سياسة دولية

تحريض واسع.. هل يشعل إلغاء مباراة "السوبر التركي" في السعودية أزمة بين أنقرة والرياض؟

تزامنت مباراة كأس السوبر التركي هذا الموسم مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية- إكس/ نادي فينربخشة التركي
أثار إلغاء مباراة كأس السوبر التركي المقرر إجراؤها لأول مرة في تاريخها على الأراضي السعودية، إثر خلافات متعلقة بمنع رفع صور أتاتورك، موجة واسعة من الجدل والانتقادات المتبادلة بين الأوساط التركية والسعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار مخاوف من عودة توتر العلاقات بين البلدين الإقليميين.

وذكرت وسائل إعلام تركية أن ناديي غلاطة سراي بطل الدوري الممتاز، وفنربخشه بطل كأس تركيا، قررا عدم النزول إلى أرضية استاد "الأول بارك" في الرياض، تنديدا بمنعهم من ارتداء قمصان تحمل صورة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

وتداولت حسابات تركية مقاطع مصورة توثق لحظات إخراج حقائب وتجهيزات الناديين التركيين من محل إقامتهما في العاصمة السعودية تمهيدا لعودتهما إلى تركيا.


وشن سياسيون ورؤساء أحزاب معارضة هجوما لاذعا على القرار السعودي الذي وصفوه بأنه "لا يحترم القيم التركية"، منتقدين اتحاد كرة القدم التركي، إثر قراره إجراء مباراة السوبر التركي التي تتزامن مع مئوية تأسيس الجمهورية في السعودية.

وقال رئيس الوزراء التركي السابق وزعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، "الذين قرروا إقامة نهائي كأس السوبر التركي لكرة القدم في السعودية، هل ساومتم على قيمنا الوطنية؟".


وأضاف في تدوينة عبر حسابه في منصة إكس" (تويتر سابقا): "عار على أولئك الذين لا يستطيعون حماية سمعتنا الوطنية حتى في منظمة رياضية".

وتابع: "بينما تستمر الإبادة الجماعية في غزة، فإن وضع البلدين الإسلاميين الكبيرين، اللذين لا يستطيعان حل الأزمة حتى خلال النشاط الرياضي، مؤسف".

من جهته، قال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو: "أهنئ فنربخشه وغلاطة سراي على حساسيتهما تجاه مصطفى كمال أتاتورك في مباراة كأس السوبر في الرياض في الذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا". وأضاف: "لوننا أحمر أبيض، وخطنا الأحمر هو مصطفى كمال أتاتورك".


واعتبر في تدوينة منفصلة أن "ما حدث في بلد أجنبي أحزننا بشدة، ولم تعد هذه المباراة محض منافسة، بل أصبحت رمزا لوحدتنا الوطنية"، بحسب تعبيره.

أما زعيمة حزب "الجيد" المعارض، ميرال أكشينار، فقد أشادت بدورها بقرار الناديين، وقالت: "هذا المساء، أهنئ من كل قلبي غلطة سراي وفنربخشه على حراسة جمهوريتنا ضد أولئك الذين يحاولون قياس مدى حب الأمة التركية لأتاتورك".

وأضافت عبر حسابها في منصة "إكس": "لقد فعلتم ما يناسب كل تركي، وجعلتمونا جميعا فخورين. نتوقع أن يتم إعلان كلا الفريقين بطلا لكأس السوبر، خاصة بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا، حتى لا ننسى هذا الموقف المستقيم أبدا".


وانهالت دعوات المعارضة على الشعب التركي من أجل التدفق لاستقبال لاعبي الفريقين التركيين عند وصولهما إلى الأراضي التركية، إشادة بما وصفوه بأنه "حماية للقيم التركية ضد الذين حاولوا المساومة عليها"، في إشارة إلى اتحاد الكرة التركي الذي نظم إقامة الحدث الرياضي التركي الأبرز في السعودية، في خطوة أشار مراقبون إلى أنها تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين الجانبين.

إلى ذلك، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزيل، إن "فنربخشه وغلطة سراي قاما بحماية شرف تركيا ضد من فاوض الإدارة السعودية من خلال مصطفى كمال أتاتورك".

وأضاف مخاطبا الشعب التركي: "أدعو جميع أفراد شعبنا للترحيب بفرقنا بصور أتاتورك والأعلام التركية عند عودتهم إلى إسطنبول".


في السياق، تداولت وسائل إعلام تركية أنباء عن قرار بلدية إسطنبول إطالة أوقات عمل "مترو الأنفاق" في المدينة من أجل المواطنين الراغبين في استقبال لاعبي الفريقين.

ومع تصاعد حدة الجدل في الأوساط التركية، أفاد صحفيون أتراك بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلب من رئيس اتحاد كرة القدم التركي محمد بيوكيكشي تقديم استقالته على الفور.

في المقابل، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي السعودية موجة من الاستياء من القرار التركي الانسحاب في الدقائق الأخيرة قبل انطلاق صافرة المباراة النهائية للبطولة التركية، كما هاجم مغردون سعوديون مؤسس الجمهورية التركية بشدة في تغريدات حملت عبارات لاذعة.

وكتب الإعلامي الرياضي السعودي، تركي الغامدي: "الجميع مرحب به في السعودية ولكن يجب احترام التعليمات والأنظمة. العنجهية التي ترتبط بمحاولة تمرير الشعارات الخاصة لن تحدث أبدا في المملكة.. احترم تُحترم".


وأضاف في تدوينة عبر منصة "إكس": "بالنهاية ما وقفت على السوبر التركي، استضفنا الإيطالي والإسباني، وقدامنا أمم آسيا والمونديال والكثير غيرها بعد".

فيما كتب إياد الحمود معلقا على انسحاب الناديين التركيين: "استضفنا الكثير من البطولات مثل: السوبر الإسباني، السوبر الإيطالي، كأس العالم للأندية، فورملا 1، التنس المصارعة الملاكمة وغيرها، كلها تمت بسلاسة إلا السوبر التركي زعلوا وشالوا شناطهم وخرجوا من الملعب".

وتابع: "وش سبب زعلهم ما أعرف لكن الخبر الرسمي مكتوب أنها (تأجلت)".


ولم تعلن أي من الجهات الرسمية التركية والسعودية، إلى غاية توقيت نشر المادة الصحفية هذه، الأسباب التي أدت إلى الأزمة الرياضية التي بدأت تأخذ أبعادا سياسية على وقع ربط المعلقين من كلا الطرفين الأمر بالسيادة الوطنية للبلدين الإقليميين، الأمر الذي دفع سياسيين وكُتابا أتراكا للتحذير من مغبة الانجرار وراء عمليات التحريض.

ودعا النائب عن حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي، هلوكي جويز أوغلو، الأتراك إلى تجنب الوقوع في فخاخ التحريض باسم أتاتورك.


وقال عبر حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا)، مخاطبا الشعب التركي، "فلندافع عن قيم أتاتورك دون الوقوع في فخ الذين يحاولون اتخاذه وسيلة للتحريض"، في إشارة إلى تصريحات رؤساء أحزاب المعارضة.

من جانبه قال الكاتب التركي، إبراهيم كاراغول، إن "تركيا تُسحب هذا المساء إلى موجة تحريض جديدة"، محذرا من أن "أجندة مختلفة تحاول التبلور من خلال حادثة المباراة".


وفي السياق، دعت الكاتبة والصحفية التركية أوزنور كوتشوكار، إلى التعاطي بحذر مع الأخبار المتعلقة بإلغاء المباراة في السعودية، محذرة من وجود أجندات تدفع نحو تدهور العلاقات بين البلدين.

وأشارت عبر حسابها في منصة "إكس"، إلى أنها ترى أن تسييس كرة القدم في تركيا أمر بالغ الخطورة.

وقالت: "مما قرأته لا أستطيع أن أفهم الحظر السعودي، ولكن أعتقد أنه سيكون من الأفضل تناول الموضوع بحذر حتى يتم توضيح الأمر، في حال كانت هناك نوايا وخطط أخرى وراء الموضوع".


وأضافت: "في الوقت الذي تدور فيه الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، وقد استعادت تركيا والمملكة العربية السعودية علاقاتهما للتو، فكروا في من سيستفيد من إحياء العداء تجاه تركيا في الدول العربية والعداء تجاه العرب في تركيا؟".

ومع الضخ الذي يمارسه السياسيون المعارضون في تركيا، توراى الحديث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الأزمة الرياضية، حيث تركز الأحزاب المعارضة على ربط ما جرى في السعودية بالسيادة الوطنية والقيم التركية.

إلا أن الصحفي الرياضي ومراسل قناة "غلوبل خبر" التركية في العاصمة السعودية الرياض، قال في مداخلة تلفزيونية، إن "نادي غلطة سراي أراد إضافة لافتة "كم هو سعيد من يقول أنني تركي" (عبارة منقولة عن أتاتورك)، فيما أراد فنربخشة إضافة لافتات "سلام في الوطن، سلام في العالم" إلى العقد، وذلك من أجل رفعها في المدرجات.


وأضاف أن إدارة الرياض لم تقبل إحداث تغييرات على العقد في الساعات الأخيرة، مشيرا إلى أن "النشيد الوطني، ملصقات أتاتورك، الأعلام... كل ذلك تم قبوله والموافقة عليه. إلا أن الأزمة الجديدة نشأت مع مطالب اللحظة الأخيرة للفريقين"، وفقا للصحفي التركي.

وفي ما بدا محاولة للحد من تصاعد الأزمة الرياضية، نقلت صحيفة "سوزجو" التركية أن "السلطات في المملكة السعودية رفضت السماح لطائرتي الناديين التركيين بالإقلاع من أجل العودة إلى وطنهما"، دون التطرق إلى مزيد من التفاصيل.