مقالات مختارة

الكويت وفلسطين

جيتي
رحل أمير الكويت، الشيخ نواف الجابر الصباح، ونودي بالشيخ مشعل الجابر الصباح ولي العهد أميرا للبلاد بشكل دستوري سلس، في ظل ظروف عصيبة يمر بها العالم العربي منذ العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، والضفة الغربية.

تستمر مسيرة دولة الكويت منذ الاستقلال عام 1962 حتى اليوم، في تكريس نمط من السلطة السياسية مغاير لما هو سائد في منطقة الخليج العربي، وظلت رغم الضغوط، والانتكاسات، والأزمات تجدف في الحفاظ على تجربة ديمقراطية متفردة، تسمح بوجود برلمان «مجلس الأمة» يُشاكس، ويُكاسر السلطة، ويعمل على حجب الثقة عنها، ورغم ذلك، يبقى ثابتا في المعادلة السياسية التي لا يحبها الكثير من دول الجوار.

لن يخرج أمير الكويت الذي تسلم سلطاته الدستورية عن هذه المعادلات، فقوة هذه الإمارة الصغيرة في بناء سياسي متفرد، يُعطي قوة ومنعة لها في ظل متغيرات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ربما نجحت الدولة في بعض اختباراتها، وفي أخرى ما تزال عالقة تعطل تقدمها التنموي.

أسوأ ما تعرضت له الكويت في تاريخها كان الاحتلال العراقي عام 1990، ورغم أن ما حدث ألقى بظلاله على المنطقة العربية، وتسبب في شروخ صعب جبرها، إلا أن الكويت نهضت بعد التحرير، ولم تنزع ثوبها العروبي، وخفت مع الأيام الأصوات التي تطالب أن تخرج من جلدتها، وظلت حجر توازن لا يعرف الشطط.

الكويت مع فلسطين موقف لم يبدأ مع عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، بل عمره منذ تأسيس الإمارة، وثبتت عليه القيادة والشعب الكويتي، دون مساومات أو مزاودات، وحين حاد الركب في ميدان التطبيع، كان هذا خطّا أحمر.

من عاش في الكويت يعرف تفاصيل المشهد، ويعرف أن الكويت الحاضنة الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، وقبل ذلك كانت موئلا لمؤسسين من حركة القوميين العرب، وعلى صفحات صحفها وجد الكثير من الكتاب والمفكرين الفلسطينيين والعرب مساحتهم في الكتابة بحرية منقطعة النظير عن مشروعاتهم القومية والحزبية، وكل من ضاقت عليه بلاده وجد في الكويت متنفسا له.

التجربة الكويتية في تبني ومناصرة القضية الفلسطينية ليس لها مثيل؛ فهي الدولة الوحيدة التي سمحت بتأسيس مدارس لمنظمة التحرير الفلسطينية تعلم بها مئات الآلاف من الطلاب الفلسطينيين، وكل ذلك حدث بالاستفادة من مدارس الحكومة الكويتية، وأيضا كانت سباقة في استقطاع نسبة من رواتب الفلسطينيين لمصلحة منظمة التحرير، ومن أرضها انطلقت أول لجنة شعبية لدعم الانتفاضة.

العلاقة بين الشعب الفلسطيني والكويتي لم يُعكرها حتى الموقف الملتبس لقيادة منظمة التحرير من الاحتلال العراقي للكويت، ورغم ما اعتبر كويتيا انحيازا فلسطينيا مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فإن البوصلة العربية للكويت دفعتها إلى تجاوز ذلك والمضي إلى الأمام، فالكويت تُقدر للفلسطينيين مساهمتهم في بناء اللبنات الأولى للنهضة في مجال التعليم والصحة والإعمار، ورغم مغادرة مئات الآلاف من الفلسطينيين للكويت بعد الاحتلال والتحرير، فإن أصواتا كويتية كثيرة تعالت بضرورة إعادة الجالية الفلسطينية التي كان لها فضل في بناء الأجيال الكويتية.

الكويت اليوم تسابق الجميع في دعمها غزة، واللغة الوجدانية التي يتحدث بها أهل الكويت عن إعمار غزة قد لا تجد لها مثيلا، والموقف السياسي في مجابهة التطبيع وتحريمه وتجريمه، يعكس موقفا سياسيا متقدما، يقدم المبادئ على المصالح، ولا يقبل أن يخضع لإملاءات خارجية تريد أن تتحول كل الحكومات العربية لساحات خلفية لمواقفهم ومؤامراتهم.

يتسلم أمير الكويت الجديد إرثا قوميا ووطنيا، وإن كانت عينه على الداخل في الكويت لإحداث تنمية مطلوبة، وبناء جبهة داخلية متحدة، فإن عينه الأخرى على فلسطين، وجرحها النازف في غزة، فالشعب الكويتي يريد تحركا يتجاوز الشعارات لإنقاذ غزة من حرب الإبادة، فالسكوت والصمت عار لم يعهدوه، ولن يقبلوه، فقد كانوا في المقدمة، وسيبقون.

الغد الأردنية