حقوق وحريات

بريطانيا تمضي بـ"حظر مقاطعة إسرائيل".. كيف صوّت النواب المسلمون؟

بدأت حركة المقاطعة تلقى رواجا عالميا- تويتر
مضت الحكومة البريطانية قُدما في مشروع قانون يحظر على المجالس المحلية والمؤسسات العامة مقاطعة إسرائيل اقتصاديا، حيث تم التصويت على المشروع بالقراءة الثانية في البرلمان، رغم التحذيرات من أن القانون يقيد حرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان، في حين كان لافتا أن غالبية النواب المسلمين في البرلمان لم يصوتوا ضد المشروع.

ويستهدف القانون أساسا حركة "مقاطعة إسرائيل، سحب الاستثمارات منها، ومعاقبتها" (BDS)، على خلفية الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وكان المشروع أحد تعهدات رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون بعد انتخابات 2019.

لكن اللافت أن مشروع القانون يسمي إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان المحتل ككتلة واحدة يشملها حظر المقاطعة.

ويأتي تحرك الحكومة بينما بدأت حركة المقاطعة تلقى رواجا عالميا وفي بريطانيا، باعتبارها وسيلة سياسية لدعم الفلسطينيين، وفي ظل توجهات دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا لحظرها.

وبدأ التفكير في القانون من جانب المحافظين في عام 2016، بعدما رفضت المحكمة العليا في لندن دعوى قضائية من جانب منظمة يهودية تصف فيها قرار ثلاثة مجالس محلية بتبني حركة المقاطعة قبل ذلك بعامين؛ بأنها معاداة للسامية.

لكن ما يزيد من حدة الانتقادات للمشروع أنه يأتي مع تصاعد العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، سواء كان على يد المستوطين أو عبر الاقتحامات العسكرية لجنين، في ظل ما توصف بأنها الحكومة الأكثر تطرفا في إسرائيل، مع تزايد حركة بناء المستوطنات التي تؤكد بريطانيا والمجتمع الدولي أنها غير قانونية.

اقرأ أيضا: ماذا يعني استثناء إسرائيل من المقاطعة في بريطانيا؟

ورغم إعلان حزب العمال المعارض أنه لا يؤيد مقاطعة إسرائيل، إلا أنه طرح تعديلا على مشروع القانون يستهدف الامتناع عن التصويت عليه بالقراءة الثانية، لكن تم رفض التعديل في البرلمان (بأغلبية 272 مقابل 212 صوتا)، وطلب الحزب رأيا قانونيا خلص إلى أن المشروع ينتهك البند الخاص بحرية التعبير في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، وهو ما عبّرت عنه منظمة العفو الدولية أيضا، إلا أن الحزب وجّه أخيرا أعضاءه للامتناع عن التصويت وليس التصويت ضد المشروع.

ويقول حزب العمال إن تسمية الأراضي المحتلة في هذا السياق يضعف السياسة الخارجية البريطانية، لأن القانون يعني حظر مقاطعة المستوطنات في هذه الأراضي رغم مخالفة هذه المستوطنات للقانون الدولي.

وجاءت نتيجة التصويت الاثنين الماضي لصالح مشروع القانون بـ268 صوتا، مقابل 70 ضد المشروع، وهم أساسا من أعضاء الحزب القومي الأسكتلندي وحزب الديمقراطيين الأحرار، في حين تمرد نحو 50 نائبا من حزب المحافظين ورفضوا التصويت لصالح مشروع القانون.

وبعد التصويت بالقراءة الثانية فإن المشروع ينتقل إلى مرحلة المناقشة في اللجنة المختصة في مجلس العموم، حيث يمكن للنواب في هذه المرحلة مناقشة المشروع من جميع جوانبه واقتراح إضافة أو حذف أو تعديل على بنود القانون، قبل وصول المشروع إلى التصويت بالقراءة الثالثة، لينتقل المشروع بعدها إلى مجلس اللوردات الذي قد يصوت لصالح المشروع ليصبح قانونا نافذا، أو يطرح تعديلات عليه، وفي هذه الحالة يعود المشروع إلى مجلس العموم للتصويت عليه مجددا.

لكن اللافت في التصويت هو كيفية تصويت النواب المسلمين الذين يبلغ عددهم 18 عضوا، حيث صوت عضوان لصالح المشروع فيما عارضته نائبتان، في حين امتنع الباقون عن التصويت.


اقرا أيضا: أول محجبة: عدد غير مسبوق لنواب مسلمين ببرلمان بريطانيا

وفي هذا السياق، دافع النائب ذو الأصول المسلمة، ساجد جافيد (حزب المحافظين) عن مشروع القانون، واعتبر أن انخراط المجالس المحلية في المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل يشكل هدرا للمال العام، وقال إن القانون الجديد سيمنع أعضاء المجالس المحلية من تنفيذ سياستهم الخارجية الخاصة بهم. ووصف جافيد مقاطعة إسرائيل بأنها "خاطئة ومثيرة للانقسام"، وفق ما كتبه لصحيفة التليغراف.

في المقابل، قالت النائبة أبسانا بيجوم (حزب العمال) التي خالفت قرار حزبها وصوتت ضد مشروع القانون، إنها تؤيد "حق المؤسسات المدنية في اختيار استثماراتها بناء على اعتبارات أخلاقية"، ومن ذلك "الامتناع عن التعاون مع الدول التي تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان".

والمشروع المسمى "قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة الشؤون الخارجية" يمنع الجهات العامة في بريطانيا من مقاطعة شركات أجنبية بناء على تقييمها الأخلاقي، إلا إذا كان ذلك يتماشى مع السياسة الخارجية لبريطانيا، وهو ما يمكن أن يشمل شركات روسية أو صينية، إلا أنه سمّى إسرائيل تحديدا باعتبارها مستثناة من المقاطعة، ما يعني أن مقاطعة إسرائيل ستبقى غير قانونية حتى لو تغيّرت الحكومة أو طرأت تحولات على السياسة الخارجية البريطانية ما لم يتم تعديل القانون في البرلمان.

ويواجه المشروع انتقادات من اتحادات عمالية ومنظمات حقوقية وسياسيين، حيث يثير القانون مخاوف بشأن الديمقراطية وحرية التعبير، كما يراه ناشطون وسياسيون مؤيدون للفلسطينيين أنه يشجع إسرائيل على الاستمرار في جرائمها ضد الفلسطينيين.

وفي هذا السياق، هاجم زعيم حزب لعمال السابق جيرمي كوربين قانون حظر المقاطعة، وقال خلال مناقشة المشروع في البرلمان، إنه يذكر بدعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا.

ورأى كوربين أن القانون يمنح الحكومة سلطة واسعة لكي تقرر على المجالس المحلية ماذا تقول وماذا تفعل.

وأوضح أن "الناس حول العالم؛ الذين يختارون دعم الفلسطينيين ليسوا معادين للسامية وليسوا ضد المجموعات الإسرائيلية، ولكن ما يريدونه هو العدالة للشعب الفلسطيني".


أما وزير المجتمعات مايكل غوف، الذي يقف وراء المشروع، فقال إن  القانون يُبقي السياسة الخارجية بيد الحكومة فقط وليس بيد المجالس المحلية، وزعم أن حركة المقاطعة تساهم في حوادث معاداة السامية.

لكن رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني أليشا كيرنز (من حزب المحافظين)، انتقدت تسمية إسرائيل بالاسم، وقالت خلال مناقشة القانون في البرلمان إن على الحكومة إزالة الإشارة لإسرائيل والأراضي المحتلة من نص القانون لأن النص "يمنح حصانة استثنائية لإسرائيل"، مضيفة أن "هذا أمر يجب عدم منحه لأي دولة".

وتقول الحكومة إن القانون لا يشمل الأفراد، بمن فيهم أولئك المنتخبون إذا كانوا يقومون بأفعال خاصة محمية بموجب قانون حقوق الإنسان.

لكن النائب كريسبين بلانت (حزب المحافظين)، أكد أن مشروع القانون معاد للحرية وللأولوية المحلية وللإنصاف ولسياسة بريطانيا الخارجية.

ورأى بلانت في مقال له بمدونة "ConservativeHome" أن القانون يعد نموذجاً جلياً لمدى انعدام الثبات في قيمنا.

وشدد على أن الظروف التي تتجه فيها الحكومة البريطانية نحو تحصين إسرائيل من الانتقاد تعد الأكثر سوءا، حيث تسعى لندن إلى إجبار المؤسسات العامة على التواطؤ مع السياسة الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها بشكل غير قانوني.

ويقول منتقدون إن من شأن القانون تقييد حرية الناشطين والمنظمات في مواجهة الانتهاكات في مناطق أخرى، مثل الانتهاكات بحق المسلمين الإيغور في الصين، وهو ما اعتمد عليه أيضا حزب العمال في طرح التعديل على المشروع؛ رغم أنه في نهاية المطاف لم يعارض المشروع.

من جهته، رأى المجلس الإسلامي البريطاني أن مثل هذه القيود على حرية التعبير هي استجابة غير بنّاءة للغاية لمعالجة مخاوف حقوق الإنسان.

ولفت المجلس في تغريدة عبر "تويتر" إلى أن حملة المقاطعة، تعمل كوسيلة سلمية للاحتجاج، وتمارس حرية التعبير، في المملكة المتحدة، وكلاهما حقوق أساسية تحميها القوانين البريطانية، وكذلك الاتفاقيات الدولية الموقعة.

اقرأ أيضا: نائب بريطاني: مشروع الحكومة لحظر مقاطعة "إسرائيل" معاد للحريات