سياسة عربية

حماس تلقي الكرة في ملعب الاحتلال وتحصر خيارات نتنياهو.. "حنكة سياسية"؟

بيان "حماس" حمل ضمنيا وقف الحرب بالكامل وإطلاق سراح آلاف الفلسطينيين- الأناضول
ألقت "حماس" الكرة مجددا في ملعب الاحتلال وحلفائه عقب ردها على مقترح اتفاق إطاري لوقف إطلاق النار في غزة، وتبادل الأسرى، بهدف إنهاء الحرب المتواصلة على القطاع منذ أكثر من أربعة أشهر.

وقالت الحركة في بيان لها: "تعاملنا مع المقترح بما يضمن وقف إطلاق النار التام والإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة وإنجاز عملية تبادل الأسرى".

ويمثل رد الحركة بعد طول انتظار مناورة سياسة ناجحة تعيد مطرقة الضغط على نتنياهو الذي أسكت الشارع الإسرائيلي الغاضب بالموافقة على مقترح باريس ظنا منه أن المقاومة سترفضه.

من جانبها، أعلنت قطر التي تلعب دور الوساطة إلى جانب مصر، أنها متفائلة بالرد الذي تسلمته من حركة حماس.

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن بلاده تلقت رداً "إيجابياً" من حركة حماس بشأن اتفاق إطار ترعاه الولايات المتحدة يقضي بالإفراج عن الأسرى مقابل وقف لإطلاق النار في غزة.

ودعا رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، القيادتين السياسية والأمنية إلى اجتماع بعد ساعات لبحث رد حركة حماس على الصفقة المقترحة بشأن الحرب في قطاع غزة.


النجاة من الفخ
ويرى كثيرون أن رد "حماس" نابع من حنكة سياسية، أخرجتها من فح الاحتلال الذي كان يريدها أن ترفض المقترح ليستمر في عمليته العسكرية ملقيا عن كاهله ثقل قضية الأسرى.

إلا أن "حماس" قبلت المقترح وأضافت عليه تعديلات لتعيد الكرة مرة أخرى إلى ملعب كابينت الحرب، الذي كان ينتظر عدم موافقة المقاومة لتحميلها مسؤولية استمرار الحرب وسقوط المدنيين.



وقف العدوان
وبدا رد "حماس" أكثر واقعية من ذي قبل ويزيد من مأزق وحرج الاحتلال في ذات الوقت، فهي تخلت عن شرط الوقف الكامل للعدوان، لكنها اشترطت عدم إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق إلا بالوصول إليه.

وذكرت الحركة في مقترحها، أن المرحلة الأولى (45) يجب أن تتضمن البدء بمباحثات (غير مباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة لإعادة الهدوء التام.

وأكدت ضرورة الانتهاء من المباحثات (غير المباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة، لاستمرار وقف العمليات العسكرية المتبادلة والعودة إلى حالة الهدوء التام والإعلان عنه، وذلك قبل تنفيذ المرحلة الثانية.

ورقة الأسرى
وفتح الرد الباب أمام احتمالات عديدة لملف تبادل الأسرى، فقد ضمنت تبادل الأسرى (من النساء والأطفال دون سن الـ19 عاما غير المجندين، والمسنين والمرضى)، مقابل جميع الأسرى في سجون الاحتلال من النساء والأطفال وكبار السن (فوق الـ50 عاما) والمرضى، الذين تم اعتقالهم حتى تاريخ توقيع هذا الاتفاق بلا استثناء.

لكنها أضافت في الملحق حول المرحلة الأولى، إطلاق سراح 1500 أسير فلسطيني تقوم "حماس" بتسمية 500 منهم من المؤبدات والأحكام العالية.

وتركت الحركة الحديث عن تفاصيل إطلاق سراح جنود الاحتلال لديها للمفاوضات المستقبلية، ما يعني أن خيار تبييض السجون ما زال مطروحا وقد يتم على مراحل.

وقطع مقترح "حماس" الطريق على الاحتلال فيما لو حاول الانتهاء من تبادل الأسرى على عجالة لاستئناف الحرب، كما أنها منعته من إعادة اعتقال الأسرى المحررين، في بند يحتوي على ضمانات قانونية بهذا الخصوص.



إعادة الإعمار
أوردت حركة حماس في مقترحها ملحقا إضافيا للمرحلة الأولى، أكدت أنه جزء لا يتجزأ من هذا الاتفاق، على أن يتم التفاوض بخصوص تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة أثناء تنفيذ المرحلة الأولى.

ويتضمن الملحق تفاصيل تجعل من الصعوبة بمكان معاودة الاحتلال عدوانه، وبمعنى أدق هو إعلان ضمني لنهاية الحرب وبدء مرحلة الإعمار.

حيث اشترطت الوقف الكامل للعمليات العسكرية من الجانبين، ووقف كل أشكال النشاط الجوي بما فيها الاستطلاع، طوال مدة هذه المرحلة.

بالإضافة لعدة نقاط أهمها:

إعادة تمركز القوات الإسرائيلية بعيدا خارج المناطق المأهولة في كل قطاع غزة، لتكون بمحاذاة الخط الفاصل شرقا وشمالا، وذلك لتمكين الأطراف من استكمال تبادل المحتجزين والمسجونين.

تكثيف إدخال الكميات الضرورية والكافية لحاجات السكان (بما لا يقل عن 500 شاحنة) من المساعدات الإنسانية والوقود وما يشبه ذلك، بشكل يومي، وكذلك إتاحة وصول كميات مناسبة من المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق القطاع وبشكل خاص شمال القطاع.

عودة النازحين إلى أماكن سكنهم في جميع مناطق القطاع، وضمان حرية حركة السكان والمواطنين بكل وسائل النقل وعدم إعاقتها في جميع مناطق قطاع غزة وخاصة من الجنوب إلى الشمال.

توفير وإدخال المعدّات الثقيلة الكافية واللازمة لإزالة الركام والأنقاض، ومعدّات الدفاع المدني، ومتطلبات وزارة الصحة.

 إعادة إعمار المستشفيات والمخابز في كل القطاع وإدخال ما يلزم لإقامة مخيمات للسكان وخيم للإيواء.

إدخال ما لا يقل عن 60 ألفا من المساكن المؤقتة (كرفانات/ كونتينارات) بحيث يدخل كل أسبوع من بدء سريان هذه المرحلة 15 ألف مسكن إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى 200 ألف خيمة إيواء، بمعدل 50 ألف خيمة كل أسبوع، لإيواء من دمر الاحتلال بيوتهم خلال الحرب.

إقرار خطة إعمار البيوت والمنشآت الاقتصادية والمرافق العامة التي دمرت بسبب العدوان، وجدولة عملية الإعمار في مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات.

استئناف كل الخدمات الإنسانية المقدمة للسكان في كل مناطق القطاع، من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها وخاصة "الأونروا" وجميع المنظمات الدولية العاملة لمباشرة عملها في جميع مناطق قطاع غزة كما كانت قبل 7-10-2023.

وأكدت أن عملية التبادل مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى تحقق الالتزام بدخول المساعدات الكافية والإغاثة والإيواء التي تمّ ذكرها والاتفاق عليها.



التوقيت "الحرج"
تزامن تسليم حركة حماس ردها على المقترح مع جولة مكوكية يقوم بيها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمنطقة، وسيضع أي موقف إسرائيلي سلبي من الصفقة العلاقة المتأزمة أصلا بين بايدن ونتنياهو في مهب الريح.

ووصل بلينكن اليوم الأربعاء، إلى الأراضي المحتلة ومن المقرر أن يلتقي المسؤولين الإسرائيليين لبحث صفقة تبادل الأسرى المحتجزين في غزة، وسير العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، والتصور الإسرائيلي للمرحلة المقبلة.

والتقى بلينكن الثلاثاء رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة القاهرة، للبحث في مستجدات صفقة تبادل الأسرى بين الاحتلال وحركة حماس في غزة.

والتقى الوزير الأمريكي، الاثنين، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمدة ساعتين، وتباحثا في تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار.

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن بلينكن وابن سلمان ناقشا التنسيق الإقليمي، بشأن إنهاء الحرب في غزة، وتوفير السلام والأمن الدائمين للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

 وتعد جولة بلينكن الخامسة في الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في ظل الدعم الكبير الذي يتلقاه الاحتلال الإسرائيلي من الولايات المتحدة، في حربه المدمرة على قطاع غزة.

فشل سياسة الضغط
مع احتدام المعارك في خانيونس وفشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه، فقد شكل رد "حماس" والسقف العالي الذي تحدثت به الحركة وغياب التنازلات، خيبة أمل جديدة لحكومة نتنياهو التي راهنت على رضوخ "حماس" تحت الضغط العسكري.

وقال وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت: "إن العملية في غزة ستتواصل خلال الأشهر القادمة، من أجل تهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن، وجنودنا يخوضون عملية برية هي الأعقد في تاريخ الحروب".

وأكد غالانت الاثنين الماضي، أن "الجيش الإسرائيلي يعتزم الوصول إلى رفح لكن لا يمكن القول متى وكيف".

ورغم ذلك، فإن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، فهو لم ينجح في تحرير أي من أسراه بالقوة، كما أنه لم يستطع قتل أي من قادة المقاومة ولا حتى تعطيل قدراتها أو وقف قصف الأراضي المحتلة بالصواريخ.

وعقب رد "حماس" دعا نتنياهو إلى عقد اجتماع حكومي لمناقشته، لتتركه "حماس" بين خيارين، إما مواصلة الحرب دون مكاسب مع احتمالة توسع كبيرة، أو الرضوخ للمقترح الذي يمثل ضمنيا انتهاء الحرب وفشل حرب الاحتلال الجنونية على غزة.