سياسة دولية

معهد إسرائيلي: عهد استراتيجي جديد يتشكل في الشرق الأوسط

طهران تستمر في توسيع المحور الاستراتيجي مع روسيا وتحسين العلاقات الاستراتيجية مع الصين- جيتي
تحدث معهد إسرائيلي عن بدء عهد استراتيجي جديد أخذ يتشكل في منطقة الشرق الأوسط.

وأوضح "معهد السياسات والاستراتيجية" الإسرائيلي (IPS)، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده طاقم المعهد برئاسة جنرال احتياط عاموس جلعاد، أن "إيران والولايات المتحدة تقتربان من بلورة تفاهمات، في إطارها طهران ستوقف الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة وستمتنع عن مواصلة التقدم في المشروع النووي العسكري، وفي المقابل ستتعهد واشنطن برفع جزئي للعقوبات، وتحرير نحو 20 مليار دولار محتجزة".

تفاهمات جديدة

وأضاف: "الحديث لا يدور عن صفقة جديدة تستبدل الاتفاق الأصلي، لذلك، فالإدارة الأمريكية غير ملزمة بتقديم هذه التفاهمات من أجل مصادقة الكونغرس عليها، وهكذا فهي تلغي الضغوط لإحباط هذه العملية".

ونوه إلى أن "إسرائيل أعلنت في السابق أنها غير ملزمة وأنها تعارض الاتفاق الجديد و/أو إعادة الاتفاق الأصلي، لكنها تطرقت بشكل غامض لإمكانية التوصل إلى تفاهمات، هكذا أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في إطار الإحاطة التي قدمها في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن إسرائيل تعارض العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، وأنه يوجد "تناقض" في الرؤية في ما يتعلق بالاتفاقات الصغيرة، ومن أقواله أنه يمكن الفهم بأن رئيس الحكومة نفسه يدرك أن قدرة إسرائيل على منع تبلور التفاهمات محدودة جدا".

ورأى المعهد أن "المغزى الأساسي من التفاهمات الآخذة في التبلور؛ أن إيران تتنازل عن الاختراق الفوري للحصول على السلاح النووي، لكنها تراكم إنجازات في عدة مجالات؛ ففي المجال النووي بقيت دولة حافة نووية ونجحت في الحفاظ على قدراتها الشاملة في هذا المجال، وخلال ذلك إمكانية الاختراق في فترة زمنية تبلغ أسبوعين إلى المستوى العسكري المطلوب من تخصيب اليورانيوم بمستوى 90 في المئة، وأما على الصعيد السياسي فهي تحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشكل يبعد عنها التهديد باستخدام الخيار العسكري".

ولفت إلى أن "التفاهمات الآخذة في التبلور، تتركز في معظمها على موضوع النووي العسكري، بصورة تبقي لإيران هامش عمل لمواصلة عملية زيادة القوة في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المسلحة، واستغلال تحرير الأموال لمواجهة الأزمة الاقتصادية في الداخل وتعميق دعمها لامتداداتها. وفي موازاة ذلك، فإن طهران تستمر في توسيع المحور الاستراتيجي مع روسيا والشراكة العسكرية التكنولوجية معها، وتحسين العلاقات الاستراتيجية مع الصين، كل ذلك إضافة إ لى استمرار عمليات المصالحة مع العالم العربي".

وأكد أن "كل هذه التطورات، تزيد الشعور بالثقة بالنفس لإيران من أجل تحدي إسرائيل بشكل مباشر أو بواسطة امتداداتها في المنطقة"، منوها إلى أن "الولايات المتحدة من ناحيتها تنجح من خلال هذه التفاهمات في وقف المشروع النووي، كما يبدو، على الأقل حتى موعد أداء الرئيس الأمريكي القادم اليمين (في كانون الثاني/ يناير 2025). وبحسب سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن هناك تفضيلا للحل السياسي على حل استخدام وسائل أخرى طبقا لتعهده العلني بمنع إيران من التوصل إلى سلاح نووي. وبحسب رؤية الإدارة الأمريكية، فإن هذا التطور يسمح بتركيز معظم الاهتمام على التحديات الملحة جدا للولايات المتحدة؛ وهي المواجهة المتطورة مع الصين والحرب في أوكرانيا".

ومن جانب "إسرائيل" فإنه "إذا تحققت هذه التفاهمات الجديدة كبديل عن الاتفاق، فيمكن أن تظهر وكأنها فقدت الذخر الاستراتيجي وأنها توجد وحدها ضد المشروع النووي الإيراني. عمليا، إسرائيل لا يمكنها توقع الدعم الدولي لعملية عسكرية ضد إيران بشكل يقيد بدرجة كبيرة حرية عملها الاستراتيجي ضد المشروع النووي العسكري".

أما في جانب الأفضليات فإن "وقف تقدم المشروع النووي سيسمح بمواصلة عمليات بناء القوة للجيش الإسرائيلي على المدى البعيد، بهدف الإعداد المثالي لسيناريو يكون فيه الخيار العسكري هو الخيار الأخير لمنع إيران من التوصل إلى السلاح النووي".

وبين المعهد، أن "تحديات إيران وامتداداتها في المنطقة تتعزز، ضمن أمور أخرى، إزاء مستوى الجرأة المتزايدة لحزب الله مؤخرا، مثلما تم التعبير عن ذلك في مفترق "مجدو" وغض النظر عن إطلاق الصواريخ نحو مستوطنات الشمال من لبنان".

وفي هذا السياق، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال أهارون حليوة، حذر في مؤتمر "هرتسليا" من أن "حسن نصر الله قد بدأ يعتقد بأنه يستطيع تمديد المعادلة أمام إسرائيل، وهو قريب من ارتكاب خطأ في لبنان وسوريا، يمكن أن يدهور المنطقة في حرب واسعة".

التطبيع مع السعودية

وفي موازاة المحادثات مع إيران، فإنه "يظهر نشاط أمريكي محموم لدفع التطبيع قدما بين السعودية وإسرائيل؛ كجزء من جهود شاملة لواشنطن لتحسين علاقتها مع الرياض".

وبحسب ما نشر فإن "السعودية قدمت شروطا مسبقة على رأسها موافقة أمريكا على تطوير مشروع نووي مدني، وضمن ذلك تخصيب اليورانيوم والاستعداد لتزويدها بمنظومات سلاح متطورة مثل طائرات "أف 35" والحصول على ضمانات أمنية أمريكية".

وفي ظل هذه التطورات، يحلق بحسب المعهد الإسرائيلي "سؤال حول تأثير القضية الفلسطينية والانقلاب النظامي على احتمالية التطبيع. وبحسب معرفتنا، فإنه حتى لو تولد الانطباع بأن الأثمان في القضية الفلسطينية ستكون رمزية في أساسها، حيث إن عدم إعطاء رد بروحية المبادرة العربية التي ترسم أفقا واضحا لمفاوضات حقيقية بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، يمكن أن يحول أي اتفاق يتم التوصل إليه إلى اتفاق هش، بسبب التأثيرات المحتملة على المكانة الضعيفة أصلا للسلطة الفلسطينية بصورة تخدم حماس، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع مكانتها في الشارع الفلسطيني".

ورجح قيام رئيس السلطة محمود عباس بـ"الضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو على العالم العربي والإسلامي، من أجل التأكد وبحق أنه أعطي ردا مناسبا على القضية الفلسطينية.. لذلك، فطالما أن الملك سلمان هو الحاكم في السعودية، فسيكون من الصعب جدا بلورة اتفاق يتجاوز القضية الفلسطينية".

وأما "الانقلاب النظامي في إسرائيل، فهو يظهر كعائق أمام تقدم عملية التطبيع، وتجميدها يشكل شرطا مسبقا للتحدث المباشر بين الرئيس الأمريكي بايدن، ورئيس الحكومة نتنياهو، وبالأحرى عقد قمة ثلاثية مع ولي عهد السعودية، هذا بسبب رؤية إسرائيل أن المس المحتمل بجهاز القضاء في إسرائيل يمكن أن يقوض القيم المشتركة التي تشكل القاعدة للحلف الاستراتيجي بين هذه الدول. ورغم العلاقات الأمنية العميقة، إلا أن غياب حوار حميمي ومباشر على مستوى القيادات يضر بالقدرة على تنسيق وبلورة التعاون الاستراتيجي".

التوصيات

وخلص المعهد في دراسته التي أعدها الجنرال جلعاد إلى أنه من الواجب على الحكومة الإسرائيلية، "وقف الانقلاب النظامي على الفور، الذي أصبح يرتسم أكثر فأكثر كعقبة أمام الدفع قدما بالمصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل، وعلى رأسها العلاقات الاستراتيجية مع الإدارة الأمريكية، وحرية العمل أمام إيران وشبكة علاقتها مع العالم العربي".

كما أن على تل أبيب بالنسبة للفلسطينيين، أن "تظهر سلوكا مسؤولا وحساسية لتنفيذ خطوات أحادية الجانب، مثل توسيع المستوطنات وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس (المسجد الأقصى)، التي يمكن أن تثير الغضب الدولي الشديد والتوتر في المنظومة الفلسطينية والإقليمية، علما بأن قرار الدفع قدما بخطة بناء 4500 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، أثار الانتقاد الشديد من قبل الإدارة الأمريكية، وهذا فقط على سبيل المثال".

على المدى البعيد فإن "إهمال الجانب السياسي أمام الفلسطينيين، يمكن أن يجر إسرائيل لواقع الدولة الواحدة لشعبين، وأن يجذب الجيش الإسرائيلي إلى التدخل بشكل أكبر على الأرض، بصورة تمس بقدرته على الاستعداد لسيناريوهات مهمة أخرى".

وبحسب تحذيرات رؤساء جهاز الأمن الإسرائيلي فإنه "يجب على إسرائيل الاستعداد أيضا على المستوى السياسي والعسكري لمواجهة شاملة متعددة الجبهات، إزاء ما يظهر كتضافر لمصالح أعدائنا في المنطقة، الذين في نظرهم، قوة إسرائيل آخذة في الضعف".

أما على صعيد السعودية، فقد شدد المعهد على أنه "يجب على إسرائيل بلورة سياسة حذرة تأخذ في الحسبان كل المعاني التي تكمن في انضمام السعودية إلى النادي النووي المدني؛ كعامل استراتيجي له أهمية بعيدة المدى، هذا إزاء الخوف المعقول من تسريع خطوات الحصول على النووي في أرجاء الشرق الأوسط، وفي هذا يوجد تهديد محتمل لأمن إسرائيل القومي، الذي يستند إضافة إلى القوة العسكرية، أيضا إلى صورة الدولة العظمى الإقليمية".