قضايا وآراء

دوافع التدخل الفرنسي في أوكرانيا.. بين غزة وترامب

نهر دنيبرو- جيتي
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نية بلاده إرسال قوات إلى أوكرانيا؛ ليكشف رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين الأسبوع الفائت، أن القوات الفرنسية ستكون هدفا ذا أولوية للقوات الروسية.

القوات الفرنسية بحسب العديد من الخبراء الفرنسيين ستتمركز غرب نهر دنيبرو، حيث الخطوط الدفاعية الأخيرة للجيش الأوكراني، مؤكدين أن فرنسا لن تسمح بهزيمة أوكرانيا، لتتبعها بريطانيا بالإعلان عن إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا، وأخيرا تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في تفاعل متأخر مع الحراك الأوروبي، أكد فيه أن بلاده لن تسمح بهزيمة أوكرانيا، دون أن يوضح الأخير إن كان سيرسل قوات أمريكية، إلى جانب القوات الفرنسية المتوقع أن يبلغ تعدادها 20 ألف جندي فرنسي.

لم تتأخر ألمانيا وبولندا عن فرنسا كثيرا، فبعد أن أعلن وزير الخارجية البولندي أنجي شيينا، عن موافقة بلاده نشر قوات ألمانية في أراضيها كانون الثاني/ يناير من العام الحالي؛ عاد البلدان ليكشفا نيتهما إنشاء قوة هجومية مشتركة، للدفاع عن حدودهما في مواجهة أي تحدّ قادم من روسيا.
الخطوة الألمانية والبولندية جاءت بمعزل عن حلف الناتو؛ أسوة بفرنسا التي باشرت استعداداتها لنقل القوات إلى أوكرانيا، دون موافقة حلف الناتو وأعضائه الـ31، وهي خطوات لا تلزم الأعضاء الآخرين في الناتو للانضمام إلى هذه الجهود.
الخطوة الألمانية والبولندية جاءت بمعزل عن حلف الناتو؛ أسوة بفرنسا التي باشرت استعداداتها لنقل القوات إلى أوكرانيا، دون موافقة حلف الناتو وأعضائه الـ31، وهي خطوات لا تلزم الأعضاء الآخرين في الناتو للانضمام إلى هذه الجهود.

الإعلان الفرنسي ومن بعده الألماني جاء بعد أسابيع من التقدم الذي أحرزه الجيش الروسي في مدينة أفدييفكا واورليفكا، مع أنباء عن استعدادات لهجوم روسي كبير غرب نهر دنيبرو؛ بالتزامن مع إعلان برلمان إقليم ترانسنيستريا المولدوفي رغبته الانضمام لروسيا الاتحادية، الأمر الذي رفع من حدة التوتر شرق أوروبا، وبلغ ذروته بنشر روسيا صواريخ نووية في بيلاروسيا بالقرب من بولندا، على أمل ردع خصومها والضغط عليهم للتوقف عن استفزازها عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

الضغوط الأوروبية سواء العسكرية والاقتصادية (عقوبات) أو السياسية على شكل دعم لخصوم موسكو شرق أوروبا، تصاعدت بعد تقدم دونالد ترامب كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، منعشا هواجس أوروبا بالخذلان الأمريكي في حال فوزه.

هذه الخطوة مثلت نواة لتحرك أوروبي أوسع يوم أمس الخميس، باجتماع قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل للإعلان عن حزمة من المساعدات لأوكرانيا، في ظل النقص الحاد في الذخائر والإمدادات الناجمة عن الخلافات الداخلية في أمريكا بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي عطلت مساعدات بقيمة 60 مليار دولار؛ جزءا كبيرا منها كان موجها لأوكرانيا.

أوروبا تعمل بنشاط على اتخاذ خطوات استباقية لمواجهة التهديد الذي تحمله تقلبات السياسية الداخلية الأمريكية وعودة ترامب إلى السلطة، بنشر قواتها بمعزل عن موافقة الناتو في أوكرانيا، على أمل الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية المنشغلة بالحرب المستعرة في قطاع غزة والبحر الأحمر، مستبقة بذلك وصول ترامب للسلطة؛ وفي الآن ذاته، الضغط على روسيا وأوكرانيا لتثبيت خطوط القتال عند نهر دنيبرو، بشكل يفتح الباب لمفاوضات واتفاق سلام ينهي القتال؛ يكون للاتحاد الأوروبي دور في تحديد معالمة، مستبقا إمكانية وصول ترامب للسلطة وفرض شروطه لتسوية الصراع بالاتفاق مع روسيا، وبمعزل عن أوروبا ودولها العجوز.

أخيرا، فإن التحركات الفرنسية والألمانية لا تبتعد كثيرا عن رغبة كامنة لتشكل نواة لقوة أوروبية ضاربة تجنبها تقلبات السياسة الأمريكية، وتحقق طموحات طالما روجت لها فرنسا، وسعت لتزعمها وزاحمتها فيها بولندا مؤخرا، فالأهداف لم تخلُ من الطموحات الفرنسية القديمة لإنشاء سياسة خارجية، وقوة أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو،
التهديدات الناجمة عن تقلبات السياسة الأمريكية الداخلية، طاغية على سلوك دول الاتحاد الأوروبي، وممتزجة بالطموح الفرنسي والرغبة في الآن ذاته بالضغط على روسيا، وردعها عن مواصلة هجومها قرب نهر دنيبرو عشية الانتخابات الأمريكية، وصولا إلى اتفاق يُتوقع أن ينهي الحرب بمجرد وصول ترامب للسلطة في حال فوزه.
وهذا يفسر إعلان بريطانيا رغبتها في نشر قواتها مستقبلا في أوكرانيا، لتبقى قريبة من مسار المفاوضات مع روسيا، ومن مسار تطور القوة الأوروبية التي ستعمد لإجهاضها، وإعاقة عملها وتطورها مستقبلا، فهي شريك معطل وليست شريكا حقيقيا.

التهديدات الناجمة عن تقلبات السياسة الأمريكية الداخلية، طاغية على سلوك دول الاتحاد الأوروبي، وممتزجة بالطموح الفرنسي والرغبة في الآن ذاته بالضغط على روسيا، وردعها عن مواصلة هجومها قرب نهر دنيبرو عشية الانتخابات الأمريكية، وصولا إلى اتفاق يُتوقع أن ينهي الحرب بمجرد وصول ترامب للسلطة في حال فوزه.

ختاما.. التحركات الأوروبية الفرنسية الألمانية البولندية، تعكس مخاوف من انشغالات أمريكية حالية في المشرق العربي والبحر الاحمر، وصولا إلى إيران والخليج العربي، وهي انشغالات باتت مزمنة ومعطلة للسياسة الأمريكية في شرق أوروبا وبحر الصين الجنوبي والباسفيك، عكستها التحركات الأوروبية تجاه أوكرانيا والدعوة المتكررة لدول الاتحاد -باستثناء المجر- لإنهاء الحرب في غزة؛ فهل تسارع أمريكا للبحث عن مخرج من المستنقع الذي توشك أن تغرق فيه، لتتفرغ لمعاركها غرب نهر الدنيبر ومضيق تايوان؟ وهل تضغط بقوة على نتنياهو لإنهاء الحرب، أم إنها ستفشل في ذلك. وهذه مسألة أصبحت جزءا من حسابات المقاومة الفلسطينية وحلفائها في المنطقة، ولن تقررها أمريكا وحدها، فالمتغيرات المتسارعة والكثيفة باتت عنصرا مهما في المواجهة في فلسطين، إلى حد أسهم في إطالة عمر المعركة وزاد من تعقيدها وتوسعها، وهو ما دفع أمريكا للتلويح بقرار في مجلس الأمن ينهي الحرب، ولكنه يظل عالقا ومعلقا بموافقة روسيا والصين، وبالتفاهم معهما في الآن ذاته.

twitter.com/hma36