سياسة عربية

الحبس والغرامة عقوبة لحفر الآبار.. آخر قيود نظام السيسي على الفلاح

تراجع حصص المياه المقررة للزراعة في وادي ودلتا مصر- جيتي
فرضت حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قيدا جديدا وعقوبة هي الأحدث، على الفلّاح المصري، الذي يعيش وفق شكاوى المزارعين، أسوأ عصور التهميش، واضمحلال مهنة الزراعة، بفعل الإهمال الحكومي، والجور على الفلاح بإقرار القوانين التي تأكل من حقوقه وتقر حبسه وتغريمه.

ووسط اعتراف حكومي على لسان وزير الري، هاني سويلم، بوصول مصر إلى مرحلة الفقر المائي وفق المعدلات والمعايير العالمية، ومع تراجع حصص المياه المقررة للزراعة في وادي ودلتا مصر؛ قررت حكومة السيسي معاقبة كل فلاح يقرر حفر بئر للمياه الجوفية لري أراضيه، بالحبس والغرامة المالية.

مجلس الوزراء المصري، وفي اجتماعه الأسبوعي الأربعاء، من العاصمة الإدارية الجديدة، أقر تعديلا قانونيا أجاز به عقاب كل من خالف أحكام حظر حفر أية آبار للمياه الجوفية داخل مصر إلا بترخيص من وزارة الموارد المائية والري.

وذلك بالحبس مدة لا تقل عن شهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، مع تضاعُف تلك العقوبات حال العَود، وضبط الآلات والمُهمات المُستخدمة، ومُصادرتها حال الإدانة من جانب المحكمة المُختصة.
‌ الإقرار الحكومي لتعديل بعض أحكام قانون الموارد المائية والري (رقم 147 لسنة 2021)، بتشديد العقوبات المقررة وإضافة عقوبة الحبس، يأتي "من أجل حماية الرقعة الزراعية، وتجريم الاعتداء عليها، بالنظر لكونها مُقوما أساسيا للاقتصاد القومي"، بحسب بيان رسمي.



"أزمة نقص المياه"
ويواجه الفلاحون خلال فصل الصيف بشكل خاص أزمة كبيرة في توفير مياه الري للمحاصيل التي تستهلك مياها كثيرة مثل الأرز والدرة والقطن والقصب، ما يضطر المزارعين منفردين أو مجتمعين لحفر آبار جوفية لتعويض ما عجزت مياه الري النيلية عن توفيره لزراعاتهم.

وراجت بالسنوات الماضية مهنة حفر الآبار الجوفية، في أراضي الدلتا شمالا، وبالوادي في صعيد مصر جنوبا، ولكن تعديلات القانون الجديدة تهدد هذه المهنة وينتج عنها تشريد العمالة حيث أنها تقرر مصادرة آلات الحفر.

وفي المقابل يلجأ الفلاحون غير القادرين على حفر تلك الآبار إلى الري بمياه الصرف الزراعي والصرف الصحي، ما تسبب في أزمات عديدة طالت سمعة الزراعة المصرية، بينها رفض الشحنات الزراعية المصدرة من العديد من السلع بعدد من دول العالم، لاختلاطها ببقايا آدمية، وفق تقارير غربية وخليجية.

وفي آب/ أغسطس الماضي حذّرت كل من السعودية وعمان من استهلاك منتج "بامية" يحتوي على إصابات حشرية، كما رفضت العام الماضي روسيا وليبيا دخول شحنات برتقال وجوافة لذات الأسباب، وتواصل هيئات الرقابة بأمريكا وروسيا رفض منتجات زراعية مصرية لاحتوائها على بقايا مخلفات بشرية وحيوانات نافقة.



"تريد ابتزازنا"
الحاج جمال، مزارع مصري، قام بحفر بئر جوفية ووضع ماسورة بعمق 120 مترا وبتكلفة نحو 200 ألف جنيه، هو ومجموعة من جيرانه في القطعة الزراعية الكائنة بشمال شرق الدلتا. في تعليقه على القرار الحكومي قال لـ"عربي21"، إن "الحكومة تتركنا نعاني من قلة مياه الري وخاصة في الصيف، وعندما نتصرف بجهود ذاتية تريد سجننا".

وأضاف: "ليست هذه هي المرة الأولى التي تعتدي فيها الحكومة على حقوقنا، حيث هدمت منازلنا، بحجة تبوير الأراضي الزراعية، وقامت بتدفيعنا أمولا طائلة بقانون المصالحة وللموظفين الحكوميين، وفي النهاية ظلت الأرض بورا"؛ مؤكدا أنها "تريد ابتزازنا مجددا وفي النهاية ستجعلنا نترك الأرض بورا كما تركت لنا منازلنا مهدمة".

"حبس للفلاح وإنعام على الجيش"
في مقابل ما تفرضه حكومة السيسي على الفلاح المصري من قيود وتضييق وصل حد الحبس، يواصل السيسي زيادة الرقعة الزراعية للجيش المصري ويمنحه الأراضي مجانا ويسند إليه المشروعات الزراعية العملاقة، متجاهلا ملايين الخريجين في كليات ومدارس الزراعة.

وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى تخصيص 3 قطع أرضية بمساحة إجمالية نحو 500 ألف فدان مملوكة للدولة بمنطقة توشكى جنوب مصر، لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية أحد الأذرع الاقتصادية للجيش المصري، وذلك بجانب ما تم منحه سابقا للجيش بهذه المنطقة موفورة المياه من بحيرة ناصر.

وفي مشروع وصفه الإعلام المصري بالعملاق أعلن السيسي، في آذار/ مارس 2021، عن مشروع زراعي كبير بالتعاون مع الجيش، بمسمى "الدلتا الجديدة" وعلى مساحة مليون فدان، قرب منطقة محور الضبعة الشهير بالساحل الشمالي الغربي لمصر.

وفي مقابل منح السيسي الأراضي الزراعية للجيش، فإن البرلمان الذي تسيطر عليه الأجهزة الأمنية أقر قانونا في نيسان/ أبريل 2018، بحبس الفلاحين المخالفين لقرارات تحديد مساحات زراعة الأرز، ما اعتبره مراقبون يدمر مستقبل زراعة الأراضي الطينية في الوادي والدلتا ويزيد الضغوط المادية والأعباء الاقتصادية على الفلاح.

وفرض القانون رسوما مالية على الفلاحين، مقابل منحهم تراخيص تشغيل ماكينات رفع المياه التقليدية، بواقع 10 آلاف جنيه، وتحميلهم نسبة 10 بالمئة من قيمة تكاليف إنشاء أو إحلال وتجديد شبكات المصارف المغطاة، أو المصارف الحقلية المكشوفة.

المثير أن الحكومة المصرية، تشتري المحاصيل من الفلاح المصري بأقل بكثير مما تستورده من البلدان الأخرى، وعلى سبيل المثال جرى توريد القمح من المزارعين (موسم 2023)، بسعر الأردب 1500 جنيه بنحو (48.59 دولارا) حينها.

وفي الوقت نفسه اشترت الحكومة المصرية في 5 تموز/ يوليو 2022، طن القمح شاملا الشحن بنحو 420 دولارا، فيما اشترت هيئة السلع التموينية مشتريات مباشرة من القمح الفرنسي والروسي والروماني بسعر 416 دولارا للطن في 8 تموز/ يوليو 2022.

ولذا فإن فلاح مصر الذي أطعم العالم القديم والإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية والدولة الإسلامية، وبحسب ما ترصده "عربي21"، من شكاوى للفلاحين، يعاني خلال حكم السيسي أزمات هيكلية وأوضاعا كارثية تهدد مستقبله، وبينما تتركه الدولة يواجه أزماته منفردا تحاصره بقرارات الجباية وقوانين التضييق.

"الحفاظ على المتاح"
وفي تعليقه على التعديل القانوني بحبس وتغريم الفلاح جراء حفر الآبار الجوفية، قال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام: "عندما ندرك جميعا أننا نعيش أزمة مياه متصاعدة، فأول الحلول هي المحافظة على ما لدينا من موارد، ثم محاولة زيادة هذه الموارد بالترشيد والتنمية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وبالتالي فإن المحافظة على المتاح من المياه يُلزم الجميع بالالتزام بالنظم القائمة لعدم التعدي على الموارد السطحية والجوفية للمياه".

وأكد أن هذا التعدي على موارد المياه الجوفية "قد يؤدي إلى التعدي على حقوق الآخرين واستنزاف الموارد المتوفرة المحدودة"، خاتما بقوله: "ولذلك يجب تشديد العقوبات كلما ازدادت الأزمة تفاقما".

"تصدير أزمات وفرض جباية"
من جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق، محمد عماد صابر: "من الناحية الفنية البحتة الدولة محقة بهذا القانون، لأن حفر الآبار بدون ضوابط يهدر ثروة المياه الجوفية، والتي يكون جزء منها غير متجدد، وجزء متجدد بشكل بطيء لا يوازي الحفر العشوائي للآبار".

وأضاف: "ولكن النظرة الكلية للوضع المائي، تقول إن الحكومة ضيعت مياه النيل بقضية سد النهضة، ما دفع الفلاح للبحث عن بدائل سيئة كالحفر العشوائي للآبار، أو استخدام مياه الصرف الصحي".

وأكد أن "النظام فرط بثروات الشعب، ومنها المصدر الرئيسي لحياة الفلاح ومعيشته (مياه الري)، دون توفير البديل، وصدر المشكلة دون حل، بل ويعاقب من يفكر بحل بديل".

ولفت إلى أن "هذا حال النظام بكل المجالات وكافة المستويات، تصدير الأزمات، وفرض الجباية لجلب الأموال، وإعادة تصدير المشاكل بشكل جديد"، مضيفا: "والكارثة الكبرى هي اعتراف الحكومة بحالة الفقر المائي دون جديد لسد خلل يهدد الزراعة وحياة الفلاح والمواطن".

السياسي المصري، أشار إلى أن "الحكومة تدرك جيدا أن حصتها من مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب -ويجب أن تزيد- هي الحل لعودة الحياة لطبيعتها بينما تقف عاجزة أمام تهديد يدمر حياة المصريين".

وأكد على ضرورة "منع أي تهديد للأمن القومي المائي"، مبينا أن "ما عدا ذلك يبقى ترقيعا لا جدوى ولا طائل منه، ولن يفي بالغرض".

"إرهاب للفلاح"
وقال إننا "أمام تغول وإجرام تمارسه الدولة ونظام السيسي على الفلاح باسم القانون"، مؤكدا أنه "كان أولى بالحكومة مساعدته ليزرع أرضه وتحدد من أين يرويها، أما أن تنشغل بحبسه وفرض الغرامات والمكوث عليه، فهذا إجرام".

وتساءل: "ماذا يفعل الفلاح وهو لا يجد ما يروي به أرضه؟، كيف يتعيش؟، ومن أين يأكل؟، ومن المسؤول عن ضياع حصة مصر بمياه النيل، التي ضاعت بتوقيع السيسي (اتفاقية المبادئ) المشؤومة عام 2015؟".

ويرى صابر، أن "الأسوأ والكارثي، هو التبرير الأسود بأن حبس وتغريم الفلاح هو للحفاظ على الرقعة الزراعية، فهل يريد الفلاح تبوير الأرض أم زراعتها؟"، معتبرا أن "هذا التعديل إرهاب لفلاح لا يملك خيارات، والنتيجة الحتمية تبوير الأراضي وليس الحفاظ على الرقعة الزراعية".

ويعتقد السياسي المصري، أنه "لا يمكن البحث ببراءة عن الهدف من مسلك نظام السيسي ومجلس وزرائه، وأتصور أننا أمام تخريب متعمد للزراعة وتضييع للأمن القومي بفقد الأمن الغذائي، ورهن البلاد لتأكل بالدين، وهي سمة نظام الانقلاب منذ 2013".

ويرى كذلك أن "التعديلات القانونية والتوسع بقوانين الحبس والغرامات يمثل مزيدا من تخويف الشعب، ومزيدا من الجباية التي لا تناسب ظرفنا الاقتصادي الراهن مع واقع الشعب عامة، وواقع الفلاح بصورة أخص".

وقال إن "الفلاح غير مطلوب منه حلول لأزمة نقص مياه الري، فهي أزمة دولة، ونظام سياسي فرط بحصة مصر التاريخية، وعليه حلها"، ملمحا إلى أن "نقص مياه الري بفعل السد الأثيوبي كارثة تهدد مصر، وعلى السيسي فرض إرادة مصر".

وأكد أن "الفلاح هو الحلقة الأضعف، وليس لديه حلول إلا كما حدث ببعض القرى حينما فتح فلاحون بوابات الري عنوة حفاظا على أرضهم ومزروعاتهم ومحاصيلهم، وأعتقد أن الحل النهائي والوحيد؛ إزالة السيسي ونظامه، ليأتي نظام وطني ديمقراطي يعيد حقوق مصر التاريخية".