تقارير

حرق المصحف نزعات عنصرية متطرفة.. كيف يواجهها عقلاء العالم؟

دعوة لإيقاف حملات التحريض، وإشاعة ثقافة الحوار والتعايش السلمي بين أتباع الديانات والحضارات في المجتمع الواحد.. (عربي21)
تكشف واقعة إقدام العنصري المتطرف سلوان موميكا، على حرق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة السويدية، ستوكهولم أواخر الشهر الماضي، والمسبوقة بحالات عديدة مماثلة في دول أوروبية عن نزعة عنصرية متطرفة، تدفع أصحابها لمقارفة أعمال استفزازية تسخر من مشاعر مئات ملايين المسلمين عبر العالم.

ويُشار في هذا السياق إلى ما قام به قبل سنوات راسموس بالودان، الدنماركي الأصل، الذي يحمل الجنسية السويدية أيضا، زعيم "الخط المتشدد" اليميني المتطرف، من حرق نسخة من القرآن الكريم في العاصمة كوبنهاغن، وفي العاصمة السويدية استوكهولم، وسط حماية من الشرطة، وقد تكرر حرقه للمصحف أكثر من مرة، بترخيص رسمي وحماية من الشرطة.

وعلى الرغم من كل التنديدات الرسمية والشعبية، التي تعقب تلك الوقائع، إلا أنها في العادة لا تكون رادعة، ما يدفع عنصريين آخرين للقيام بأعمال مشابهة، الأمر الذي ساهم في انتشار ثقافة كراهية الأديان، وإشاعة ممارسات ومظاهر عدم احترام المقدسات والرموز الدينية بين أتباع الأديان المختلفة.

ووفقا لمراقبين، فإن أي معالجة جادة تروم معالجة تلك الممارسات العنصرية ومحاصرتها، تتطلب تشريعات قانونية صارمة تُجَّرم تلك الأعمال، وتُخرجها من دائرة حرية الرأي والتعبير، وفي الوقت نفسه تطالب الحكومات الأوروبية في حال تعذر سن تشريعات تُجرم تلك الممارسات، بضرورة الامتناع عن إعطاء تراخيص رسمية لهذه الأعمال، وألا تجازف بالسماح بها.

تلك الوقائع والحالات المتكررة، بتداعياتها السيئة، وتفاعلاتها المقلقة تضع عقلاء العالم أمام تحديات تتهدد قيم التعايش السلمي المشترك، وحينما تقدم بعض الحكومات الغربية، كالحكومة السويدية على السماح بمثل تلك الممارسات العنصرية، فإنها تساهم بتقويض تلك القيم، بدل التعاون والتشارك الرسمي مع مؤسسات المجتمع المدني لكبت تلك النزعات المتطرفة والعنصرية.

في هذا السياق، لفت الإعلامي والباحث في شؤون المسلمين في الغرب، د. عثمان عثمان إلى أن القوانين النافذة في السويد توفر مظلة قانونية لممارسة مثل هذه النشاطات (المتطرفة)، وتنص على وجوب حمايتها، كما فعلت سابقا مع راسموس بالودان، وهو ما يثير التساؤل عن تناقضها مع مواثيق حقوق الإنسان في أوروبا والعالم.


          عثمان عثمان.. إعلامي وباحث في شؤون المسلمين في الغرب

وأضاف: "ومما يدلل على هذا التناقض، تصريحات سابقة لرئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون، اعتبر فيها حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين (عملا مشينا) للغاية، وأعرب عن تعاطفه مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث في ستوكهولم، مضيفا أن حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما"، لافتا إلى أن "السلطات رغم ذلك لا تملك منع ما تبيحه القوانين".

وواصل عثمان حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وهذا ما ينطبق تماما على واقعة حرق نسخة من المصحف الشريف صبيحة عيد الأضحى المبارك أمام مسجد ستوكهولم الكبير، التي أقدم عليها العنصري المتطرف سلوان موميكا، بعد حصوله على الإذن من السلطات الرسمية، وبحماية الشرطة السويدية".

ولفت إلى أن "حادثة إحراق المصحف الأخيرة لم تستفز العرب والمسلمين وحدهم، بل وصل الأمر هذه المرة إلى الفاتيكان، فالبابا فرانسيس الثاني استنكر حرق المصحف، وعبر عن غضبه الشديد واشمئزازه، مشيرا إلى أن مجرد السماح بذلك أمر مرفوض ومدان، وأن الحرية لا تعني الإساءة إلى الآخر".

وعن أنجع الوسائل الممكنة في مواجهة النزعة العنصرية المتطرفة، رأى عثمان أن "من الأهمية بمكان أن يتحرك المسلمون في السويد بمختلف مذاهبهم، باتجاه تنسيق مواقفهم وتعاونهم لمواجهة جرائم الكراهية ضدهم، وأن يتجسد تضامنهم المحلي في أعمال وفعاليات مدروسة ومنظمة، وأن تتحرك مؤسسات المجتمع المدني السويدي لمنع أي استفزاز لأي دين من الأديان".

وأشار إلى أن كل النشاطات والفعاليات التي يمكن اقتراحها على المستوى الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني، لمحاصرة النزعة العنصرية والمتطرفة لن تبرح الصورة المثالية في أوروبا، التي يكتسحها اليمين المتطرف في أكثر من دولة، وسيواجه المسلمون تحديات كثيرة، بفعل القوانين التي ستتيح للكثيرين الإساءة إلى مشاعر المسلمين ومقدساتهم تحت بند "حرية التعبير، ما لم تُسن تشريعات قانونية واضحة وصارمة، تجرّم الإساءة إلى الأديان وحرق الكتب المقدسة".

يُذكر أن الشاب السويدي، من أصل سوري، أحمد علوش طلب الإذن من السلطات السويدية للسماح له بحرق نسخة من التوراة والإنجيل أمام السفارة الإسرائيلية في السويد، لكنه وبعد حصوله على الإذن أكدّ أنه لم يكن جادا في إعلانه عن حرق نسخة من التوراة والإنجيل؛ لأن التزامه بتعاليم القرآن يحرم عليه فعل ذلك.

وقال علوش في تصريحات صحفية من أمام السفارة الإسرائيلية في السويد، السبت 15 تموز/يوليو الجاري، "أحضرت معي نسخة من القرآن، ولم أحضر نسخة من التوراة، مضيفا: "لم أكن أنوي حرق أي كتاب مقدس.." ومشددا على أن حرية التعبير تكون بالكلام والكتابة، وليس بحرق المصحف أو أي كتاب مقدس".

من جهته أشار الداعية الفلسطيني، إمام وخطيب مقيم في السويد، فكري المسكاوي، إلى أن "من دعا راسموس بولودان الذي قام، وما زال يقوم بحرق المصحف، إلى حرق المصحف في السويد هو الحزب السويدي الديمقراطي المشارك في الحكومة، وطبعا زاد في ممارسة ذلك بالقيام بحرق المصحف أمام المساجد الكبرى في المدن السويدية خصوصا قبل الانتخابات، لاستفزاز المسلمين للقيام بأعمال شغب يتم استغلالها إعلاميا لتأجيج الكراهية ضد المسلمين".


                                   فكري السماوي.. إمام وخطيب مقيم بالسويد

وتابع حديثه متسائلا: لكن هل حقيقة السماح بحرق المصحف نابع من إيمان الحكومة السويدية بالحريات؟ ليجيب بالقول: "من يعرف الواقع السياسي في السويد، وتنامي النزعة العنصرية فيه، وإطلاق العنان للعنصريين عبر مواقع الإنترنت لمهاجمة المسلمين ومساجدهم ومدارسهم وأئمتهم بحجج واهية، والتشديد على المؤسسات الإسلامية، بإصدار قانون يمنع دخول أي مساعدات مالية من الخارج لإعمار المساجد أو ترميمها".

وأردف: "وكذلك فإن سنّ قوانين مخالفة لأبسط حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية، والتي لا تطال إلا المسلمين، كقانون الإقامة الجبرية، وإغلاق المدارس الإسلامية ورياض الأطفال الإسلامية، وقيام البنوك بإغلاق حسابات المساجد والمؤسسات الإسلامية، عملا بقانون جديد منذ مطلع السنة الحالية بدون أسباب، كل ذلك وغيره يكشف عن توجهات تستهدف المسلمين بشكل واضح ولافت".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن مواقف شرائح المجتمع السويدي المختلفة تجاه تلك الأعمال العنصرية، أوضح المسكاوي "أن أكثرية الشعب السويدي ليست عنصرية، وهم في غالبهم يخافون تقلب الأحوال، ويرغبون بالاستقرار، ولا يهتمون بالحدث إلا عند وقوعه، وإذا ما تمت معالجته بطريقة لا ترضيهم، فإنهم في الغالب يؤثرون الصمت، وهذا ما أطلق العنان للأحزاب العنصرية كي تنفث سمومها بينهم، موهمة إياهم أن المسلمين هم الخطر المحدق بالسويد".

وأضاف: "ومما لا شك فيه، أن الخوف مما أحدثته ردود أفعال العالم الإسلامي حيال جرائم حرق المصحف، تركت أثرا واضحا على كثير من السويديين؛ لأن الحياة برمتها ستتأثر بأي إجراء تتخذه الدول العربية والإسلامية تجاه السويد".

وإجابة عن سؤال حول ماذا بوسع عقلاء العالم فعله للجم نزعات العنصرية والتطرف؟ قال المسكاوي: "المطلوب مواقف رسمية عالمية ينتج عنها قوانين صارمة تُجرم الاعتداء على المقدسات الدينية، أو التعرض لها بأية صورة من صور الإساءة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بضغوط رسمية وشعبية متواصلة، ومتابعة إعلامية رسمية عربية وإسلامية لمواجهة تلك النزعات والتحذير منها".

وختم حديثه بتأكيد أهمية "التعاون مع وسائل إعلام عالمية في هذا المجال، لكبت نزعات التطرف والعنصرية والكراهية، إذ إن بعض وسائل الإعلام الغربية مسؤولة عن تنمية تلك النزعات، وهو ما يتطلب تنسيق الجهود معها لمراجعة تلك السياسات، وتوقيف حملات التحريض، وإشاعة ثقافة الحوار والتعايش السلمي بين أتباع الديانات والحضارات في المجتمع الواحد".