اقتصاد عربي

ما خطورة تراجع صافي الأصول الأجنبية بمصر إلى "سالب 24.4"؟

تعاني مصر من مشاكل اقتصادية كبيرة وشح في العملة الصعبة- جيتي
 كشفت أحدث البيانات الرسمية في مصر عن تراجع جديد ومقلق في قيمة صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، ما يعني وفق خبراء، استمرار تفاقم أزمة البلاد التي يقطنها نحو 105 ملايين نسمة مع العملة الأجنبية والتي بدأت تبعاتها منذ الربع الأول من العام الماضي.

البنك المركزي المصري، أعلن الاثنين الماضي، عن تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال أيار/ مايو الماضي إلى سالب 24.4 مليار دولار، مقارنة بسالب 24.1 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، وهو مبلغ كبير من العملة المحلية، بحسب وصف نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، الثلاثاء.


ويبلغ الدولار 30.84 جنيه، تقريبا بالسعر الرسمي بالبنك المركزي، فيما يصل إلى 37 جنيها بالسوق السوداء.

 هذا التراجع وفق البنك، جاء نتيجة زيادة صافي الالتزامات الأجنبية للبنك المركزي، والذي ارتفع إلى نحو 10 مليارات دولار، مقارنة بـ 9.1 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي.

ماذا يعني؟

وصافي الأصول الأجنبية، أو "النقد الأجنبي" هو حجم ما يملكه البنك المركزي والبنوك المحلية من أصول بالعملة الأجنبية بين ودائع وأوراق مالية، مخصوما منه التزاماتها كأقساط وفوائد الديون الخارجية بالنقد الأجنبي.

وتسجيل هذه الأصول رقما بالسالب، يعني أن الالتزامات الخارجية من النقد الأجنبي على الحكومة تتعدى ما لديها من العملات الأجنبية.

ووفق خبراء، فإن تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال أيار/ مايو الماضي إلى سالب 24.4 مليار دولار، يعني أن البنوك المصرية في أزمة نقد أجنبي كبير، وأن الحكومة المصرية وبنكها المركزي مدين بهذا الرقم الذي يكشف أن العجز مستمر مع تراجع الاستثمار الخارجي.

"20 شهرا"

ذلك التراجع في صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي المصري رغم أنه بدأ في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حتى أيار/ مايو الماضي مسجلا فترة قياسية بنحو 20 شهرا، إلا أن هذا المستوى من التراجع بصافي بالنقد الأجنبي يظل هو المستوى الأدنى، وفق مراقبين.

ومنذ نهاية الربع الثالث من 2021، تعاني السوق المصرية المدرجة تحت تصنيف "ناشئة" من موجة هروب للأموال الساخنة التي طالما اعتمدت عليها الحكومة المصرية في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في الحصول على النقد الأجنبي.


وأعلنت القاهرة في آذار/ مارس 2022، خروج الأجانب من أدوات الدين المصرية وهروب نحو 20 مليار دولار في الربع الأول من العام الماضي، على إثر رفع الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة لنسب قياسية منذ ذلك الحين.

"مؤشر خطير"

وفق رؤيته الاقتصادية، تحدث الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور مصطفي شاهين، لـ"عربي21"، عن خطورة استمرار تراجع صافي الأصول الأجنبية في مصر، على اقتصاد البلاد والاستثمار بها وعلى مستقبلها في ظل تفاقم أزمة الديون.

مدرس الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، قال: "الثابت أنه لدينا عجزا كبيرا جدا في الاحتياطي من الدولار الأمريكي، وهذا التراجع متواصل لنحو 20 شهرا، وسيؤثر تأثيرا كبيرا جدا على قدرة مصر في تغطية القروض والديون الخارجية".

وأكد أن هذا الوضع المتفاقم "يؤثر على قدرة مصر على الاقتراض مجددا، وعلى قدرتها في سداد فوائد وأقساط الدين الخارجي، وعلى قدرتها في توفير الدولار، وكذلك في توفير الواردات داخل الاقتصاد، وتوفير المواد الخام وقطع الغيار والأدوية وغيرها".

وبشأن ما يثار حول مخاوف المصريين على مدخراتهم وإذا ما كان تراجع صافي الأصول الأجنبية يعني إهدار الحكومة حسابات المودعين بالدولار، أكد شاهين، أنه "ليس له علاقة بحسابات المودعين، بل له علاقة بما حصلت عليه الحكومة من قروض أو ما حصلت عليه البنوك في مصر لحساب الشركات الأخرى من الخارج".

لكن الخبير المصري، لم ينف حقيقة المخاوف حول أموال المودعين والاستثمارات المحلية والأجنبية، مبينا أن "الحكومة تأخذ أموال المودعين وتقوم بسداد التزاماتها منها في مقابل تأجيل أو تسويف رد أموال الجمهور".

وأوضح أن "هذا ما يحدث الآن بالفعل من تأجيل حصول المودعين على أموالهم بالعملة الأجنبية، فيقولون له انتظر يوما أو يومين أو أسبوع أو الشهر القادم"، مشددا على أن "الحكومة ملزمة برد أموال المودعين، لكن للأسف في سيناريو لبنان لم تستطع ردها".

وأكد الأكاديمي المصري، أن تراجع صافي الأصول الأجنبية "بالفعل يؤثر على الاستثمارات المحلية الأجنبية"، لافتا إلى أنه "عندما يكون هناك استثمار محلي مثلا بمصنع مكرونة ويحتاج إلى ماكينة أو قطع غيار ولا يجد الدولار، هنا سيتوقف".


وأشار إلى أن "نفس الكلام ينطبق على الاستثمارات الأجنبية بل إنه بشكل أعمق، فلو شركة أجنبية حاولت تحويل أرباحها في الخارج للأسف ستعجز الحكومة عن فعل ذلك، هنا الشركات تبدأ في الانسحاب من السوق".

وعن مصير ودائع دول الخليج العربي (السعودية والإمارات وقطر والكويت) بالبنك المركزي المصري والتي تربو على 26 مليار دولار، يعتقد الخبير المصري، أن "الودائع الخليجية إما أنها ذهبت لسداد قروض أخرى أو أنها داخل الاحتياطي من النقد الأجنبي ليدفع بها ما عليه من مدفوعات مقررة".

وبين أن "البلاد مديونة بتلك الودائع، لتنضم إلى جملة الديون الخارجية التي وصلت نحو 165 مليار دولار، وفق آخر إحصاء رسمي".

وحول كيفية تدبير مصر ما عليها من خدمة الديون مستحقة خلال العام الجاري، في ظل استمرار تراجع صافي الأصول الأجنبية، يعتقد شاهين، أنه "سيلجأ للاقتراض مجددا".

وعن الحلول للخروج من هذه الأزمة وفق رؤيته الاقتصادية، أكد الخبير المصري أنها "كثيرة جدا وأنه قدم الكثير منها عبر أطروحاته وأحاديثه الصحفية والإعلامية، ولكنهم صم بكم لا يعقلون مهما قلنا من حلول"، وفق قوله.

وختم بأنها "تتمثل ببساطة وفي نقاط سريعة بوقف الاقتراض بكل أنواعه، وتقليل الإنفاق الدولاري، ومنع الإنفاق الكمالي، والحد من الاقتراض بالدولار".

"معضلة مصر"

وتواجه مصر أوضاعا اقتصادية صعبة، وأزمة كبيرة مع توفير العملة الأجنبية لسداد فوائد وأقساط الديون المستحقة عليه إلى جانب مستلزمات البلاد الاستراتيجية ما وصفه تقرير لوكالة "رويترز"، 5 حزيران/ يونيو الماضي، بأنه "معضلة".

 الوكالة أكدت أنه مع شح النقد الأجنبي سحبت مصر من صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أكثر من 40 مليار دولار في العامين الماضيين، مشيرة إلى أن ذلك يثير المخاوف بشأن قدرة مصر على سداد الديون الخارجية.

وأظهرت بيانات البنك المركزي نهاية أيار/ مايو الماضي، أن المدفوعات المستحقة على القاهرة 2.49 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل كانت في حزيران/ يونيو، و3.86 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل و11.38 مليار دولار من الديون طويلة الأجل، بالنصف الثاني من العام، بإجمالي نحو 17.73 مليار دولار.

تلك الأوضاع دفعت السيسي، خلال لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بباريس الشهر الماضي، لدعوة المقرضين إلى إظهار المزيد من التفهم لأزمة الديون المتدهورة في بلاده.

وبلغ الدين الخارجي المصري 165.361 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي، مرتفعا من نحو 43 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2013، بزيادة نحو 122 مليار دولار في 10 سنوات منذ انقلاب السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي.

وبالتبعية يعاني المصريون من أزمات طاحنة مع ارتفاع الأسعار التاريخي وغير المسبوق بجميع السلع والخدمات، وهو ما يكشف عنه وصول نسب التضخم إلى 41 بالمئة عن حزيران/ يونيو الماضي، وفق إعلان البنك المركزي قبل أيام.

"انهيار عصب المنظومة"

وفي رؤيته، قال المستشار السياسي والاقتصادي المصري الدكتور حسام الشاذلي، "يعتبر مؤشر صافي الأصول الأجنبية (NFAs) أهم المؤشرات التي تشير لحالة اقتصاد مصر ومدى تأثير تدهور العملة عليه، خاصة أن نظام القاهرة اعتمد دائما على القروض الأجنبية من صندوق النقد وشركاء الخليج".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أضاف لـ"عربي21": "نلاحظ أن صافي الأصول الأجنبية يحسب دائما بناء على حجم الأصول المملوكة لغير المقيمين مطروحا منها المديونيات؛ كما أن التغير في الصافي يمثل حجم الاستثمارات والعمليات البنكية مع القطاع الأجنبي".

وأوضح أنه "لذلك فتراجع مؤشر الأصول بهذه الصورة لهو دليل قوي على كون الانهيار الاقتصادي في المنظومة وصل لعصب المنظومة، وأن الحصول على ديون جديدة بات صعب المنال؛ كما أن مساعدات دول الخليج كتمديد الوديعة السعودية ذات 5 مليارات دولار سيكون ذا تأثير محدود وقصير الأمد".

ويرى الأكاديمي المصري، أنه "في ظل ظروف الحرب الروسية الأوكرانية واعتماد المنظومة المصرية علي القروض بصورة مستديمة وعرض الأصول الاستراتيجية للبيع لن نرى أبدا أي تحسن بمؤشرات الاقتصاد المصري".

ولفت إلى أن توقعه هذا يأتي "خاصة مع غياب ثقة الشركاء في إمكانية نجاح أي عمليات إصلاحية، وهروب المستثمرين الأجانب، واستمرار تدهور الجنيه".

وفي تقديره يعتقد الشاذلي، أن "الحل الوحيد لذلك الانهيار المحتوم للمنظومة الاقتصادية المصرية لم يعد حلا اقتصاديا بأي صورة من الصور، فقد تعدى الأمر تلك الحدود، ولم تعد منظومات الصناديق أو زيادة الضرائب الدولارية أو الاعتماد على تحويلات المصريين بالخارج وغيره من الحلول التقليدية تجدي نفعا".

وأكد أن "الحل بات سياسيا بحتا يرتبط بتغيير شامل في منظومة الحكم وفي المفهوم الاقتصادي للنظام؛ حلا يمنح قدرا أفضل من الديمقراطية والأمان لرجال الأعمال وللاستثمارات ويحجم التأثير الأحادي لإمبراطورية المؤسسة العسكرية الاقتصادية، ويسمح بتطوير مشاريع جديدة مرتبطة بالتحول التكنولوجي والرقمي، ويعمل علي تحقيق الاكتفاء واستعادة ثقة الشركاء الدوليين من أجل إسقاط جزء من الديون وهيكلة الجزء المتبقي".

"حلول واكد"

المعارض والممثل المصري في الخارج عمرو واكد، استفزه استمرار تراجع صافي الأصول الأجنبية في مصر، وكتب عبر "تويتر"، أن "هناك على الأقل 24 مليار دولار من حسابات المودعين بالدولار في مصر تم بالفعل تبديدهم بالكامل".

وأكد أن نظام السيسي، صرف أموال المودعين دون إذنهم على "فنكوش ومشاريع فشل أغلبها في تحقيق أي عائد مادي"،  لافتا إلى ما اسماه بـ"الفساد الرهيب الواضح في صرفها دون أي رقابة أو محاسبة".

وقال المعارض المصري، إن "الموضوع فعلا أكبر من كارثي"،  مؤكدا أنه "لا يمكن وجود حل في وجود عبدالفتاح السيسي في السلطة"، مشيرا إلى أن رحيله "يفتح الباب لحلول كثيرة".

ودعا إلى "توحيد ميزانية الدولة لتضم جميع الصناديق السيادية والخاصة بما فيها صناديق وزارة الدفاع والهيئات العسكرية"، و"التوقف عن سداد الديون ومراجعتها والتفاوض على إلغائها أو إعادة هيكلتها أو خفض كلفتها عبر قيادة وإدارة سياسية جديدة، ومراجعة جميع عقود بيع الأصول والشركات، ومصادرة أو تأميم كل ما يشوبه فساد في الاتفاق، واسترداد جميع الأموال المنهوبة، ومصادرة جميع مشاريع الجيش الاقتصادية وإعادته لثكناته واسترداد عقيدته القتالية الوطنية".