اقتصاد عربي

هبوط جديد للجنيه المصري.. ماذا عن مكاسب الانضمام إلى "بريكس"؟

قفز الدولار أمام الجنيه بنحو 5 بالمئة وارتفع مجددا ما بين 40 جنيها و41 جنيها في السوق الموازي- جيتي
تلاشت بوادر إعلان انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" الاقتصادية بعد أقل من شهر من قبولها إلى جانب دول أخرى أعضاء جدد في المنظمة الدولية، حيث عاود الجنيه المصري إلى الانخفاض مجددا أمام سلة العملات الأجنبية.

وقفز الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بنحو 5 بالمئة، وقال متعاملون في السوق الموازي لـ"عربي21"؛ إن "الدولار ارتفع مجددا ما بين 40 جنيها و41 جنيها خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن تراجع نهاية الشهر الماضي إلى نحو أقل من 38 جنيها".

وكانت الحكومة المصرية والإعلام المصري قد روجوا بقوة لضم مصر إلى مجموعة "بريكس"، واعتبروه بمنزلة الحل السحري لتقليل مصر من الاعتماد على الدولار، وتخفيف الضغط على العملة المحلية، وزيادة الاستثمار الأجنبي، وزيادة الصادرات، فضلا عن الحصول على تمويلات ميسرة.



وأسفر شح النقد الأجنبي في البلاد عن وجود سعرين للدولار، سعر رسمي وهو نحو 30.85 جنيها، وسعر في السوق السوداء التي توجد بشكل علني يتراوح بين 40 جنيها و41 جنيها، وسط توقعات بخفض العملة المحلية للمرة الرابعة، عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأعلنت المجموعة في اجتماعها الأخير في جنوب أفريقيا، في 24 آب/ أغسطس الماضي، موافقتها على دعوة 6 دول لعضويتها، في أول خطوة توسعية منذ عام 2010، والدول الست هي: مصر والإمارات والسعودية وإثيوبيا وإيران والأرجنتين، وسيبدأ الانضمام مطلع عام 2024.

أصبح اسم التكتل "بريكس بلس" بعد انضمام الدول الوافدة الجديدة وارتفاع عدد الأعضاء إلى 11 دولة، من بينها روسيا والهند والصين والبرازيل، وجنوب أفريقيا، وتمثل اقتصادات تلك الدول نحو 32 بالمئة من الناتج المحلي العالمي، وعدد سكانها يقارب 42 بالمئة من سكان العالم.

بريكس والنفق المظلم
وجاء الإعلان عن دعوة مصر للانضمام إلى تجمع "بريكس" مثل ضوء النهار في النفق المظلم؛ إذ تعتمد مصر بشكل كبير على تلبية احتياجاتها من الخارج بالعملة الصعبة، وتٌشكل التدفقات الأجنبية في أدوات الدين (الأموال الساخنة) مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي.

واعتبرت الحكومة المصرية في بيان لها أن استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأمريكي، سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه، وهو ما يصب في صالح تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية.



وهو ما أكده وزير المالية المصري، محمد معيط، حيث اعتبر أن تلك الخطوة تسهم في تعزيز الفرص الاستثمارية والتصديرية والتدفقات الأجنبية وتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، مشيرا إلى أن الحرب في أوروبا ترتب عليها موجة تضخمية عالمية، انعكست في ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والخدمات، وكذلك زيادة تكلفة التمويل من الأسواق الدولية.

بريكس.. وحقيقة إخراج مصر من أزمة الدولار
ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور إبراهيم نوار؛ إن "انضمام مصر إلى بريكس اعتبارا من أول كانون الثاني/يناير القادم لا يساعد الجنيه في أزمته؛ لأن مصر تعاني من عجز فادح في ميزانها التجاري مع الصين وروسيا، وهما من كبار شركائها التجاريين، كما أن أزمة الجنيه أكبر بكثير من أي تأثير إيجابي للانضمام إلى بريكس".

وأضاف نوار لـ"عربي21": "يعكس ارتفاع أسعار الدولار في السوق الحقيقية حركة العرض والطلب، رغم القيود المفروضة عليها، عرض الدولار في السوق محدود جدا، بينما الطلب عليه مرتفع جدا، وهو ما أنشأ فجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، تقدر بحوالي 20 بالمئة من قيمة الجنيه"، لافتا إلى أن "هذا الوضع يمكن أن يتدهور، خصوصا مع تأجيل المراجعة الثانية لقرض صندوق النقد الدولي".

والمثير للتساؤل، بحسب نوار، هو أن الحكومة حصلت على ما يقرب من  10 مليارات دولار في صورة قروض ومساعدات، إلى جانب صفقات بيع الأصول، والخطط التي يتم الإعداد لها من أجل طرح سندات، إضافة إلى أن مراجعة شروط القرض، ستسمح للحكومة بالحصول على دعم كبير من الصندوق ماليا ومعنويا. ومع ذلك، فإن الموارد التي حصلت عليها الحكومة محليا (زيادة الضرائب) وخارجيا القروض والصكوك، وإيرادات مبيعات الأصول وعائدات السياحة لم يظهر لها أي أثر على سعر الجنيه مقابل الدولار، ولا على قيمة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي.

بريكس ليس الأول ولن يكون الأخير
ووصف الباحث الاقتصادي، حافظ الصاوي، "التفاؤل الحكومي المفرط في مصر بشأن انضمام مصر لتكتل بريكس وتأثيره السريع على سعر الصرف وتحسين وضع الجنيه أمام الدولار، كلها ظواهر إعلامية ليس لها واقع حقيقي، قد يكون هذا التحسن تجاه الدولار، أمرا متعمدا؛ من أجل الإيهام بأن عضوية بريكس هي العصا السحرية لإنقاذ الاقتصاد المصري".



وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح الصاوي أن "انضمام مصر إلى بريكس ليس هو الأول في الانضمام إلى تكتل أو مجموعة اقتصادية دولية أو إقليمية، فقد انضمت مصر في السنوات الماضية إلى المجموعة 15 ومجموعة الـ 77 ومجموعة الكوميسا والشراكة الأورومتوسطية ومنظمة التجارة الدولية، ولم يغير من أداء الاقتصاد المصري في شيء".

وتابع: "إذا كان هناك فوائد، فهي طفيفة وليس لها انعكاس على الاقتصاد القومي مثل تحسين معدلات التضخم ووضع ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري، أو تحسين عجز الموازنة أو إدخال تكنولوجيا جديدة، أو استثمارات أجنبية مباشرة هي بروباغندا إعلامية وسياسية ليس لها مردود حقيقي على الاقتصاد المصري"، مشيرا إلى أن "مشكلة مصر الكبرى، أنها لا تنتج ما يكفي لاستهلاكها، وكل ما يأتي بعد ذلك من مشاكل هي عرض لمرض تتمثل في المشكلات التي تمت الإشارة إليها".

ضغوط ممتدة
وتواجه مصر جدولا مزدحما من الديون الخارجية وأقساطها متوسطة وطويلة الأجل، ويتعين على القاهرة سداد 10.9 مليارات دولار في النصف الأول من العام 2024، بالإضافة إلى 13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.

بحسب بيانات البنك المركزي المصري، قفز الدين الخارجي إلى 165.3 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام 2023، ما يشكل ضغوطا على احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع إلى 34.8 مليار دولار (معظمه ودائع عربية).

فيما أدت اضطرابات وتقلبات سعر الصرف إلى الضغط على المواطنين بعد ارتفاع معدلات التضخم إلى معدلات قياسية، متجاوزا 41 بالمئة، وبات سعر الصرف في مصر عامل ضغط مباشر على المواطنين، الذين بدؤوا يواجهون ارتفاعات كبيرة في الأسعار ومستويات تضخم قياسية، وصلت إلى 36.5 بالمئة.