتقديم الخدمات. وقد يقود إلى تعاون في مجال آخر، هو دراسة القدرات العسكرية لكل طرف عبر طرف ثالث، حيث يتم التخلص من الأسلحة التي لم تعد مهمة، قديمة لطرف يخوض حربا أمنية داخلية أو يقوم بمكافحة الأرهاب. وحدث نقل الأسلحة وتبادلها في الماضي ويمكن أن يحدث وبتعاون أكبر في المستقبل. 

ويضيف أن من أهم مجالات التعاون حماية البنية التحتيةـ والحدود وتوفير الأمن البحري والداخلي، خاصة في مجال حماية خطوط الغاز والطاقة التي تتشارك فيها الدول وأصبحت هدفا للجماعات "الإرهابية"  - في  العراق وسيناء ومالي- ويقتضي التعاون توفير الحماية والتقنيات الأمنية الجوية والبحرية، وعمليات التحكم عن بعد، والتعاون في مجال الدفاع المدني وإدارة الآثار الناتجة عن العمليات.

 ويقترح أن من مجالات التعاون المتاحة، دمج  الطرق والطرق المائية والمصارف الصحية والكهرباء وخطوط الاتصال، ويتم هذا إما من خلال التفاوض المباشر أو عبر طرف ثالث. 

ويرتبط بهذا التعاون في مجال أمن المياه والغذاء، ويتم هذا من خلال التعاون المالي وتوفير الأراضي والمشاركة في المعرفة. وهنا يقول إن خبرات واختراعات إسرائيل في مجال إدارة المياه والري بالتنقيط قد تساعد الدول العربية زيادة إنتاجها الغذائي (بدلا من شراء دول الخليج عشرات الفدادين في السودان وكينيا وإثيوبيا وموزمبيق). 

والمجال الأخير الذي يقترحه باز، هو التعاون في مجال الصحة العامة ومنع انتشار الأوبئة. فالحرب الدائرة في سورية قد تؤدي إلى نشوء تهديدات صحية تقتضي تعاونا بين المؤسسات المعنية في كل الدول الجارة لسوريا.

 وحتى تنجح هذه الجهود يرى باز أنه يجب أن تتم بهدوء، ومن خلال تقديم مواقف تصالحية على جبهة المفاوضات والتسوية، فعلى إسرائيل تقديم مدخل مرن في مجال المفاوضات. ومن جهة أخرى على الدول العربية إظهار دعمها لحل الدولتين قولا وعملا. 

وفي النهاية يرى الكاتب أن هذا التعاون سينجح حالة وجد دعما من الولايات المتحدة، خاصة للمبادرات الهادئة  بين الدول العربية وإسرائيل. وسيظل هذا التعاون يصب في مصلحة الولايات المتحدة وجهودها الدبلوماسية للتوصل لتسوية دائمة للنزاع.