مقالات مختارة

نتنياهو حاسم لأمره

يبدو نتنياهو في كل تصرفاته تقريباً وكأنه قد حسم أمره وحدد مساره
يبدو نتنياهو في كل تصرفاته تقريباً وكأنه قد حسم أمره وحدد مساره، بالذات في قضايا وعناوين مركزية تتكامل لتقدم صورة دقيقة لمساره العام في موقعه، ومعه حكومته، وهو لا يبالي بما تفرضه القضايا والعناوين من تساؤلات ومن جدل.

يشجعه ويساعده على ذلك، أن حكومته التي يرأسها هي من نفس قماشته الفكرية والسياسية. فهي تأتي كلها من قوى هي في أقصى اليمين لناحية الفكر، وفي أقصى التطرف والعدوانية. وبالتحديد وبالذات، لجهة التعامل مع الموضوع الوطني الفلسطيني والحقوق الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني والحلم الفلسطيني بإقامة كيانه الوطني المستقل، حتى ولو اقتصر في البداية على جزء من أرض وطنه.

تقف في مقدمة هذه العناوين ثلاثة تترابط وتتكامل فيما بينها لتشكل مسار نتنياهو العام ومعه حكومته القادمة من أقصى اليمين والمتوافقة معه في نفس المسار.

العنوان الأول: إعلان نتنياهو الصريح وبكل ما فيه من استفزاز لكل الفلسطينيين ولكثير غيرهم، أنه يجب أن يتم القضاء على أو اجتثاث الحلم الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين من عقول الفلسطينيين وغيرهم من المؤيدين.

وينم تحقيق هذا القضاء على الحلم أولاً، بمواصلة واستمرار العمل والمثابرة بكل الوسائل العنيفة والعقابية والإجرائية لنزع هذا الحلم واجتثاثه من عقول الفلسطينيين كأفراد وكقوى سياسية نضالية ومجتمعية. ويسير في هذا الاتجاه: الممارسات شديدة العنف بكل أشكاله ضد أهل الوطن الفلسطيني وضد أي تحرك لهم – مهما كان نوعه وطبيعته - باتجاه تحقيق هذا الحل.

كما يسير بنفس هدف واتجاه تحقيق القضاء على الحلم ثانياً، عبر التوسع المجنون في بناء المستوطنات في كل المناطق والأراضي الفلسطينية المحتلة وملئها بالمستوطنين حتى لا يبقى هناك أي مساحة من الأراضي التي يفترض أو يمكن أن يقام عليها أي كيان فلسطيني – أو حتى وجود منظم - مهما كانت طبيعته ومساحته.

العنوان الثاني، هو معركته مع مواطنيه في دولة الاحتلال وعنوانه الأساس رفض ومقاومة نسبة عالية منهم (المواطنون) بشكل صريح وواضح ومتواصل، في نفس الوقت معارضتهم ورفضهم لمشروع نتنياهو إقرار رزمة من التعديلات الدستورية في مجال القضاء والقضاة من جهة طريقة التعيين، ومن جهة صلاحياتهم ومسؤولياتهم وعلاقاتهم ومرجعياتهم.

المعارضون يرون في هذه التعديلات بالدرجة الأولى خطراً على الديموقراطية ودفعاً لدولتهم باتجاه الدكتاتورية. ويرون فيها أيضا مصلحة شخصية لنتنياهو تساعده على التخلص من مساءلات قضائية يمكن أن تتفاعل وتتطور لتكون ذات تأثير على وضعه السياسي وموقعه في الحكم، وربما إلى أكثر من ذلك.

ما يشد الانتباه بقوة إلى هذا العنوان هو أولاً الحجم والعدد الهائل للذين يشاركون في التظاهرات الاحتجاجية (يزيد على مئة ألف دائماً ويتخطى المئتي ألف في بعض الأيام)، وأن التظاهرات والاحتجاجات تستمر وتتواصل بشكل يومي /ليلي تقريباً لأكثر من شهرين حتى الآن، وتغطي عدداً من المدن الكبرى في دولة الاحتلال، وبلا أي مؤشرات على احتمال توقفها، بل على العكس يزداد عددها ويزداد عدد الساحات والمدن التي تغطيها ويزداد عدد المشاركين فيها.

والأهم أن العنوان الجامع لهذه التظاهرات يستمر بالتركز بشكل أساسي على رفض التعديلات على سلك القضاء التي يقترحها ويتبناها ويتمسك بها نتنياهو.

العنوان الثالث، أن الانسجام التام في علاقة نتنياهو وحكومته مع الولايات المتحدة وقيادتها يشهد حالة من التراجع وعدم الانسجام التام في المواقف، كما ظلت الحال واستمرت لسنوات طوال قيادتي البلدين.

تصريح الرئيس الأميركي من موقع عدم التوافق، أن حكومة نتنياهو هي الأكثر يمينية أو دكتاتورية منذ حكومة غولدا مائير أوضح تعبير من الجانب الأميركي عن الحال الذي وصلت إليه العلاقة بين الطرفين. ودعوة المتحدث باسم البيت الأبيض السلطة في إسرائيل إلى «حماية واحترام حق التظاهر» هي تعبير توضيحي آخر عن الحال المذكور. ويبقى رد دولة الاحتلال الذي جاء من الوزير «بن غفير» الأكثر وضوحاً في وصف حال العلاقة بين الطرفين، وانهما ليسا على خط واحد حين أعلن: «على بايدن ألا يتدخل، وان إسرائيل ليست نجمة في العلم الأميركي».

وبالتأكيد تبقى هناك نقاط خلافية أخرى بين الطرفين. ويبقى التعبير الأهم، على عدم التوافق ربما، هو عدم توجيه الرئيس الأميركي بايدن الدعوة الرسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المجدد له - نتنياهو- لزيارة البيت الأبيض كما هو التقليد والعادة بين الدولتين.

ومع ذلك ومع صحة ما تقدم وغيره في توصيف حال العلاقة بين دولة الاحتلال مع الولايات المتحدة فانه لا يمكن ولا يجوز البناء على هذا، فما بين الدولتين أعمق بكثير من المشتركات ومن العمق، ومن أواصر العلاقات والمشتركات.

ومع ذلك أيضاً، فإن النضال الوطني الفلسطيني يبقى قادراً بنضاله الوطني التحرري المتواصل على إفشال هزيمة نتنياهو ومشاريعه وأحلامه، كما يؤكد ذلك باستمرار.

 ومع ذلك أيضاً، فإن النضال الوطني الفلسطيني يبقى قادراً بنضاله الوطني التحرري المتواصل على إفشال هزيمة نتنياهو ومشاريعه وأحلامه، كما يؤكد ذلك باستمرار.


(الأيام الفلسطينية)