اقتصاد عربي

اللمسات الأخيرة لتعويم "الجنيه" المصري.. ما هي أبرز المؤشرات؟

هناك بعض القرارات التي تؤكد حدوث التعويم قريبا- جيتي
عاد الحديث بقوّة عن تعويم وشيك للجنيه المصري، وفق تأكيد خبراء ومحللين مصريين، وذلك بعد نحو أسبوع من الإعلان عن صفقة بيع واستثمار مدينة "رأس الحكمة" التي جرت الجمعة الماضية، بين مصر والإمارات، وتبعها بعض التّعافي للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، مع تهاوٍ كبير للسوق الموازية لصرف العملة في البلاد.

ويقول البعض إن "هناك العديد من المؤشرات على حدوث تحرير لسعر صرف الجنيه خلال أيام معدودة، خاصة مع الإعلان عن قرب توقيع اتفاق بتمويل جديد لمصر من صندوق النقد الدولي"، فيما يشير آخرون إلى "احتمال تأجيله على الأكثر إلى ما قبيل شهر رمضان، الذي يحل في 10 آذار/ مارس الجاري، فلكيا".


وذلك إلى جانب ما سرده المحللون من مؤشرات، تؤكد أنه يجري وضع اللمسات الأخيرة لتعويم العملة المحلية رسميا، فيما توقع الخبراء وبينهم الكاتب الصحفي، عادل صبري، بأن يكون معدل خفض قيمة الجنيه من نحو 30.8 بالبنك المركزي إلى ما بين 40 و50 جنيها مقابل الدولار.



"مؤشرات التعويم"
ومن مؤشرات قرب تحرير سعر صرف الجنيه المصري، قول مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، الأربعاء، إن "الصندوق نجح في حل القضايا الأساسية مع السلطات المصرية حول التمويل المقرر، ومتوقع وضع اللمسات النهائية على حزمة تمويل إضافية خلال أسبوعين، وهو ما يعني قرب تحرير سعر صرف الجنيه الذي يطالب به الصندوق".



ويطالب الصندوق الحكومة المصرية، بما يقول إنه "ركائز أساسية للبرنامج الاقتصادي، مثل تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتخارج الجيش والحكومة من بعض القطاعات، بجانب اعتماد نظام سعر صرف أكثر مرونة".

وما يعزز مؤشرات قرب التعويم، مذكرة صدرت عن "غولدمان ساكس"، الثلاثاء الماضي، توقّع فيها البنك الأمريكي خفض قيمة الجنيه قبل اتفاق صندوق النقد الدولي، وذلك بعد إعلانه أن اتفاق مصر حول برنامجها الموسع مع الصندوق يبدو وشيكا، متوقعا الإعلان عن اتفاقية على مستوى الموظفين بالأيام المقبلة.

وأكد البنك أن "الصندوق الذي لم يحدد مستوى خفض قيمة الجنيه المحتملة، يرصد الامتثال لمطلب تخفيض قيمة الجنيه باستخدام 3 مقاييس، هي: عدم وجود علاوة في السوق الموازية، وعدم وجود تراكم لطلبات العملات الأجنبية، وحجم نشاط السوق بين البنوك".

لكن؛ "غولدمان ساكس" توقّع أن ينخفض الجنيه إلى مستوى 45 إلى 50 جنيها، متماشيا مع الأسعار الحالية في السوق الموازية، ملمحا لوجود مخاطر من تجاوز هذه المستويات بشكل كبير بسبب سيولة العملات الأجنبية المتاحة لدى البنك المركزي.

كما أن هناك بعض القرارات التي تؤكد حدوث التعويم قريبا، مثل إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الخميس، تسلم مصر 5 مليارات دولار من الدفعة الأولى لصفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات، وتسلم 5 مليارات دولار أخرى، الجمعة، وذلك من بين 24 مليار دولار تدخل الخزينة المصرية في شهرين ضمن المشروع المثير للجدل.

ومن تلك المؤشرات أيضا، قرار السيسي، الأربعاء، بدعم صندوق قادرون باختلاف بـ10 مليارات جنيه، ما يعني وفق رؤية البعض استمرار النظام في عمليات الإنفاق غير المدروس والقرارات الفردية وصرف أموال صفقة "رأس الحكمة"، بما يؤثر على ما لدى البنك المركزي من أموال.

من المؤشرات، أيضا، موافقة مجلس الوزراء المصري، الخميس، على مشروع قرار لتعديل الحد الأدنى لأجور الموظفين والعاملين لدى أجهزة الدولة والهيئات العامة الاقتصادية، اعتبارا من أول آذار/ مارس الجاري، وهو القرار الذي يسبق أو يتبع قرارات التعويم وفقا لسوابق قرار تحرير سعر الصرف في مصر منذ العام 2016، وهو القرار الأول في عهد السيسي.

كذلك، فإنه مع وصول الجزء الأول من صفقة رأس الحكمة، الخميس والجمعة، كما هو متفق، يجري فتح اعتمادات للمستوردين، وسط دفع لإنهاء أزمة البضائع المكدسة في الجمارك، ما يعني إنفاق جزء من المبلغ في هذه الإجراءات، وأن هذا المبلغ لن يستمر طويلا في تقوية موقف الجنيه بمقابل العملات الأجنبية.

وفي حديثهم لـ"عربي21"، طرح ثلاثة خبراء مصريين بعض المؤشرات التي تشير لحدوث تعويم وشيك، وذلك وفق قراءتهم للحالة المصرية، وسوابق قرارات النظام وتوجهاته، ووضع السوق المصرية، مشيرين إلى الأسباب التي تدفع نحو قرار التعويم برغم ما قيل عن حجم الأموال التي تدخل للدولة من صفقة "رأس الحكمة".

"مؤشرات واضحة"
وقال الكاتب الصحفي والباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي: "هناك مؤشرات بالفعل عن التعويم منها حديث رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن جزءا من أموال صفقة رأس الحكمة دخلت بالفعل إلى البنك المركزي".

الحويطي، في حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "هذا مؤشر على أنه سيبدأ في توفير جزء من الطلبات الخاصة بالمستوردين والسلع الراكدة في الجمارك؛ وبالطبع هو لن يوفر الدولار لهم بسعر السوق الرسمي، لأنه لو فعل ذلك سيعيد انتعاش السوق السوداء، بعد أن تتناقص الحصيلة الدولارية لديه".

وأكد أنه "لذلك فإن الأسلم اقتصاديا هو أن يقوم بتعويم في حدود من 40 إلى 45 جنيها حتى يبدأ توفير الدولار للمستوردين حتى يقلل الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، وبالتالي يصل إلى منطقة معينة وتحدث مطابقة، والفجوة بين السوق الرسمي والموازي تبدأ في التناقص لحين الحصول على حصيلة دولارية أخرى".

ويرى أن "تأثير التعويم اقتصاديا يتمثّل في تشجيع صندوق النقد الدولي على منح مصر شريحة كبيرة من التمويل، وهذا ما يعيد النظرة الإيجابية للسندات المصرية وأدوات الدين، ويساهم في أن وزارة المالية تستدين بنسب فائدة أقل مما كانت عليه من قبل".

وواصل: "كما أنه سيعيد الثقة لأهم عنصر من عناصر جذب الدولار وزيادة الحصيلة من العملات الأجنبية ألا وهو تحويلات العاملين في الخارج الذين سوف يعيدون تحويل الأموال إلى السوق الرسمي بدلا من تحويلها عبر السوق السوداء، خاصة وأن الفجوة ستبدأ في التناقص بين السوقين".

"إلى 60 جنيها"
وقال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، مصطفى يوسف: "لا أقدر على تحديد موعد مؤكد لقرار تعويم العملة المحلية، لأننا نتعامل مع حكومة لا تؤمن بالشفافية في عملية صناعة القرار، ولا تقوم بأي عملية مشاركة مجتمعية، والإعلام يستخدمه النظام وفق المقولة الشهيرة بـ(رسائل سامسونج) لتمرير رسائل في التوقيت الذي تريده الأجهزة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى توقّعات البعض بأن "يتحرك سعر الدولار بعد أي تعويم من 31 إلى 40 جنيها، لكن في ظني أنه سيكون بين 45 و48 جنيها، ليس أقل من ذلك بأي حال، بل ويمكن أن يقفز ليصل 50 جنيها، ثم وصوله في المستقبل القريب وخلال شهور معدودة حد 60 جنيها رسميا".

وأوضح أنه "عندما تدفع الحكومة بعض ديونها، وحاولت أيضا جلب بعض الأموال الساخنة مجددا فعندها سيزيد عجز الموازنة، لأن الفوائد عالية جدا، وهنا أتوقع أن يتجاوز الدولار معدل 60 جنيها رسميا في نهاية العام الجاري".

ولفت يوسف، إلى بعض الأسباب التي تدفع للتعويم بعد صفقة رأس الحكمة، موضحا: "نتحدث هنا عن صفقة بـ35 مليار دولار، 11 مليارا منها ودائع بالبنك المركزي، و24 مليارا تدخل البلاد؛ لكن عليك التزامات تصل 42 مليار دولار هذا العام وحده".

ولفت إلى أنه "بالمقابل هناك انخفاض حقيقي في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وانخفاض حقيقي في دخل السياحة، وقناة السويس، نتيجة حرب الإبادة الدموية الجارية على قطاع غزة طيلة 5 أشهر".

وعن النتائج المحتملة الاقتصادية والمالية والمعيشية حال حدوث التعويم، توقع يوسف، أن "تزداد الأحوال المعيشية سوءا فوق السوء الموجود بالأساس، فلا شيء يتحسن للأسف في حياة المصريين".

وأوضح أن كل ما قيل من تصريحات ووعود بتحسن الأحوال بعد صفقة "رأس الحكمة" هو خداع للمصريين، مطالبا بالرجوع إلى "تصريحات مسؤولين وإعلاميين سابقة، مثل عضو مجلس الشيوخ اللواء فاروق المقرحي، الذي قال إن "الدولار سيكون في 2018، بـ7 جنيهات، والإعلامي يوسف الحسيني، الذي قال في 2023، إن الدولار سيصل إلى 20 جنيها، والسيسي، وعد بأن ارتفاع سعر الدولار لن يؤثر على الأسعار".

وفي رده على السؤال: هل هناك ما يشير إلى عدم اتخاذ الحكومة المصرية قرار تعويم الجنيه أو تغيير النظام في سياساته السابقة، قال الخبير المصري: "نتكلم عن وضع صنعه النظام وجعله أمام خيار البيع".

وأوضح أنه "أيضا، ليس لديه أية خطط تنموية، وليس لديه استعداد لخروج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد كونها الحزب الذي يبقي عليه في السلطة والذي لو رفع يده عن السيسي وخرجت الجماهير للشوارع ستطيح بالنظام في 24 ساعة".

"لهذا يسقط الجنيه"
وفي تعليقه، قال كاتب وباحث مصري، إنه "لا يمكن لخبير أن يقول إنه ضد التعويم، ولكننا كنا وما زلنا ضد سلوك هذا النظام الفاشل، بل ضد سلوك رأس النظام بالأخص مع التعويم ومع توقيته".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنه "كان متاحا للنظام بالعام 2013، حين تحصل على دعم خليجي ومنح دولارية، وامتنع وقتها تماما عن التدخل في إدارة استثمار هذه المنح، وتركها للخبراء أو حتى لوزراء المجموعة الاقتصادية، لكي يديروا استثمارها استثمارا واعيا، بكيفية كانت يقينا ستدعم قيمة الجنيه المصري".

وأضاف: "ولكن لتدخله في هذا الشأن ولجهله وانعدام خبرته كلها بما فيها الخبرة الاقتصادية، كان ما كان منه وأدى لخراب الاقتصاد المصري"؛ مؤكدا أن "ما يُقال عن بيع الأصول ومنها ملايين الأمتار في رأس الحكمة وغيرها، والتي من شأنها أن تدعم قيمة الجنيه المصري، بعد تعويمه الساذج المزمع، فدعمه إن حدث سيكون مؤقتا، ما لم يؤشر اقتصادنا المصري لتنمية حقيقية ومنظورة".

بين أن تلك التنمية "تشمل مشروعات عملاقة عوائدها منظورة، وتزيد من صادراتنا، وتقلّل من وارداتنا، وتقلّص البطالة، مع توفّر دائم للدولار يلبي كافة الاحتياجات"، مؤكدا أنه "إن لم يحدث ما تقدم، فلا تنتظر دعما للجنيه المصري".