صحافة دولية

هكذا تستخدم روسيا والصين وكالات الاستخبارات ضد الولايات المتحدة

منذ تولى شي جين بينغ الرئاسة زادت هجمات الاستخبارات الصينية ضد الغرب وخصوصا الولايات المتحدة بشكل متزايد- جيتي
نشر موقع "فكرتورو" التركي مقال رأي لنائب مدير مشروع التاريخ التطبيقي والمشروع الاستخباراتي في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لجامعة هارفارد، كالدر والتون، ناقش فيه كيفية استخدام كل من روسيا والصين لوكالات الاستخبارات ضد الولايات المتحدة.

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"؛ إن الحرب الباردة لم تنتهِ أبدا حسب رأي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويمكن رؤية أوضح مؤشر على صراع الكرملين ضد الغرب حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أنشطة وكالات الأمن والاستخبارات الروسية، فمنذ سنة 1991، اتبعت هذه المؤسسات استراتيجية انتقامية لإحياء أمجاد روسيا وإسقاط النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، وتُعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا نتيجة دموية لهذه الاستراتيجية.

وبالمثل، تسعى الصين لعكس نتائج الحرب الباردة، حيث يحاول الزعيم الصيني شي جين بينغ قلب النظام الدولي، من خلال تحالف "بلا حدود" أعلنه مع بوتين عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، وهما يستفيدان بشكل كبير من الأجهزة الاستخباراتية.

وذكر الكاتب أن أجهزة الاستخبارات تستطيع تنفيذ السياسات الخارجية السريّة التي لا يمكن لغيرها من مؤسسات الدولة تنفيذها، وتتعامل مع المسائل السياسية والأمنية الخارجية بشكل سرّي. وقد استغلت المخابرات الروسية والصينية انشغال الولايات المتحدة بـ "حربها ضد الإرهاب"، للإضرار بالأمن القومي الأمريكي، وتقويض الديمقراطيات الغربية، وسرقة أكبر عدد ممكن من الأسرار العلمية والتقنية.


كيف تمكّنت روسيا من تطوير أنشطتها التجسسية؟

على الرغم من التعاون بين بوتين والقوى الغربية في مكافحة الإرهاب بعد 11 أيلول/ سبتمبر، إلا أنه استخدم أجهزة الاستخبارات لتعزيز نظامه الاستبدادي وإعادة روسيا إلى مكانتها كقوة عظمى، حيث قام بقمع المعارضة في الداخل، وقمع الصحافة الحرة. حاول بوتين، في المنطقة المحيطة بروسيا، عرقلة توسّع حلف الناتو وتقييد نفوذ الولايات المتحدة في شرق أوروبا، عن طريق غزو جورجيا في سنة 2008، وضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014، واحتلال أجزاء من أوكرانيا في سنة 2022.

وبعد ثلاثين عاما من توليه السلطة، جعل بوتين من أجهزة الأمن والمخابرات الروسية تعمل كدولة ضمن الدولة. يثق بوتين في "الأدوات القوية" أو ما يسمى بـ "سيلوفيكي"، وهم مسؤولون من أصول عسكرية واستخباراتية، يتمتعون بنفوذ هائل في النظام الاستبدادي الذي أسسه. ووفقا لمصادر من وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه"، كانت الجُنح العسكرية هي الغالبة في نخبة الكرملين التكنوقراطية التي قادت اقتصاد روسيا في سنة 2020.

وأشار الكاتب إلى أن بوتين قام بتنفيذ أنشطة سريّة متنوعة لهزيمة منافسيه في الغرب، وأبرزها تدخله في انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2016، ومواصلته اتباع تقليد سوفيتي يعود إلى سنة 1948. واستمر بوتين أيضا في نشر "فارين مزعومين من روسيا" ليكونوا جواسيس في بلدان الغرب، تم اعتقال بعضهم وإعادتهم إلى موسكو، من خلال تبادل جواسيس شبيه بما حدث في فترة الحرب الباردة.

إخفاقات الاستخبارات الروسية
وعلى الرغم من أن بوتين قد خلق تصويرا لنفسه كجاسوس ماهر، إلا أن الواقع يشهد على سلسلة من الفشل في الاستخبارات خلال فترة حكمه؛ ففي سنة 2010، مثلا، تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية من تفكيك شبكة من الجواسيس الروس في الولايات المتحدة، بفضل استقطاب مسؤول روسي مهم، كشف معلومات سرية لواشنطن ضمن برنامج (سي في آر) للمهاجرين غير الشرعيين. وكان أكبر فشل استخباراتي لبوتين قبل غزو أوكرانيا، حين نجحت وكالات المخابرات الأمريكية والبريطانية بالكشف عن خطط حرب بوتين للعالم.

ماذا فعلت الاستخبارات الصينية؟
ذكر الكاتب أن الصين، مثل روسيا، استخدمت مكافحة الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة لخدمة مصالحها الخاصة. أعلنت وزارة أمن الدولة، وهي أهم وكالة مدنية للمخابرات في بكين، الحرب على المخابرات الأمريكية سنة 2005، وذلك وفقا لمسؤولي وكالة المخابرات المركزية ذوي الخبرة في الصين. منذ ذلك الحين، عملت المخابرات الصينية على توجيه أفضل مصادرها وعناصرها نحو حكومة الولايات المتحدة وشركاتها في أثناء انشغال واشنطن بمكافحة الإرهاب، واستولت على أكبر قدر ممكن من المعلومات السرية العلمية والتقنية؛ لتعزيز اقتصاد الصين وقوتها العسكرية.

وأضاف الكاتب أن هجوم المخابرات الصينية على الولايات المتحدة، حقق نتائج سريعة. وفقا لتقرير بحثي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، انهارت شبكة كبيرة تابعة لـ "سي آي إيه" في الصين في سنة 2010، وقُتل أكثر من عشرين جاسوسا أمريكيا أو اعتقلوا، ومن غير الواضح حتى الآن كيف استطاعت المخابرات الصينية الكشف عن هذه الشبكة بالضبط، ولكن الأضرار التي تسببت بها لا يمكن إنكارها.

ومنذ تولى شي جين بينغ الرئاسة، زادت هجمات الاستخبارات الصينية ضد الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة بشكل متزايد. كانت مهمة الاستخبارات الصينية تنفيذ الاستراتيجية الكبرى لشي المتمثلة في "جعل الصين القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، وجعل البلدان الأخرى تعتمد على التكنولوجيا الصينية بدلا من التكنولوجيا الأمريكية، وعكس التوازن التكنولوجي الحالي.".

كيف تجمع الصين المعلومات الاستخبارية؟
أشار الكاتب إلى أن الوكالات الاستخبارية الصينية تعتمد "نهج المجتمع بأكمله" لجمع المعلومات، فهي تستفيد من المصادر البشرية والسيبرانية والإشارات (وتستخدم البالونات وربما قاعدة تجسس في كوبا) لجمع المعلومات، بالإضافة إلى استخدام المصادر المفتوحة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف الكاتب أن حزب الشيوعي الصيني يجبر الشركات الصينية من خلال سلسلة من قوانين الأمان الوطني الصارمة، التي صدرت خلال فترة حكم شي، على التعاون مع وكالات الاستخبارات عند الطلب، وبذلك يجمع بين المعلومات الاستخباراتية والتجارة. يستغل الحزب الشيوعي الصيني أيضا برامج الكفاءة وبرامج التبادل الثقافي كغطاء لأنشطة التجسس. كما تضغط بكين على المجتمعات الصينية في البلدان الغربية لنقل المعلومات الاستخباراتية، غالبا عن طريق الابتزاز أو التهديد بأفراد الأسرة في الصين.

وأشار الكاتب إلى أن عبارات مثل "التنافس بين الولايات المتحدة والصين"، لا تعكس الواقع المرعب لهذه الحرب الباردة بشكل كاف. وفي إطار هذه المنافسة، تتبع وكالات المخابرات الغربية مثل سي آي إيه وجهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" قواعد مختلفة عن وكالات المخابرات الصينية والروسية. وعلى عكس وكالات التجسس الغربية، فإن المخابرات الصينية لا تخضع لسيادة القانون أو لمراقبة سياسية مستقلة؛ أي إن الاستخبارات الصينية لا تكون مسؤولة أمام المواطنين الصينيين، ولا تتعرض للفحص الدقيق من قبل وسائل الإعلام المستقلة.