كتاب عربي 21

الحركات الإسلامية والمراجعة المطلوبة: الإخوان المسلمون وحزب الدعوة وحزب التحرير نموذجا

الواقع اليوم يحتاج لمراجعة ويحتاج لمشروع إسلامي جديد يستفيد من المتغيرات- جيتي
تواجه الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي اليوم تحديات جديدة، ولا سيما بعد معركة طوفان الأقصى وفي ظل الحرب على قطاع غزة والتداعيات التي تركتها على دول المنطقة كلها؛ وخاصة في لبنان واليمن والعراق وعلى الصعيد العالمي.

وقد طرحت هذه الحرب العديد من الأسئلة والتحديات والإشكالات والمهام أمام القوى والحركات الإسلامية، وطبعا فإن القوى الإسلامية المقاومة المنخرطة في الحرب (حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحركة أنصار الله والمقاومة الإسلامية في لبنان وقوات الفجر والمقاومة الإسلامية في العراق) هي اليوم في قلب الحدث وهي تخوض المعركة مباشرة ولديها مهمات وتحديات عديدة، ولكننا لن نتحدث عنها في هذا المقال لأن لذلك حديث آخر.

طرحت هذه الحرب العديد من الأسئلة والتحديات والإشكالات والمهام أمام القوى والحركات الإسلامية، وطبعا فإن القوى الإسلامية المقاومة المنخرطة في الحرب (حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحركة أنصار الله والمقاومة الإسلامية في لبنان وقوات الفجر والمقاومة الإسلامية في العراق) هي اليوم في قلب الحدث

لكن سيتم التركيز على كبرى الحركات الإسلامية التي كان لها الدور الأساسي في تأسيس الحركة الإسلامية طيلة الأعوام المائة الماضية تقريبا، وساهمت في إطلاق العديد من التجارب والحركات الإسلامية بأسماء مختلفة، وهي حركة الإخوان المسلمين والتي تأسست في العام 1928 في مصر وامتدت إلى كل العالم العربي والإسلامي، وحزب الدعوة الإسلامية والذي تأسس في خمسينيات القرن الماضي في العراق وامتد إلى دول عربية أخرى وانتشر أيضا في دول المهجر، وحزب التحرير والذي تأسس في العام 1953 وأصبحت له فروع في دول عربية وإسلامية وفي آسيا الوسطى وبعض دول المهجر.

ولن أتطرق إلى التيارات السلفية أو الصوفية أو التيارات الإسلامية الجهادية أو التجربة الإيرانية والتجربة التركية؛ لأن لكل منها مقاربة مختلفة.

لكن هذه الحركات الإسلامية الثلاث الكبرى شكّلت على مدار الأعوام المائة الماضية مرجعية فكرية وسياسية للعديد من التيارات والحركات الإسلامية والتي أخذت اسماء مختلفة في كل قُطر، وكانت تطرح قيام الحكومة الإسلامية أو الحكم الإسلامي أو الخلافة الإسلامية، وبعضها وصل إلى الحكم أو شارك في الحكم والبرلمان بأشكال مختلفة أو خاض تجارب سياسية متنوعة، أو حاول الوصول إلى الحكم وفشل أيضا.

فما هو واقع هذه الحركات الإسلامية الكبرى والتحديات التي تواجهها اليوم؟

أولا: حركة الإخوان المسلمين، وهي أكبر الحركات الإسلامية وأوسعها انتشارا في كل العالم العربي والإسلامي، وكان لها التأثير في العديد من الحركات الإسلامية في العالم، ورغم كل ما تعرضت له من اضطهاد وقمع وتطورات مختلفة والصراعات التي خاضتها، فإنها انتشرت في العالم العربي والإسلامي وأقامت العديد من المؤسسات العالمية، ووصلت في السنوات العشر الماضية إلى الحكم في عدد من الدول العربية، كما أن لها التأثير في دول إسلامية كبرى مثل باكستان وماليزيا وإندونيسيا وتركيا.

لكن هذه الحركة تواجه اليوم أزمة كبرى بسبب وجود قياداتها المركزية في مصر في السجون والحملة الكبيرة التي تعرضت لها في عدد من الدول العربية، إضافة إلى فشلها في الحكم في عدد من الدول العربية وبعض الخلافات والانشقاقات الداخلية، مما يفرض عليها إجراء مراجعة شاملة في تجاربها وتحديد رؤيتها المستقبلية وكيفية مواجهة مختلف هذه التحديات.

ومع أن وجود قياداتها الأساسية في السجون قد يكون عائقا أمام هذه المراجعة اليوم، ولكن ذلك لا يمنع قيادات الحركة المنتشرة في العالم من وضع رؤية جديدة للإنقاذ والتحرك، وخصوصا اليوم بعد الحرب على غزة والدور الكبير الذي لعبته حركة حماس في الحرب، وهي من نتاج حركة الإخوان المسلمين.

كما أن دور حركات الإخوان المسلمين في العالم في مواكبة الحرب على قطاع غزة يحتاج إلى المزيد من الحيوية والنشاط، لأن هذه الحرب أعادت الثقة بالتيارات الإسلامية والفكر الإسلامي في العالم.

ثانيا: حزب الدعوة الإسلامية: رغم أن حزب الدعوة تأسس في العراق لكنه انتشر في العديد من الدول العربية والإسلامية وفي العالم، وقياداته ومفكروه كانوا من دول مختلفة، وقد استفاد من تجربتي الإخوان المسلمين وحزب التحرير وحقق انتشارا واسعا في الستينيات والسبعينيات.

وأعضاؤه الأساسيون في لبنان كان لهم الدور الأساسي في تأسيس حزب الله والمقاومة الإسلامية، لكن الحزب بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ولاحقا بعد سقوط نظام صدام حسين تحول إلى حزب عراقي، وأصبح الهم الأساسي له المشاركة في الحكم في العراق ولم يعد يولي القضايا الإسلامية الكبرى الاهتمام المطلوب، كما تراجع دوره الفكري التأسيسي، وغرق في مشاكل الحكم والفساد والأزمات والصراعات العراقية الداخلية.

واليوم يحاول الحزب استعادة دوره الفكري والسياسي وإعادة إيلاء الاهتمام بالقضايا الكبرى في المنطقة، لكن ذلك يتطلب مراجعة شاملة لتجربة الحزب في الحكم والأخطاء التي ارتكبها، وكذلك إعادة وضع رؤية جديدة لمشروعه الفكري والسياسي وما هي الأولويات التي يسعى إليها اليوم، وكذلك عودة الحضور الفاعل في تبني القضية الفلسطينية في ظل الحرب في قطاع غزة وتداعياتها في كل المنطقة، كما أن علاقات الحزب مع الحركات الإسلامية والقومية واليسارية تحتاج إلى تفعيل ومراجعة؛ لرسم رؤية جديدة حول دوره وموقعه في حركة التحرر والمقاومة اليوم.

ثالثا: حزب التحرير الإسلامي، ورغم الانتشار الذي حققه في العالم العربي والإسلامي وصولا لآسيا الوسطى وانتشار فكرة الخلافة الإسلامية التي دعا إليها، فإن هذا الحزب فشل في تحقيق الأهداف التي سعى إليها، وذلك بسبب الجمود الفكري والسياسي الذي عانى منه، إضافة إلى اضطراره للعمل السري أحيانا وغياب قيادته عن الحضور المباشر في الواقع السياسي والفكري.

نماذج لما تواجهه الحركات والتيارات الإسلامية اليوم من تحديات تتطلب مراجعات جديدة وشاملة، والواقع العربي والإسلامي والدولي اليوم يحتاج لهذه المراجعة ويحتاج لمشروع إسلامي جديد يستفيد من المتغيرات ويفتح الباب أمام دور جديد في العالم

ويقتصر حضور الحزب اليوم على إصدار البيانات والمواقف وأحيانا الدعوة للتظاهرات أو إقامة المؤتمرات الالكترونية أو الحضورية والدعوة لنصرة فلسطين أو دعوة الجيوش العربية والإسلامية للتحرك، أو انتظار قيام الخلافة الإسلامية لمعالجة مشاكل العالم العربي والإسلامي.

ولا يزال الحزب يستعيد أدبياته الفكرية والسياسية السابقة دون أية مراجعة فعلية أو تقييم لمسيرته وماذا حققت من نتائج فعلية.

واليوم إزاء ما يجري في فلسطين، ليس للحزب أي تحرك فعلي أو ميداني باستثناء إصدار المواقف والبيانات وبعض التحركات الشعبية، وهذه التجربة تتطلب مراجعة شاملة ووضع رؤية جديدة حول التطورات الدولية والإقليمية.

هذه نماذج لما تواجهه الحركات والتيارات الإسلامية اليوم من تحديات تتطلب مراجعات جديدة وشاملة، والواقع العربي والإسلامي والدولي اليوم يحتاج لهذه المراجعة ويحتاج لمشروع إسلامي جديد يستفيد من المتغيرات ويفتح الباب أمام دور جديد في العالم.

وفلسطين اليوم تنادينا جميعا كي نطوّر رؤيتنا وأفكارنا ودورنا، فهل من نتلقى الرسالة أم نظل غارقين في الخلافات السياسية والحزبية والمذهبية ونبقى أسرى الماضي؟

twitter.com/kassirkassem