كتاب عربي 21

إخفاق حكومي مصري في إبطاء تصاعد الأسعار

ارتفاع الأسعار المستمر في مصر يضر بمحدودي الدخل- الأناضول
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أعلنت الحكومة المصرية عن مبادرة لخفض أسعار عدد من السلع الأساسية لمدة ستة أشهر، بالاتفاق مع القطاع الخاص، شملت: الفول والعدس ومنتجات الألبان والجبن الأبيض والمكرونة والسكر والأرز والزيت الخليط، بنسب تتراوح ما بين 15 في المائة إلى 25 في المائة، بالإضافة إلى خفض بنسبة 15 في المائة للدواجن الحية والمجمدة والبيض. وبدلا من أن يحدث انخفاض في الأسعار، اتجهت أسعار تلك السلع للزيادة.

وكالعادة لم تعتذر الحكومة أو تعلن أسباب تعثر المبادرة، ولكنها أعلنت بنهاية العام الماضي عن مبادرة جديدة باعتبار سبع سلع أساسية سلعا استراتيجية، وحظر امتناع حائزيها عن بيعها، في محاولة لزيادة المعروض السلعي منها لضبط أسعارها، وتشديد العقوبة على المخالفين بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة تتراوح ما بين 100 ألف جنيه وحتى مليوني جنيه، لكن النتائج جاءت معاكسة أيضا حتى الآن.

ويبدو أن الحكومة لم تتعلم من أخطائها، فقد سبق لها في آذار/ مارس 2022 اعتبار الخبز سلعة استراتيجية وتحديد سعر بيعه حسب الأوزان المختلفة، وتشديد العقوبة على المخالفين، وكانت النتيجة عدم التزام المخابز بتلك الأسعار. كذلك تم التدخل بتحديد سعر توريد الأرز في آب/ أغسطس 2022 بأقل من أسعار السوق بنسبة 30 في المائة، وكانت النتيجة اختفاء الأرز وتصاعد سعره وفشلها في الالتزام بالأسعار التي حددتها لبيعه.

خلال الأعوام الأخيرة توالت وعود المسؤولين بالحد من ارتفاع الأسعار منذ تولى الجيش السلطة عام 2013، سواء من قبل وزير التموين أو رئيس الوزراء أو الجنرال نفسه، مما أضعف ثقة الجمهور في تلك الوعود
تكرار وعود الجنرال بخفض الأسعار

وخلال الأعوام الأخيرة توالت وعود المسؤولين بالحد من ارتفاع الأسعار منذ تولى الجيش السلطة عام 2013، سواء من قبل وزير التموين أو رئيس الوزراء أو الجنرال نفسه، مما أضعف ثقة الجمهور في تلك الوعود.

ومن الوعود التي أعلنها الجنرال ما حدث في أيلول/ سبتمبر 2015، حين كلف المجموعة الوزارية الاقتصادية بسرعة ضبط الأسعار وعدم المساس بمحدودي الدخل.وفي بداية تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام حدد نهاية الشهر كموعد لنهاية ارتفاع الأسعار، مستندا على افتتاح الجيش عددا من منافذ بيع السلع، وأكد أنه لن يسمح بزيادة الأسعار، وأنه لا يبيع الوهم للشعب، ولثقته في تحقيق وعده فقد نصح التجار الذين لديهم مخزون سلعى بسرعة تصريفه حتى لا يتضرروا، وقبيل انتهاء الشهر أكد تخفيض الأسعار خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على عدم تحقق الوعد صرح في السابع عشر من آذار/ مارس 2016، بأنه لن يسمح أبدا بغلاء أسعار السلع الأساسية مهما ارتفع سعر صرف الدولار، ومهما كانت الكميات التي تحتاجها الأسواق، وحدد عددا من السلع التي لن تزيد أسعارها وهي: الزيت والأرز واللحوم والدواجن، ورغم عدم تحقق الوعد فقد راح في أواخر نيسان/ أبريل وفي الاحتفال بعيد العمال؛ يجدد تكليفه للحكومة بالعمل على ضبط الأسعار.

وفي آب/ أغسطس من نفس العام وخلال لقائه برئيس الوزراء شريف إسماعيل، شدد على أهمية الاستمرار في توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة، ومضاعفة الرقابة على أسعار الأغذية. وفي السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر أطلق وعدا جديدا بحل مشكلة ارتفاع أسعار السلع خلال شهرين على الأكثر، مؤكدا أنه خلال الشهرين سيتم خفض الأسعار من خلال زيادة المعروض بغض النظر عن سعر الدولار.

تكرار تشكيل اللجان لبحث القضية
تبرير استمرار ارتفاع الأسعار بأنه نتيجة الأحداث الدولية، باتخاذ فيروس كورونا مرة كمبرر والحرب الروسية الأوكرانية مرة أخرى، والتضخم العالمي وارتفاع الفائدة دوليا مرة ثالثة، مع الاستمرار في ترديد نفس المبررات حاليا، رغم أن مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن البنك الدولي قد أشار إلى استمرار انخفاضه خلال خمسة فصول متتالية من الربع الأخير من عام 2022 وحتى الشهر الماضي

وهكذا كانت تلك عينة من وعود الجنرال خلال عام واحد، والتي كررها خلال السنوات التالية دون أي اعتذار عن عدم تحقق الوعود السابقة، مع تبرير استمرار ارتفاع الأسعار بأنه نتيجة الأحداث الدولية، باتخاذ فيروس كورونا مرة كمبرر والحرب الروسية الأوكرانية مرة أخرى، والتضخم العالمي وارتفاع الفائدة دوليا مرة ثالثة، مع الاستمرار في ترديد نفس المبررات حاليا، رغم أن مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن البنك الدولي قد أشار إلى استمرار انخفاضه خلال خمسة فصول متتالية من الربع الأخير من عام 2022 وحتى الشهر الماضي.

وها هو مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة يشير إلى انخفاضه السنوي في الشهر الماضي بنسبة تتخطى 10 في المائة، نتيجة الانخفاض السنوي لمجموعة الحبوب بنسبة 19 في المائة، ولمنتجات الألبان بتراجع 18 في المائة، ولمجموعة زيوت الطعام بتراجع 13 في المائة، ومجموعة اللحوم بأكثر من واحد في المائة، ولم ترتفع خلال العام سوى مجموعة السكر.

ومن الوسائل التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة تشكيل لجان وزارية للتصدي لمشكلة ارتفاع الأسعار، وهو ما تكرر في بداية الشهر الحالي بتشكيل لجنة عليا لضبط الأسواق وأسعار السلع، تضم وزارات التموين والتخطيط والزراعة والصناعة وجهاز الإحصاء وجهاز حماية المستهلك وجهاز حماية المنافسة، لكن تلك اللجنة قد سبقها تشكيل العديد من اللجان لنفس الغرض خلال السنوات العشر الماضية.

فقد شكل رئيس الوزراء شريف إسماعيل مجموعة عمل لضبط أسعار السلع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 تضم تسع جهات حكومية، وفي آب/ أغسطس 2016 كانت هناك لجنة أخرى لضبط الأسعار من عدة جهات حكومية، وفي نيسان/ أبريل 2017 شُكلت لجنة وزراية لمواجهة الغلاء برئاسة وزير التموين، تضم وزارات التموين والزراعة والتجارة والصناعة والداخلية والصحة والتنمية المحلية بالتنسيق مع القوات المسلحة.

وفي كانون الثاني/ يناير 2018 أعاد مصطفي مدبولي رئيس الوزراء تشكيل لجنة متابعة السلع الغذائية برئاسة رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 شكل رئيس الوزراء لجنة تنسيقية للأمن الغذائي، وفي كانون الثاني/ يناير 2019 شكل وزير الزراعة اللجنة التنسيقية للأمن الغذائي لتنظيم سوق 11 سلعة أساسية ودراسة سعر استرشادي لها.

منافذ بيع لجهات غير منتجة

ومن الوسائل التي لجأت إليها الحكومات المتعاقبة التوسع في منافذ بيع السلع، بعد توسع كل من وزارتي الدفاع والداخلية في تلك المنافذ سواء الثابتة أو المتحركة لحسابهما، إضافة إلى المنافذ القديمة التابعة لوزارتي التموين والزراعة، لكن المعروف أن غالب تلك الجهات غير منتجة وتعتمد على الاستيراد والشراء من الأسواق المحلية. ومن الوسائل أيضا التلاعب في مؤشر أسعار المستهلكين لإعلان نسب تضخم منخفضة للإيهام بتراجع الأسعار، مثلما حدث خلال الشهر الماضي،
نتوقع استمرار إخفاق الحكومة في التصدي لقضية ارتفاع الأسعار، لأنها منذ حوالي عشرين عاما تتبع أسلوب إطفاء الحرائق في التعامل مع قضية الأسعار، من خلال استيراد كميات من السلع الغذائية في المواسم لزيادة المعروض منها، واعتمادا على تراجع الأسعار العالمية لبعض تلك السلع في بعض الفترات، لكن المواجهة الحقيقية المتمثلة في زيادة نسب الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية، فإنها لا تسير في هذا الأمر بجدية، حيث يتطلب وقتا وجهدا ومثابرة
حيث تم إعلان تراجع معدل التضخم خلاله بالمقارنة بالشهور السابقة، رغم أن أسعار الغذاء وغيرها خلال الشهر الماضي قد حققت معدلات قياسية تاريخية، نتيجة وصول سعر الصرف للدولار في السوق الموازية لسبعين جنيها، وهو السعر الذى يسعّر التجار أسعار السلع عليه، إضافة إلى زيادة الحكومة خلال الشهر أسعار عدد من الخدمات، شملت أسعار الكهرباء ومترو الأنفاق والسكة الحديد وخدمات الإنترنت والتلفون المحمول.

ومما سبق نتوقع استمرار إخفاق الحكومة في التصدي لقضية ارتفاع الأسعار، لأنها منذ حوالي عشرين عاما تتبع أسلوب إطفاء الحرائق في التعامل مع قضية الأسعار، من خلال استيراد كميات من السلع الغذائية في المواسم لزيادة المعروض منها، واعتمادا على تراجع الأسعار العالمية لبعض تلك السلع في بعض الفترات، لكن المواجهة الحقيقية المتمثلة في زيادة نسب الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية، فإنها لا تسير في هذا الأمر بجدية، حيث يتطلب وقتا وجهدا ومثابرة، بينما يسهل الأخذ بأسلوب الاستيراد السلعي.

لكن مسار الاستيراد السلعي أصبح أكثر صعوبة في ظل نقص العملات الأجنبية اللازمة للاستيراد، وتوجيه ما يتحقق من موارد إلى سداد أقساط الدين الخارجي، إلى جانب المشروعات القومية التي يركز عليها النظام الحاكم، وحتى إذا أراد النظام الحالي تغيير مساره والاهتمام بالإنتاج المحلي من السلع والخدمات فإن الأمر أصبح أكثر صعوبة.

فقد غادر الكثير من المنتجين البلاد للاستثمار في دول أخرى، كما أصبحت فوائد البنوك مرتفعة بشكل يعوق الاستثمار، إلى جانب ابتعاد شرائح عديدة في المجتمع عن ثقافة الإنتاج، والانخراط في ثقافة الكسب السريع التي تتحقق من خلال عمليات السمسرة والمتاجرة في البورصة وبالعملات الأجنبية والذهب والعقار.

twitter.com/mamdouh_alwaly