مقالات مختارة

بن غفير ينطق بلسان نتنياهو

جيتي
لم يقم بنيامين نتنياهو بوصفه رئيس الحكومة الإسرائيلية، لا بتوبيخ ولا بزجر ولا حتى بمعاقبة الوزير المتطرف في حكومته إيتمار بن غفير، بعد أن هاجم الأخير الرئيس الأميركي جو بايدن، في أول لقاء له مع صحيفة أجنبية، وكانت من سوء حظه أميركية، بل وهو يقول كلاما يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي الأميركي، ويؤثر حتى على انتخابات الرئاسة التي تستعد للإقلاع قريبا، وحيث يبدو أن المنافسة النهائية فيها ستكون «كلاكيت ثاني مرة» لتلك التي جرت في المرة السابقة، أي في العام 2020، وخسرها الرئيس الذي كان حينذاك يجلس في البيت الأبيض، دونالد ترامب، هذا الذي يفضله بن غفير على خصمه الرئيس الحالي جو بايدن.

وقد جاءت تصريحات بن غفير، في ظل احتدام الجدل الإسرائيلي الداخلي، إن كان في «الكابينت» أو المجلس الوزاري المصغر حول مقترح صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين مع وقف إطلاق للنار في غزة، مقابل المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس»، حيث معروف تماما وللجميع، بأن بن غفير هو أحد أكثر المعارضين لأي صفقة يتخللها أي وقف لإطلاق النار، في حين ترغب واشنطن بتلك الصفقة، حيث يريدها جو بايدن كورقة تعزز حظوظه الانتخابية، لذا يمكن اعتبار ما قاله الوزير المتطرف الإسرائيلي من مفاضلة لترامب على بايدن، بأنه تدخل واضح في الانتخابات الأميركية ومحاولة للتأثير على الناخبين اليهود الأميركيين.

أما نتنياهو، فهو لا يبتلع لسانه إزاء ما يثيره كل من بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، عبر تصريحاتهما المثيرة دائما للجدل، ليس الداخلي وليس مع الجانب الفلسطيني وحسب، بل ومع أطراف عديدة منها الأردن ومصر حتى الإمارات وصولا إلى الأوروبيين والأميركيين، ولا يعود ذلك لحسابات تتعلق بالتوازن داخل ائتلافه الحكومي، وليس تجنبا لانفراط عقد ذلك الائتلاف وسقوط الحكومة، كما يعتقد أو كما يقول الكثير من المراقبين، بل يعود أساسا إلى أن نتنياهو مقتنع تماما بما يقوله الوزيران المتطرفان، اللذان هما ـــ بالمناسبة ـــ لأول مرة يشاركان في التشكيل الحكومي، ومن يتابع تصريحات ومواقف نتنياهو ليس فقط منذ السابع من أكتوبر الماضي، أي على خلفية الحرب التي شنها على قطاع غزة، بل منذ أكثر من عام على تشكيل هذه الحكومة، يدرك تماما بأن نتنياهو لا يقل تطرفا عن الوزيرين المذكورين، لكن انشغال إسرائيل قبل 7 أكتوبر بالصراع الداخلي على «إصلاحات القضاء» كان يخفي موقفه الحقيقي من أي حقوق للشعب الفلسطيني، بدءا من رفض حقه في الدولة المستقلة، وانتهاء برفض حقه في الحياة على قدم المساواة مع غيرهم من اليهود الإسرائيليين، على وجه التحديد، ومرورا بالطبع برفض الانسحاب من الأرض الفلسطينية التي يحتلها منذ 57 سنة.

وعمليا فإن نتنياهو يعتبر قائد اليمين الإسرائيلي بعد مؤسسه مناحيم بيغن، وعراب اليمين المتطرف، الذي أخرج من عباءته أكثر من حزب وجماعة وشخصية يمينية متطرفة، والأمثلة على ذلك كثيرة، من أفيغدور ليبرمان، إلى نفتالي بينيت، إلى العديد من قادة «الليكود»، كما أنه ليس بن غفير وسموتريتش وحدهما المتطرفين فقط في حكومة نتنياهو الحالية، بل يمكن القول، إن أغلبية واضحة وكبيرة من نخبة السياسة الإسرائيلية متنكرة تماما للحقوق الوطنية الفلسطينية، ليس فقط كل أعضاء الائتلاف الحالي، بل جزء كبير من المعارضة أيضا، ويمكننا أن نشير باختصار إلى ما قاله قبل أيام فقط جدعون ساعر الليكودي السابق، الذي سبق له أن نافس نتنياهو على زعامة «الليكود»، وهو، اليوم، ضمن حزب معسكر الدولة بزعامة بيني غانتس، من أن الدولة الفلسطينية خطر على إسرائيل.

أما الحديث عن استخدام القنبلة النووية ضد غزة، الذي قال به وزير التراث عميحاي إلياهو، العضو في حزب بن غفير «القوة اليهودية» فقد سبقته إليه النائبة عن «الليكود» تالي غوتليف بالدعوة لاستخدام سلاح يوم القيامة، وذلك بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، أما وزير الخارجية إسرائيل كاتس، فقد اقترح رسميا على الدول الأوروبية صناعة جزيرة صناعية لإسكان أهل غزة فيها في عرض البحر، فيما سارع وزير الحرب يوآف غالانت منذ اليوم الأول للحرب إلى ارتكاب جريمة الحرب بقطع الماء والدواء والطعام عن كل سكان قطاع غزة.

أما فيما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، ورغم أن الإسرائيليين يعرفون جيدا، أن بايدن ليس بيل كلينتون، ولا باراك أوباما، وهو يمثل يمين الحزب الديمقراطي، الذي عجز عن فرض العودة للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني المعقود العام 2015، وذلك لأن إسرائيل وبنيامين نتنياهو بالتحديد، قد رفضا ذلك الاتفاق، وحقيقة الأمر أنه منذ وقت طويل، لا يظهر هناك فارق كبير بين اليمين والوسط، أي اليمين الذي يقوده نتنياهو والوسط الذي يقوده يائير لابيد، إلا في تفاصيل صغيرة، بالكاد استطاعت العام 2021، وبعد ضم ليبرمان وجدعون ساعر، وتنصيب نفتالي بينيت أن تقصي نتنياهو عن مقعد رئيس الحكومة، لعام ونصف العام فقط، وذلك بعد «دعم» بايدن، والآن وبعد كل ما قدمه بايدن منذ 7 أكتوبر، فإن اليمين الإسرائيلي، «يبخل» عليه بورقة صفقة تبادل الأسرى، وهو يعرف بأنها أقل كثيرا مما تطلبه «حماس»، ورغم الفشل العسكري الإسرائيلي وعدم وجود أهداف سياسية قابلة للتحقق، لكن لأن الفاشية الإسرائيلية  وجدت تغطية أميركية، رغم أنها بدت في البداية مشروطة، بالحرب على «حماس» فقط، أي تجنب استهداف المدنيين، وألا تؤدي لا إلى تهجير ولا لإعادة احتلال، وأنها محدودة بأسابيع، وها قد مرت الشهور، أربعة شهور، وهي تدفع للمضي بعيدا في الحرب، وتحقيق طرد كل الفلسطينيين من وطنهم المحتل.

أي أن إسرائيل هي التي خذلت وأخلت بعقد الشراكة مع بايدن، ونتنياهو نفسه يقول بالسيطرة العسكرية على غزة، وبرفض عودة السلطة الفلسطينية إليها، ويرفض حل الدولتين، ويرفض وحدة الضفة وغزة، ويشد على يد سموتريتش وهو يواصل قرصنته على الأموال الفلسطينية، ليعاقب جماعيا كل الشعب الفلسطيني، سواء كان في غزة أو القدس أو الضفة الفلسطينية، أما بايدن، فهو غير قادر حتى اللحظة على أن يضع حدا لاحتمال اندلاع حرب إقليمية ستجر إليها أميركا، وهذا هدف إسرائيلي واضح منذ سنوات، حيث تريد إسرائيل أن تدفع أميركا للحرب مع إيران، وذلك بتأييد وقف إطلاق النار فورا، وإنهاء حرب الإبادة، التي كانت سببا في التنديد بإسرائيل وأميركا في كل عواصم ومدن العالم، بما في ذلك واشنطن وبرلين ولندن وباريس.

أي أن أميركا تدفع ثمنا باهظا، من رصيد زعامتها للنظام العالمي الذي تتحداها عليه الصين وروسيا، وليس فقط بايدن هو من يدفع الثمن من رصيده الانتخابي، وبذلك فإن الحديث الأميركي عن حل الدولتين دون وقف الحرب، ما هو إلا كلام بلا رصيد، خاصة إذا ما سقط بايدن، وجاء ترامب، الذي ليس بالضرورة أن يكون صديقا لنتنياهو، الذي طعنه شخصيا حين هنأ بايدن لحظة إعلان النتائج العام 2020، لكنه كجمهوري يبقى أكثر يمينية ومحافظا أكثر من بايدن، وربما أنه يولي الكراهية الشخصية لنتنياهو اهتمامه، لو فاز وعاد للبيت الأبيض مطلع العام القادم، لكنه لن يحيد بالطبع عن تشجيع الطريق الفاشي لليمين الإسرائيلي الذي سيظل يحكم إسرائيل، وبه ستظل إسرائيل غير قابلة للتعايش مع كل شعوب الشرق الأوسط، ولن تنسى شعوب العالم بسرعة ما ارتكبته في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية ولا من جرائم حرب، وسيظل ينظر إليها باعتبارها دولة منبوذة وشاذة في عالم يسعى لطي ملف الحروب والصراعات الساخنة بأسرع وقت، ذلك بعد أن ظن العالم بأن عصر الحروب الطاحنة قد ولى مع شروق شمس الألفية الثالثة.
(الأيام الفلسطينية)