مقالات مختارة

الإخوان المسلمون، أمر يصعب تصديقه

1300x600
إذا ما تأملنا في مجريات أحداث 2013، فمن هي الشخصية أو المنظمة التي كانت أكثر بذلاً في سبيل الحفاظ على مثل الديمقراطية والحرية؟ من يستحق الفوز بجائزة الانتصار للحقوق الديمقراطية في وجه الاستبداد والطغيان؟ لا أكاد أصدق أنني على وشك القول بأنني أعتقد أنها جماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل أنصارها في مصر. أكثر من أي مجموعة من البشر على وجه المعمورة، جازفت الجماهير المصرية المؤيدة للإخوان المسلمين بالتضحية بأرواحها وبأجسادها عام 2013 في محاولة للحفاظ على المبدأ القائل إن من حق أفراد الشعب أن يختاروا قادتهم السياسيين وأن لهم حق حرية التعبير عن أرائهم السياسية وعن غضبهم بشكل علني وعلى الملأ.  بينما نحن معشر الليبراليين في الغرب نكتفي بكتابة المقالات حول أهمية الحقوق الديمقراطية وحرية التعبير، خاض أنصار الإخوان المسلمين في مصر صراعاً مريراً بكل ما يملكون من أجل هذه القيم، بل إن الآلاف منهم قضوا نحبهم وهم يناضلون من أجلها. 

أعلم أن ما أقوله يبدو غريباً فعلاً. فالإخوان المسلمون لم يعرف عنهم الدفاع عن الديمقراطية الحقة بكل ما تعنيه، ناهيك عن أن يدافعوا عن الحقوق الفردية وحقوق الأقليات. بل اشتهر عن الجماعة عدم تسامحها ومسارعتها إلى مهاجمة من لا ينسجم مع أجندتها الإسلامية وحتى التنكيل به أحياناً. إذاً، كيف تسنى لها أن تعطي الانطباع بأنها رأس حربة النضال في سبيل الديمقراطية هذا العام؟ إنها غلطتنا. إذ أن التقاعس المذهل للغربيين، الذين يدعون بأنهم يحبون الديمقراطية، في إدانة الانقلاب العسكري المناهض للإخوان المسلمين في مصر وفي معارضة الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتسب للإخوان وفي التنديد بالقمع الوحشي الذي مارسه النظام الجديد فيما بعد ضد أنصار مرسي هو الذي منح الإخوان المسلمين السلطة المعنوية على كل ما يتعلق بالديمقراطية والحرية. لقد فشلنا في الترافع لصالح الديمقراطية في مصر بينما ترافع عنها الإخوان المسلمون. لقد أخلينا مواقعنا كمدافعين عن الديمقراطية فحل الإخوان المسلمون محلنا. 

مضت ست شهور على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي ومازال زعماء الغرب صامتين صمت أصحاب القبور وكذا هو حال كثير من المراقبين الليبراليين تجاه ذلك الزلزال السياسي، والذي يعتبر من وجهة نظري أسوأ عدوان صارخ وصادم على الديمقراطية خلال عام 2013 بأسره. والحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي على علاقة طيبة فيما يبدو مع الحكومة غير المنتخبة التي نصبت بعد الإطاحة بالرئيس مرسي: فقد ضخ الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع فقط 280 مليون يورو في جيوب هذه الحكومة لتمويل مشاريع تنموية حكومية. ويأتي ذلك في أعقاب زيارة إلى مصر قامت بها البارونة كاثرين آشتون مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي حيث التقت الفريق عبد الفتاح السيسي قائد القوات المسلحة المصرية الذي أطاح بالرئيس مرسي من السلطة في الثالث من يوليو (تموز). وخلال هذه الزيارة شجعت البارونة آشتون السيسي والطغمة العسكرية التابعة له على البدء في "رحلة باتجاه مصر مستقرة ومزدهرة وديمقراطية"، متجاهلة تماماً أن السيسي إنما جاء إلى السلطة من خلال الاعتداء على الإرادة الديمقراطية للناس وخلع زعيمهم المنتخب من السلطة. 

وبنفس الطريقة بدرت من قادة غربيين آخرين إيماءات تقر بشرعية الحكام المستبدين الذين خلفوا مرسي على رأس السلطة في مصر. خذ على سبيل المثال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي من الواضح أنه بحاجة إلى مراجعة القاموس كلما تحدث، والذي ادعى أن استيلاء العسكر على الحكم كان عبارة عن"استعادة للديمقراطية". ثم، هاك طوني بلير، الذي قضى عشرة أعوام بائسة في رئاسة الحكومة البريطانية يلقي بمواعظه المملة ضد أي نظام أجنبي لم يحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الآن أشبه بالناطق الإعلامي للمستبدين الجدد في مصر، إذ كال المديح للنظام الجديد على إنجازه بعض حالة من الاستقرار من خلال اتخاذ "قرارات صارمة جداً وحتى غير مرغوبة من قبل الناس". كم هو منافق هذا الإنسان الذي اشتاط غضباً ضد النظام المستبد المعادي للديمقراطية في العراق وأرسل طائراته لتقصفه بينما تراه يكيل المديح للاستبداد في مصر. لا يمكن من الآن فصاعداً أخذ أي شيء يقوله هذا الرجل عن الديمقراطية على محمل الجد. وأما فيما يتعلق بالمراقبين الغربيين، فكثيرون جداً منهم ظلوا صامتين تجاه أحداث الشهور الست الماضية، بل إن بعضهم رحب بالذي جرى وصفق له على أساس أن الانقلاب "أوقف زحف الإخوان المسلمين". 

دعونا نراجع باختصار ما فعله هذا النظام الجديد في مصر والذي يناله إطراء أو مغفرة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وطوني بلير وآخرون غيره في الغرب. ففي الثالث من يوليو أطاح الانقلابيون بالرئيس الذي كان قد انتخب بشكل حر ونزيه من قبل 52 ? من الناخبين، ثم سجنوه هو وكبار الشخصيات في وزارته، وكشفوا هذا الأسبوع النقاب عن أنهم يوجهون له تهمة "التجسس". ثم بادروا إلى سحق كل من احتج على إجراءاتهم تلك، وارتكبوا مذابح ضد الآلاف من معارضيهم، وحظروا ناقديهم وأغلقوا وسائل الإعلام واعتقلوا بل وقتلوا الصحفيين الناقدين لنظامهم، وجرموا التظاهر بكافة أنواعه، أقدموا هذا الشهر على اعتقال 14 امرأة وسبع فتيات شاركن في مسيرة مؤيدة للرئيس مرسي وحكموا عليهم بالسجن أحد عشر عاماً، ما لبث الحكم عليهن أن خفف من خلال الاستئناف إلى سنة واحدة من السجن مع وقف التنفيذ. والأمر الصاعق فعلاً أن هؤلاء النسوة، وبشكل لافت للنظر، لم يتحولن إلى ما يشبه مجموعة "بوسي ريوت" (الروسية) احتفاء بقضيتهن في أوساط النشطاء الغربيين، ولم نر أحداً يرتدي قمصان تي شيرت تحمل صور وجوههن، ولم نشهد أحداً يغرد على تويتر انتصاراً لمظلوميتهن. 

إن تقاعس الزعماء والنشطاء الليبراليين في الغرب عن اتخاذ موقف جاد ضد هذه الإجراءات اللا ليبرالية، وقعودهم عن الاعتراض على ما تتعرض له الديمقراطية من تدمير في مصر، إنما يكشف الغطاء عن زيف ما يدعونه من التزام بحقوق الإنسان. لعل ذلك يكون أعظم هدف يدخله الليبراليون بأنفسهم على مرماهم في القرن الحادي والعشرين: وذلك أنهم بتجاهلهم ما حدث في مصر في 2013 سمحوا للإخوان المسلمين، من بين كل البشر، بأن يرتدوا عباءة الراعي الكوني للديمقراطية والحرية.  ليس صعباً إدراك لماذا يتردد الغربيون في الانحياز إلى أولئك الذين يناضلون في سبيل حقوقهم الديمقراطية في مصر - إنما ذلك لأنهم إسلاميون، ولعلنا نتفهم أن كثيراً من الناس لا يحبون الإسلاميين. أنا بالتأكيد لا أحبهم. ولكن ليس هذا هو بيت القصيد. يتوجب علي الديمقراطيين والليبراليين الحقيقيين أن يكونوا منسجمين مع ما يدعون الإيمان به، وأن يقروا بأن الجميع - بغض النظر عن آرائهم السياسية - يستحقون التمتع بحق اختيار زعمائهم وبحق التعبير والاحتجاج. 

بعد ما جرى من أحداث في عام 2013، في المرة القادمة التي ينبري فيها أوباما أو طوني بلير أو أي مثقف غربي للتنديد بالمسالك غير الليبرالية والمناهضة للديمقراطية لأي نظام أجنبي، فسيكون مبرراً لهذا النظام الأجنبي أن يسخر منهم ويضحك في وجوههم. وتعرفون ماذا سأفعل؟ سوف أنضم إليهم في السخرية والضحك.

عن الديلي التلغراف، بتاريخ  19 ديسمبر 2013