اقتصاد عربي

على وقع أزمة الدولار.. 2024 يشهد أول تعثر لشركة إماراتية بالسوق المصري

تستمر أزمة الدولار في مصر في ظل أزمة ديون غير مسبوقة - الأناضول
لم يكد ينتصف الشهر الأول من العام الجديد، حتى بدأت ملامح 2024، الصعبة على بعض الشركات العاملة بمصر في الظهور، ما دفع بعضها لوقف أعمالها في السوق المحلي، رغم تسابقها وصناديق سيادية خليجية ورجال أعمال من جنسيات متعددة على الاستثمار في أكبر بلد عربي سكانا، قبل سنوات.

وقررت شركة "تبريد" الإماراتية إنهاء تعاقدها مع مشروع "المدينة الطبية الجديدة" (كابيتال ميد)، التابع لشركة المصريين لخدمات الرعاية الصحية.

وذلك على وقع أزمة تراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وتفاقم أزمة شح الدولار في السوق المصري، وتقييمه بأكثر من سعر بين الرسمي والسوق الموازي.

لهذا يهرب الاستثمار
سببُ إنهاء التعاقد في المشروع المقام بمدينة "بدر" القريبة من العاصمة الإدارية الجديدة، بحسب قول رئيس الشركة الإماراتية، خالد المرزوقي، لموقع "الشرق بلومبيرغ"، هو عدم "استدامة المشروع من الناحية المالية، نظرا لكون النفقات الإماراتية ستكون بالدولار الأمريكي، فيما ستكون الإيرادات المستقبلية بالجنيه المصري، وبالتالي أصبح المشروع غير مستدام من الناحية المالية".



"تبريد"، كانت أبرمت عقدا بقيمة 1.6 مليار جنيه، (1 دولار يعادل 30.91 جنيها مصريا)، لتصميم وإنشاء وتشغيل محطة للتدفئة والتبريد بمجمع "كابيتال ميد" في سبتمبر/ أيلول 2022، بعد أشهر قليلة من دخولها السوق المحلي بتوقيعها اتفاقية شراكة لتقديم خدمات التبريد لـ"مول دي 5 إم" بالقاهرة الجديدة.

لكن تقلبات سعر صرف الجنيه أثرت سلبيا على الاتفاق، الذي تم وكان سعر الدولار 18 جنيها وأقصى سعر للصرف كان متوقعا 25 جنيها للدولار، والذي تجاوز سعره 30 جنيها رسميا، ما دفع "تبريد"، لطلب تعديل "تعريفة بيع المياه" المتفق عليها، وهو ما رفضه الجانب المصري.

وكان الرئيس التنفيذي لـ"تبريد" الإماراتية قد أعرب عن وجود أزمة تواجه أعمال شركته في مصر، مشيرا إلى تجميد خطط أعمال الشركة المستقبلية بمصر، حين قال في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن "فرق سعر الصرف دفع شركته للتريث بشأن استمرار أعمالها في مصر".

أجواء القرار
اللافت أن قرار "تبريد" الإماراتية يأتي بعد أيام من صدمة دولية تعرض لها الاقتصاد المصري، بإعلان بنك جيه بي مورغان، الأمريكي، الأربعاء الماضي، استبعاد السندات الحكومية المصرية بالأسواق الناشئة من مؤشراته من نهاية كانون الثاني/ يناير الجاري، ما يعطي المستثمرين انطباعا سلبيا عن اقتصاد مصر.

المثير في الأمر أن قرار البنك الأمريكي جاء على خلفية "مشكلات تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبي، أبلغ عنها مستثمرون يتم الرجوع إليهم لتقييم الأداء"، وهو جزء من شكاوى الشركات الأجنبية العاملة والمستثمرين في مصر.

كذلك يأتي قرار الشركة الإماراتية، متصادما مع خطط الحكومة المصرية وتوجهاتها بزيادة الاستثمار الخارجي ومضاعفة مواردها من العملات الأجنبية 3 مرات خلال 6 سنوات لتصل 300 مليار دولار أمريكي، وفق وثيقة أصدرتها قبل أيام، عن توجهاتها للفترة الرئاسية الجديدة.

وتستهدف مصر تحقيق 12 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بنهاية العام المالي الحالي، الذي ينتهي في 30 حزيران/ يونيو  2024، وفق تصريحات تلفزيونية للرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، حسام هيبة.

ولكن، يبدو أن الأوضاع غير مبشرة، مع تواصل أزمة شح الدولار التي تضرب السوق المصري منذ الربع الأول من 2022، مع هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد، إثر الحرب الروسية الأوكرانية.



منذ ذلك الحين وحتى اليوم، تتراجع موارد البلاد الأساسية من العملات الأجنبية، وأصبح خروج عوائد وأرباح الشركات التي تم تأسيسها أو الاستحواذ عليها أو شراء حصص بها في مصر يمثل أزمة للمستثمرين الأجانب.

وفي المقابل، تعجز الحكومة المصرية عن توفير الدولار للمستثمرين والمصنعين والمستوردين لخامات التشغيل والآلات وقطع الغيار، ما يدفع أصحاب الأعمال لشراء العملات الصعبة من السوق السوداء، الأمر الذي يسبب لهم خسائر فادحة.

وجرى تخفيض قيمة الجنيه منذ آذار/ مارس 2022، ثلاث مرات، لينخفض مقابل الدولار من نحو 16.60 جنيها، إلى 30.9 جنيها للدولار، فيما وصل السعر في السوق السوداء إلى نحو 54 جنيها.

توجه يصعب إيقافه
وعن خطورة إنهاء الشركة الإماراتية تعاقدها مع الشركة المصرية، ومدى اعتبار ذلك مؤشرا على احتمال خروج شركات أخرى أو تقليل أعمالها أو عدم دخولها بأعمال جديدة بمصر، تحدث الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال الأمريكي محمود وهبة لـ"عربي21" قائلا إنه "اتجاه يصعب إيقافه إلا بتدخل سياسي"، مؤكدا أن "هذا ما تفعله الشركات الأجنبية عندما لا تستطيع تحويل أرباحها بالدولار من مصر".

ووسط مطالب خدمة دين خارجي بلغت نحو 165 مليار دولار، زادت الضغوط على الحكومة المصرية المطالبة بدفع نحو 42 مليار دولار أقساط وفوائد ومتأخرات الدين في 2024 وحده، ما دفعها لفرض قيود على تحويل العملات الصعبة للخارج، ما ترى فيه الشركات الأجنبية قيدا يمنع تحويل أرباح أعمالها لشركائها بالخارج.

وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المصرية 35.173 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مقارنة بنحو 35.102 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وانخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2023 - 2024 بنسبة 29.6 %، وفق بيانات البنك المركزي المصري، الصادرة في 5 كانون الثاني/ يناير الجاري، سجل نحو 2.3 مليار دولار، مقابل 3.3 مليارات دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.

وخرجت استثمارات أجنبية مباشرة من مصر بالعام الماضي، بقيمة 13 مليارا و663 مليون دولار، منها 1.723 مليار دولار إلى الإمارات، و214 مليون دولار للكويت، و184 مليون دولار للسعودية، و121 مليون دولار لقطر، و96 مليون دولار للبحرين، و32 مليونا لتونس، و12 مليون دولار للأردن، بحسب بيانات البنك المركزي.

الأمل المبعثر
من جانبه قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكر الله: "بالطبع خروج الشركة الإماراتية لم يكن هو الخروج الأول لشركات أجنبية وعربية من السوق المصري خلال ما بعد أزمة الدولار التي بدأت تقريبا قبل عام ونصف".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "وبالتالي فإن قرار الشركة الإماراتية مرجح لأن يكون مؤشرا على بداية تخارج مجموعة من الشركات التي صمدت، والتي استطاعت أن تدبر احتياجاتها من النقد الأجنبي".



وأضاف: "لا سيما وأن هذه الشركات تحتاج لشراء مدخلات إنتاج بالعملات الأجنبية، ثم تبيع في النهاية في السوق المحلي المصري، كما أنها تحتاج إلى تحويل أرباح المساهمين في هذه الشركات للخارج".

وأكد أن "هذا الأمر يواجه مشاكل كبيرة، مع صعوبة الحصول على النقد الأجنبي، سواء لتلبية احتياجات الشركات من مدخلات أو لتحويل الأرباح من الجنيه المصري إلى الدولار في النهاية لصالح حملة الأسهم".

وعن رؤيته لموطن الخلل، ومكمن الخطأ، والمخطئ في المعادلة الدولة أم المستثمر، ومدى طمع الشركات الأجنبية وعدم تنازلها عن حجم أرباح معينة، وإمكانية توفيق الأوضاع لعدم تخارجها وتقليل خسائر السوق، قال ذكر الله، إن "الخلل بالسوق المصري وبطبيعة إدارة أزمة الدولار ".

ولفت إلى أنه "حتى الآن؛ لا توجد حلول قريبة للأزمة، توجد فقط وعود حكومية كلها تذهب أدراج الرياح، ولا تنفيذ للوعود على أرض الواقع، بل الأمور كلها تسير من سيئ لأسوأ، وكل فترة يهبط التصنيف الائتماني لاقتصاد مصر وللبنوك".

وبجانب خفض وكالات التصنيف الدولية الكبرى الثلاث تصنيف مصر الائتماني في 2023، خفض البنك الدولي قبل أيام، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري بالعام المالي الحالي (2023/2024)، إلى 3.5 % مقابل 4 % سابقا، كما خفض التوقعات أيضا للعام المالي المقبل (2024/2025) إلى 3.9 %.

ويرى الخبير المصري، أن "حلحلة المشكلة مع صندوق النقد الدولي، لن توفر إلا جزءا يسيرا من الأموال المستحقة على مصر خلال الفترة القادمة، بل والحكومة لم تقدم أي شيء على الإطلاق".

وتحقق مؤخرا تقدم مصري ملحوظ في المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي، لزيادة برنامج تمويله للقاهرة، ورفع قيمة قرض بقيمة 3 مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وأشار أيضا إلى أن "برنامج الطروحات الحكومية الذي أُعلن عنه الفترة الماضية لم يحقق نجاحا في الترويج ولا بالإقبال على السوق المصري بالفترة الماضية".

وختم بالقول: "وبالتالي نحن أمام مشهد شبه مجمد؛ والحل من وجهة نظر الكثير من الشركات سيكون الخروج، لأن البقاء بالسوق المصري يمثل لهم نوعا من أنواع الأمل المبعثر، غير المبني على جدارة مالية للسوق المحلي".

سلسلة هروب وتخارج
ومنذ العام 2022، يفقد السوق المصري جاذبيته أمام المستثمرين خاصة الخليجيين، بشكل مثير للجدل والتساؤلات، ويشير وفق مراقبين إلى تفاقم أزمات الاقتصاد المصري بفعل سياسات النظام الحاكم الخاطئة التي ورطت البلاد في ديون داخلية وخارجية مقابل بذخ وصرف على مشروعات غير منتجة.

وتراجع سعي الشركات السعودية والإماراتية والقطرية والكويتية وصناديق تلك الدول السيادية عن الاستثمار في السوق المصري والتنافس على الفرص القائمة فيه.

ومع طرح الحكومة المصرية في 8 شباط/ فبراير 2023، لعدد 32 شركة مملوكة لها وللجيش تعمل في 18 قطاعا، للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تراجع الإقبال الخليجي على الصفقات المصرية، بل زادت عمليات التخارج من السوق المصري.

وأثير خلاف بين الحكومة المصرية ومستثمرين خليجيين حول عملية تقييم تلك الصفقات، حيث تتمسك مصر بالتقييم بالدولار الأمريكي، فيما يصر الطرف الثاني على التقييم بالعملة المحلية.

كما أنه خلال الفترة من 2022 وحتى الآن، تخارجت العديد من الشركات من السوق المصري أو أوقفت أعمالها أو جمدت خططها المستقبلية أو فشلت مفاوضات استحواذها على أصول مصرية، وهي كما تبدو في رصد أعدته "عربي21".

وتعتزم أول شركة وطنية لتكنولوجيا المعلومات في مصر، وهي "جيزة للأنظمة"، توجيه 70 % من استثماراتها في عام 2024 إلى السوق السعودي، معلنة في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنها ستضخ استثمارات بقيمة 200 مليون دولار، منها 140 مليون دولار بالسوق السعودي.

وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن رجل الأعمال ناصيف ساويرس، نقل مقر المجموعة الأم، إن إن إس إلى سوق أبوظبي العالمي بالعاصمة الإماراتية، ما اعتبره مراقبون، هروبا كبيرا من العائلة الأغنى مصريا من السوق المحلي.

وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت شركة ألكترولكس السويدية المتخصصة في صناعة الأجهزة المنزلية، بيع علامتها التجارية ومصانعها بمصر، والتي يعمل فيها 2100 عامل.

وفي أيار/ مايو الماضي، قررت الشركة المتحدة للإلكترونيات (إكسترا) السعودية وقف خططها التوسعية في مصر والبالغة حوالي 38 مليون ريال (10.13 ملايين دولار) بعد دراسة جدوى، مرجعة السبب لعدم وضوح التوقعات المستقبلية في المناخ الاقتصادي العام بمصر.

وفي 2 مايو/ أيار الماضي، أعلن سميح ساويرس، رئيس أوراسكوم للفنادق والتنمية، توقفه تماما عن الاستثمار بمصر، في ظل "صعوبة دراسة جدوى المشروعات بسبب تباين سعر صرف الجنيه المصري"، و"تدهور الوضع الاقتصادي"، و"عدم استقرار الإنتاج، والاستيراد".

وفي 20 آذار/ مارس الماضي، تخارج مصرف أبوظبي الإسلامي- مصر من شركة الزجاج والبلور التي كانت مملوكة له، مقابل 231.5 مليون جنيه لصالح رجل الأعمال جمال الجارحي، فيما أعلن عن خططه للتخارج من شركتي "أسيوط للتنمية الزراعية"، و"إنتاد"، المصريتين.

وفي 23 شباط/ فبراير الماضي، قررت شركة "تابي" الإماراتية لخدمات البيع بالتقسيط، تعليق عملياتها بالسوق المصري بعد 6 أشهر فقط من دخولها البلاد بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، رغم جمعها 275 مليون دولار من مستثمرين عالميين وإقليميين، منذ أيلول/ سبتمبر 2022.

وفي 22 شباط/ فبراير الماضي، علق صندوق الاستثمارات العامة السعودي مفاوضاته مع الحكومة المصرية حول صفقة "المصرف المتحد"، وفق وكالة رويترز.

وفي 4 فبراير/ شباط الماضي، أشارت تقارير صحفية إلى تعثر مفاوضات استحواذ جهاز قطر للاستثمارات، على حصة شركة المصرية للاتصالات المصرية الحكومية، في شركة فودافون مصر، وذلك رغم رغبة القاهرة الواضحة في عودة الدوحة للاستثمار بها.

وفي السياق، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" الاقتصادية البريطانية، عن مصرفي مقيم في دبي أن صندوق أبوظبي السيادي، أوقف مشاريعه مؤقتا في البلاد، فيما قال المصدر: "لا شهية لأي شيء جوهري في الوقت الحالي".

وأشارت الصحيفة في تقريرها 28 نيسان/ أبريل الماضي، لحالة الإحجام الخليجي السعودي الإماراتي والقطري عن الطروحات المصرية لشركاتها العامة، منبهة لكثير من الخلافات حول التسعير وطريقته.

وكشفت الصحيفة عن انسحاب صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار من مفاوضات لهم بشأن الاستحواذ على بعض الأصول العامة في مصر، لافتة لرفض جهاز قطر للاستثمار عرض حصة في شركة لتصنيع البسكويت مملوكة للجيش.

وفي 2023، واصلت شركات مصرية كبرى مثل "النساجون الشرقيون"، و"دومتي"، عمليات التسجيل والبيع لبعض أصولها بالخارج، هربا من أوضاع وقوانين السوق المحلية، واحتماء بقوانين وأسواق دولية أخرى، في إجراء قانوني تقره جهات حكومية مصرية، يمنح تلك الشركات الحق بنقل أرباحها بالدولار للخارج دون مساءلة.