مقالات مختارة

حكومة بلا ظهير سياسي‏!‏

1300x600
ما الذي يجري الآن على الساحة السياسية المصرية؟ ما الذي يفسر حالة الضعف البنيوي للقوي والأحزاب السياسية المؤيدة للسلطة الانتقالية؟‏.‏

وما سر اعتمادها على أجهزة الدولة في مواجهة مصادر الاضطراب السياسي والتهديدات الأمنية التي تتطور على نحو خطير بما يمس خريطة الطريق. ومن ثم مستقبل الانتقال السياسي نحو بناء المؤسسات السياسية التمثيلية على اختلافها؟ ما أسباب الصراع بين القوي الثورية لانتفاضة25 يناير2011، وبين القوي التي وقفت ودعمت انتفاضة30 يونيو2013 وما بعد؟ إن نظرة على الحالة السياسية تبدو معها صاخبة ومحفوفة بالمخاطر ومصحوبة بالخوف في بعض دوائر السلطة الانتقالية- الحكومة أساسا- والنخب الحزبية والسياسية المؤيدة لها. ثمة بعض التشتت في التفكير السائد وسط هاتين الدائرتين على تعدد القوي وتناقضها في إطارهما. ثمة خوف وتردد، وضعف الفعالية الأدائية، على نحو يسهم في شيوع الخوف على نحو شبه جماعي وسط قطاعات اجتماعية شعبية عريضة. أوضاع اقتصادية تنطوي على مخاطر جسيمة على الاقتصاد القومي، ومن ثم على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي كنتاج للأزمات الأمنية والسياسية وانعكاسها على الاستثمار والسياحة، وعلى الثقة الدولية في اقتصاد البلاد. من ناحية أخري عنف سياسي، يتمثل في عمليات إرهابية تقوم بها جماعات سلفية جهادية في سيناء- أنصار بيت المقدس، وكتائب الفرقان والقاعدة- وترمي إلى تحقيق عديد الأهداف السياسية التي تؤثر على هيبة الدولة، وسلطاتها وأجهزتها أمام المواطنين وتنتج فجوة ثقة بينها وبين الدولة وقادتها وأجهزتها،
إن العمليات الإرهابية التي تمت خلال الفترة الماضية رمت إلى إظهار اضطراب السلطة الانتقالية، وضعف الأداء الحكومي، واختلال أجهزة الأمن وعدم فعالية سياستها واستراتيجياتها في مواجهة مصادر إنتاج التهديدات الأمنية. من هنا يمكن تفسير عمليات العنف التي حاولت اغتيال وزير الداخلية، ونجحت في حالة المقدم محمد مبروك أحد ضباط جهاز الأمن الوطني البارزين، من ناحية أخري تمدد العمليات من سيناء إلى الإسماعيلية كمحور رئيسي، ثم العملية الأخيرة التي سعت إلى تفجير مديرية أمن الدقهلية، وأدت إلى استشهاد16 من رجال الشرطة، وبعض المواطنين، وإصابات بلغت105 مصابين. إن اللجوء إلى العمليات الانتحارية، والعربات المفخخة، تهدف إلى نشر الترويع والخوف وسط أوسع القطاعات الشعبية، بالإضافة إلى بعض أطراف السلطة الانتقالية والنخب الحزبية المؤيدة لها. من ناحية أخري التأثير على حركة التدفق السياحي للبلاد في الموسم الشتوي، بالإضافة إلى بورصة الأوراق المالية. من ناحية ثانية إثارة الغموض وعدم اليقين حول مستقبل العملية الانتقالية، لاسيما التعديلات الدستورية الجديدة التي قامت بها لجنة الخمسين، وعملية الحشد الجماهيري الضعيفة لها التي تتم الآن بالأساليب التي كانت سائدة في ظل حكمي السادات ومبارك. من ناحية ثالثة، التأثير على هيبة الدولة المصرية في الإقليم وعلى المستوي الدولي المعلوم ودوائر صنع القرار الدولي في الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية وروسيا والصين واليابان. وعلى المستوي الإفريقي لاسيما جنوب إفريقيا.

إن سعي بعض الجماعات الإرهابية إلى قوات المسلحة والشرطة في سيناء، وذلك كي تعيد هذه الجماعات التكفيرية- للشرطة والجيش-، تنظيم صفوفها وعملياتها. كل هذا العنف الإرهابي يشير إلى بعض الفجوات الأمنية في مجال المعلومات، وفي المتابعة، وربما يشير إلى عمليات رصد نشيطة لمواقع الشرطة، وبعض المسئولين على نحو ما ظهر في عديد الواقعات. والسؤال هنا هل هناك بعض الاختراقات في بعض أجهزة الأمن؟ وكيف ولماذا؟. العمليات الانتحارية الإرهابية النشيطة تتوالى، والأجهزة الأمنية تواجه هذه الأنشطة بعد استرخاء، وبعض الانهيار والشروخ في عقب28 يناير2011، وتحاول استعادة قدراتها وفاعليتها، واستعادة الثقة في علاقتها بالمواطنين، وهو ما تحقق بعض منه لا يستهان به، على الرغم من بعض الأخطاء التي تبدو في عودة بعض الأساليب التقليدية في التعامل مع بعض شباب انتفاضة25 يناير2011، وتحتاج إلى مراجعات عاجلة لإعادة ترميم الحواضن السياسية والاجتماعية الجماهيرية التي تصدعت بعد30 يونيو كنتاج لبعض الرعونة والحمق السياسي لبعض من ينتسبون إلى الحزب الوطني وأجهزته الإعلامية والمقربين لنظام مبارك، وذلك لمحاولة طمس دور القوي الثورية في25 يناير.2011 الحالة السياسية والأمنية تشوش عليها عمليات الإرهاب، وتظاهرات طلاب الجامعات، ومناصري جماعة الإخوان المسلمين والعاطفين عليها.

من ناحية أخري تبدو السلطة الانتقالية وأداؤها الضعيف، ناتجا عن غياب الرؤية، والخبرات السياسية وعدم قدرة الحكومة على تسويق سياسي وإعلامي لبرنامجها الانتقالي. الأهم أن السلطة الانتقالية تدير هذه المرحلة الحرجة وليس لديها ظهير سياسي متجانس ولو في الحدود الدنيا. نحن إزاء أداء بيروقراطي بلا رؤية ولا ظهير سياسي فاعل، من ناحية أخري تبدو جماعة الإخوان المسلمين- من خلال التظاهرات والأداء الإعلامي والرقمي لها- متماسكة ومتجانسة إلى حد ما، ومن ثم يبدو الصراع السياسي والأمني الضاري يدور بين طرفين رئيسيين هما مؤسسات وأجهزة الدولة، وبين جماعة الإخوان وعناصر تنتمي إلى الجماعة الإسلامية وبعض المتعاطفين معهما. تبدو القوي والأحزاب السياسية المؤيدة للسلطة الانتقالية وخريطة الطريق، مضطربة، ومفككة، وبعض من الانتهازية السياسية تتبدي من أداء وسلوك بعضهم السياسي، ورغبة بعضهم في إعادة التكييف السياسي لبعض الأولويات من أجل حصولهم على مغانم سياسية في المرحلة التي ستعقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية، سواء للضغط على رئيس الجمهورية المؤقت والسلطة الانتقالية في أثناء وضعها للنظام الانتخابي القادم، أو في إعادة ترتيب الأولويات والبدء بالانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية.

ما هي أسباب هذا الوهن السياسي الرئيسية؟ عديد الأعطاب تبدو جلية، ومنها ما يلي: الاعتماد على القوات المسلحة، وأجهزة الدولة الأمنية، والقضاء في مواجهة جماعة الإخوان، والجماعات الإسلامية المؤيدة لها، وفي التصدي للإرهاب، وهو ما أدي إلى كسل سياسي واضح. وانتقال العمل السياسي من الواقع الفعلي إلى الواقع التلفازي والرقمي. وكذلك غياب استراتيجيات للعمل السياسي الجماهيري، وعدم القدرة على بناء علاقات عضوية مع قوي اجتماعية محددة، والاعتماد على فائض غضب قطاعات اجتماعية من أداء جماعة الإخوان، أي على كتل غائمة، يتغير مزاجها السياسي بين الحين والآخر. فضلا عن التشرذم والتشظي السياسي، والصراع بين تكتل25 يناير2011، والقوي التي شاركت في30 يونيو2013، وهو ما أدي إلى شروخ داخل تركيبة القوي المؤيدة للسلطة الانتقالية. وضعف الأحزاب والائتلافات الشبابية الثورية وهيمنة بعض التيارات المعروفة إعلاميا، ولا تعبر عن قاعدة تأييد اجتماعية أو سياسية قاعدية.