سياسة عربية

بعد الخلاف على ملف الصحراء.. هل شهدت علاقات المغرب وألمانيا تحسنا؟

هل أنهت زيارة بوريطة الخلاف المغربي الألماني بشأن الصحراء؟ - جيتي
بعد توتر دبلوماسي امتد لشهور طِوال بسبب ملف الصحراء، عرفت العلاقات المغربية الألمانية "انفراجا" تُوّج بزيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الخميس الماضي، إلى ألمانيا، وباتفاق بين البلدين على إطلاق الحوار الاستراتيجي متعدد الأبعاد، الذي سيستضيفه البلَدان بشكل دوري، مرة كل سنتين.

جذور العلاقة.. وأصل الخِلاف

وبعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 تعززت العلاقة بين المغرب وألمانيا، التي تمتد إلى القرن الثامن عشر، بالتعاون على مستوى عدة مجالات، حيث كانت ألمانيا من الدول السباقة إلى تعيين سفير لها بالرباط، في تاريخ 26 آذار/ مارس سنة 1957.

وفي الفترة التي كانت فيها ألمانيا تتعافى من الآثار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وقّعت مع المغرب على اتفاقية التعاون التجاري سنة 1961، ثم عدد من الاتفاقيات في مجالات التعاون المالي والتقني سنة 1966.



‌أما عن جذور العلاقة بين البلدين، فيُرجّح المؤرخون بأنها تعود إلى سنة 1784، حيث قرر الإمبراطور فريدريش الكبير إقامة أول قنصلية في المغرب، إلا أنها لم تنجح في القيام بالمهام المنوطة بها آنذاك. لكن تحول ألمانيا إلى دولة صناعية، دفع بها إلى فتح قنصلية لها في مدينة طنجة سنة 1873؛ ثم إبرام عقد لشراء الزعفران المغربي سنة 1802، ليتبعها مسار طويل من التعاون بين البلدين.

‌وبعد انسجام دام لما يُناهز عقدين من الزمن، انطلق فتيل التوتر بين الرباط وبرلين، مع مطلع سنة 2020، انطلاقا من الملف الليبي حيث علّق المغرب على عدم دعوته إلى مؤتمر برلين بكونه "إقصاء" لبلد له دور هام عبر اتفاق الصخيرات.

‌واشتد الخلاف أكثر بين البلدين، إثر اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، وهو الشيء الذي لم تقبل به برلين فدعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، مما دفع الخارجية المغربية إلى تعليق كل اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها في شهر أذار/ مارس من سنة 2021؛ لتُتبعها بخطوة اعتبرت أكثر تصعيدا وتتمثل في استدعاء الرباط لسفيرتها في برلين من أجل التشاور، وذلك يوم الخميس 07 أيار/ مايو سنة 2021.

‌هل ذاب الجليد بين الرباط وبرلين؟

خطوة زيارة بوريطة، الخميس الماضي، إلى ألمانيا، عكست بحسب عدة مُتابعين للشأن الدولي "ذوبان الجليد بين الرباط وبرلين"، خاصة أن الخلافات السابقة حول ملف الصحراء، طوت صفحتها زيارة وزيرة الخارجية الألمانية، السنة الماضية، إلى المغرب، قدّمت خلالها دفعة قوية لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على كافة الأصعدة.



وتباينت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من اعتبر أن اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية المغربي ونظيرته الألمانية عاديا ولا يعكس أي رهانات مُستقبلية جادة، وبين من تداول صور اللقاء، مُبرزا لغة جسد الطرفين بالقول، إن هناك تعاونا سياسيا واقتصاديا يلوح في الأفق، الشيء الذي جعل هاشتاغ "ناصر بوريطة" يتصدر الترند على منصة "تويتر" منذ الخميس الماضي.

وغرّد سعيد معاش، محام بهيئة المحامين بمدينة الدار البيضاء المغربية، قائلا: "اطلع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وأنالينا بيربوك، اليوم ببرلين، على الوثائق الدبلوماسية الأصلية المحفوظة في الأرشيفات السياسية لوزارة الشؤون الخارجية بألمانيا، ويتعلق الأمر بوثيقة مغربية مصادق عليها مؤرخة بتاريخ 28 مارس 1891، تمت إضافتها إلى معاهدة التجارة الألمانية-المغربية المؤرخة بتاريخ 1 يونيو 1890".

وأضاف: "يتعلق الأمر كذلك برسالة بعثها السلطان الحسن الأول في مارس 1874 إلى الإمبراطور ويليام الأول، رداً على أوراق اعتماد أول وزير ألماني مقيم في المغرب، السيد فريدريش فون جوليش. وتشمل الوثائق أيضًا أوراق اعتماد الممثل الخاص للمغرب في ألمانيا سيدي الطيبي بنهيمة التي يعود تاريخها إلى سنة 1878".

وفي هذا السياق، يرى المختص في الأمن القومي المغربي، منعم امشاوي، أن "الخلافات والتوافقات في العلاقات الدولية مسألة طبيعية، مرتبطة بمصالح كل بلد ورغبته في تحصين وتحسين موقعه ومكانته في إطار التدافع الدولي" مشيرا إلى أن "التاريخ الطويل للتعاون الثنائي بين البلدين، لم يكن ليمنع المغرب سنة 2021 من التعبير عن استيائه مما اعتُبر آنذاك تراكما للمواقف العدائية وغير الودية المستهدفة للمصالح المغربية العليا".



ويضيف امشاوي، في حديثه لـ"عربي21" أن "الرباط اختارت القطع مع المواقف الرمادية والضبابية بخصوص ملف الصحراء، وكذا مع المواقف المستهدفة للأدوار الإقليمية للمغرب في ملفات حساسة في مقدمتها الملف الليبي الذي كانت ألمانيا تعمل على استبعاد دور المغرب فيه، فضلا عما اعتبر سوء استخدام للتعاون والتنسيق الأمني مع المغرب" مما يوضح أن "العلاقة بين البلدين ستدخل الآن لحقبة جديدة على أسس أكثر تكافؤا وندية".

هل ‌طُويت صفحة الخلاف؟

في جوابه على سؤال "عربي21": هل انتهى الخلاف بين المغرب وألمانيا؟ أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الحبيب استاتي زين الدين، أنه "لا تنتهي الخلافات نهائيا في العلاقات الدولية، سواء كانت علنية أو مبطنة، لكنها بكل تأكيد تخفّ وتخضع لقواعد جديدة تمليها التحولات الجيوسياسية الواقعة أو المتوقعة. وبالرغم من أن التعاون والاحترام يظلان الصورة المثالية التي يفترض أن تكون عليها العلاقات بين الدول، بما فيها العلاقات المغربية الألمانية، غير أن الواقع قد يكشف سلوكات ومواقف لا تحفظ هذه الصورة".

أما فيما يخص ملف الصحراء الذي كان يُشكل نقطة القطيعة في الأزمة السياسية بين البلدين، يذكّر زين الدين بأن "الموقف السلبي المُسجل سابقا من طرف برلين بشأن قضية الصحراء، في أعقاب الاعتراف الرئاسي الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، يعتبر موقفا خطيراً لم يتم تفسيره آنذاك"، أضيف إليه "إبعاد المغرب عن القيام بدوره الإقليمي الذي يلعبه في الملف الليبي".

ويختم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حديثه لـ"عربي21" مشيرا إلى أن خير إشارة على طي صفحة الخلاف بين البلدين تكمن في "تجديد ألمانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، باعتباره أساسا جيدا للتوصل إلى حلّ مقبول من الأطراف".