اقتصاد عربي

البنك الدولي يضع مصر أمام أزمتها ويكشف عن جدول سداد ديون مزدحم

ترتبط مصر بجدول سداد طويل الأمد- جيتي
تواجه مصر المثقلة بالديون جدول سداد مزدحم حتى نهاية العام الجاري؛ إذ يتعين عليها سداد 55.2 مليار دولار بين ودائع وأقساط ديون، في الفترة من آذار/ مارس 2023 إلى آذار/ مارس 2024، وفقا لبيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي.

وينبغي على مصر سداد 15.3 مليار دولار في الربع الثالث من العام الحالي في الفترة من تموز/ يوليو وحتى أيلول/ سبتمبر من بينها 7.7 مليار دولار مستحقة على البنك المركزي عبارة عن ودائع معظمها لدول خليجية وتُجدد باستمرار.

وبلغ حجم المبالغ المطلوب سدادها في الربع الثاني من العام الجاري 18.6 مليار دولار، موزعة على الحكومة المصرية والبنك المركزي والبنوك الأخرى والقطاعات الأخرى، وتبلغ نسبة الودائع التي يتعين ردها في وقتها 6.6 مليار دولار.

أما في الربع الأخير من العام الجاري من تشرين الأول/ أكتوبر حتى كانون الثاني/ ديسمبر المقبل، فيتعين على الحكومة المصرية سداد نحو 6.93 مليار دولار، تتضمن ديونا حكومية على البنك المركزي وودائع خليجية وديونا مستحقة السداد على قطاعات أخرى.

وترتبط مصر بجدول سداد طويل الأمد، إذ تستحوذ الفوائد على السندات الدولية على النصيب الأكبر من بنود الديون متوسطة وطويلة الأجل التي من المقرر تسويتها في 2048 بالكامل بقيمة 24.1 مليار دولار تشمل 11.198 مليار دولار أصل السندات وفوائد بقيمة 12.918 مليار دولار.

وفي ما يتعلق بالدين الخارجي بالعملة الصعبة فقد ارتفع إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي مقابل 157.801 مليار دولار بنهاية نفس الشهر من العام الماضي، بزيادة 7.560 مليار دولار، بحسب ما كشفت بيانات حكومية.


ديون تفوق ناتج مصر القومي

في غضون ذلك تتوقع حكومة النظام المصري أن يقفز الدين العام إلى 98 بالمئة من الناتج المحلي على أقل تقدير، وفق تصريحات وزير المالية، محمد معيط، الذي أشار إلى أن حكومته حققت فائضا أوليا في الحساب الختامي للموازنة العامة للعام المالي الماضي بلغ 164.3 مليار جنيه (5.3 مليار دولار).

وأخفقت كل محاولات مصر في الحصول على ودائع خليجية أو مساعدات أو دعم نقدي أو قروض من أسواق الدين الخارجية، في الفترة الأخيرة؛ بسبب ارتفاع كلفة الدين إلى أكثر من 10 بالمئة، خاصة بعد أن قامت وكالات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف مصر للمرة الأولى منذ 2013 في مؤشر على ضعف جدارتها الائتمانية.

وحذرت تقارير دولية من صعوبات تواجه مصر في سداد التزاماتها الخارجية نحو الدائنين من جهة، وصعوبات في توفير العملة الصعبة لشراء وارداتها من الغذاء والسلع الأساسية ومستلزمات وأدوات العمليات الإنتاجية، وتمويل مشروعاتها الضخمة التي تعطلت.


جدول سداد يعكس حجم أزمة شح العملة

واعتبر الخبير في الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، أن جدول سداد الديون المزدحم في مصر "يجعلها تنكشف على أزمة نقص النقد الأجنبي الحادة التي تمر بها البلاد، وبالتالي يفقدها ثقة مؤسسات التصنيف الأجنبية ما يشكل ضغطا مستمرا على موازنة الدولة".

وبشأن الخطوات التي اتخذتها بعض البنوك المحلية (الأهلي ومصر) بطرح شهادات ادخار دولارية، رأى في حديثه لـ"عربي21" أن "إصدار البنوك المصرية شهادات دولارية بفائدة 9 بالمئة على الدولار انتحار مالي ودليل على حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ومدى حاجتها للنقد الأجنبي في ظل شح جميع المصادر الخارجية".

وتطرق علي إلى مصير تلك الأموال التي ستجمعها البنوك المحلية، وأوضح أن "هذه الدولارات التي يتم جمعها من المصريين ستستخدم لدفع الديون فكيف ستردها الحكومة بعد ذلك؟ أم إن متخذ القرار في مصر يعمل بمبدأ "احييني النهاردة وموتني بكرة؟"، لافتا إلى أن "تكبيل مصر بالديون يعيق تنفيذ أي مبادرات حكومية لتوفير الدولار بسبب حالة عدم الثقة بين الحكومة والمواطنين".

مخمصة الديون وصعوبة الخروج

من جهته، أعرب خبير واستشاري التدريب ودراسات الجدوى، الدكتور أحمد ذكر الله، أن "مصر في مخمصة الديون نتيجة مرورها بأزمة مالية حادة وشح في النقد الأجنبي مع سعيها الحثيث لتوفير الدولار بأي شكل من الأشكال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل شرعي أو غير شرعي، وحتى الآن لم توفر الحد الأدنى لاحتياجات مصر المالية".

ورأى في تصريحات لـ"عربي21" أن حديث البنك الدولي النادر عن جدول سداد ديون مصر خلال الفترة المقبلة "أمر غير معتاد"، مشيرا إلى أن "المؤسسات الدولية وصلت إلى نقطة اللاعودة مع مصر بمعنى أن البنك الدولي يضع الحكومة في مأزق عندما يكشف عن حجم الديون التي يتعين سدادها والتي عادة ما تقلل من أرقامها أو لا تفصح عنها بشكل واضح".

وأكد أن "الحكومة المصرية في ورطة حقيقية منذ أن أخفقت إلى حد كبير في تسويق أصولها وبيعها ولم تصل إلى الرقم المطلوب (ملياري دولار) وهو الحد الأدنى لتحقيق تدفقات نقدية بالعملة الصعبة، وأن المناخ الدولي والإقليمي غير مساعد على توفير عملة صعبة، وانسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب وطلب مصر مبلغ 400 مليون دولار لشراء القمح ما يعكس عمق الأزمة".