كتاب عربي 21

المسارات الفلسطينية المتوقعة سنة 2023 (2)

يحمل العام الجديد أزمات وتحديات- جيتي
في المقال الماضي، تحدثنا عن المسارات الفلسطينية المتوقعة في سنة 2023 للوضع الداخلي والقدس والمقاومة والكيان الإسرائيلي. وفي هذا المقال نغطي ما يتعلق بالجوانب العربية والإسلامية والدولية.

العالم العربي والإسلامي:

ما زالت المنطقة العربية تعاني من حالة من اللا استقرار والضعف، وإذا كانت قوى التغيير والإصلاح عانت من عدد من الإحباطات والانتكاسات كان آخرها في تونس؛ إلا أن الموجة المضادة لـ"الربيع العربي" لم تتمكن من حسم المعركة لصالحها. وما زالت تيارات التغيير تتمتع بحضور شعبي قوي، كما أن الأنظمة العربية عادت لإنتاج أزماتها، وإنتاج البيئات والظروف التي تدفع الجماهير للتغيير والثورة. وفي هذه الأجواء القلقة والمربكة استراتيجياً ما زالت بعض الأنظمة ترى في العلاقة مع الكيان الإسرائيلي عنصراً دائماً لاستقرارها، سواء في مواجهة شعوبها، أم في استرضاء الأمريكان، أم فيما ترى أنه يخدم أمنها في مواجهة إيران.

ما زالت المنطقة العربية تعاني من حالة من اللا استقرار والضعف، وإذا كانت قوى التغيير والإصلاح عانت من عدد من الإحباطات والانتكاسات كان آخرها في تونس؛ إلا أن الموجة المضادة لـ"الربيع العربي" لم تتمكن من حسم المعركة لصالحها. وما زالت تيارات التغيير تتمتع بحضور شعبي قوي، كما أن الأنظمة العربية عادت لإنتاج أزماتها، وإنتاج البيئات والظروف التي تدفع الجماهير للتغيير والثورة

غير أن تراجع الضغوط الأمريكية المباشرة، وتراجع المكانة الدولية لأمريكا، وتشكيل حكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، مع عدم إحداث العلاقة مع الكيان فروقاً ذات قيمة نوعية بالنسبة للأنظمة، تجعل الاندفاعة التطبيعية مترددة ومتباينة بين نظام عربي وآخر.

وعلى ما يبدو، فستتابع الإمارات عملية تطبيع نشطة مع الكيان سياسياً واقتصادياً وأمنياً وسياحياً، وظهرت علامات ذلك بالتطور المتسارع في العلاقات التجارية، التي زادت عن ملياري دولار سنة 2022، وبزيارة نتنياهو المرتقبة للإمارات.

وتسير البحرين على خطى الإمارات وإن بدرجة أقل، خصوصاً وأنها تشعر أكثر من غيرها بتهديد أكبر لنظامها السياسي من إيران؛ وفي المقابل فثمة معارضة قوية للتطبيع أكثر تنظيماً ووضوحاً في البحرين منها في الإمارات.

أما المغرب فيسير بخطوات ثابتة محسوبة، ولكن غير متسارعة، باتجاه التطبيع؛ حيث يدرك النظام السياسي المعارضة الواسعة للتطبيع، والتي تجلت بشكل كبير في الفعاليات الشعبية والحزبية، وفي مونديال قطر. من جهة أخرى، فإن التطبيع مع السودان سيشهد المزيد من التعثر في ضوء ارتباك وعدم استقرار النظام السياسي، وبدء استرجاع التيار الإسلامي والقوى المعارضة للتطبيع زمام المبادرة.

ولا يظهر أن ثمة تغيير في السلوكين الأردني والمصري المعتادين تجاه عملية التطبيع والعلاقات مع الكيان؛ غير أنهما سيجدان المزيد من الحرج في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة. وسيكون الموقف الأردني أكثر حساسية، خصوصاً في ضوء سعي قوى نافذة في الحكومة الإسرائيلية لإلغاء أو تهميش الوصاية الهاشمية على المقدسات، وإنهاء مسار التسوية وطرح فكرة الوطن البديل؛ وهي تطورات مصحوبة بتصاعد الاحتجاجات المعيشية والسياسية في الأردن، ما قد يدفع الحكومة الأردنية لسلوك أكثر تشدداً (ولكن بسقف محسوب) مع الطرف الإسرائيلي.

أما السعودية، التي سيسعى نتنياهو بقوة لاستدراجها نحو التطبيع العلني، فما زالت تفضل العلاقات الهادئة تحت الطاولة، وليست مستعجلة للاتجاه نحو العلن، ما دامت لا تواجه ضغوطاً حقيقية ولا ظروفاً مفصلية تدفعها إلى ذلك.

اللافت للنظر أن الجزائر تصدّرت مشهد مقاومة التطبيع ورعاية المصالحة الفلسطينية سنة 2022، ويظهر أنها ستتابع السياسة نفسها خلال 2023. وستتابع الكويت موقفها الرسمي والشعبي الرافض بقوة للتطبيع، كما تقدّمت عُمان خطوة مهمة في إقرار وتوسيع قانون مقاطعة "إسرائيل"، وهو ما يعني متابعة سياستها الهادئة في الابتعاد عن التطبيع ومساراته.

من المستبعد أن تحدث مواجهة عسكرية واسعة بين الكيان الصهيوني وبين حزب الله وقوى المقاومة في لبنان، خصوصاً بعد التوافقات التي تمت بشأن استغلال الغاز قبالة السواحل اللبنانية. كما سيسعى الكيان للاستمرار في الهيمنة على المجال الجوي السوري وتبني سياسة "جز العشب" و"تقليم الأظافر" لضمان خطوطه الشمالية، بينما سيتابع النظام السوري السياسة نفسها.

من جهة أخرى، فإن قطر تلعب دوراً في "ديبلوماسية الإنابة" من خلال محافظتها على علاقة مميزة بالقوى الفلسطينية، واستضافتها لقادة حماس، ودعمها لقطاع غزة، ودعم إعلامها للشأن الفلسطيني، مع القيام بدرجة محسوبة من التطبيع ولو بأشكال بسيطة أو محدودة، تمكّنها من لعب دور الوسيط بشكل أو بآخر. وضمن هذه العملية المحسوبة (وللتوافق أيضاً مع شروط الفيفا) فتحت المجال لقدوم نحو 15 ألف إسرائيلي لحضور المونديال، وفي الوقت نفسه، سمحت بتنظيم العديد من الفعاليات الداعمة لفلسطين ورفع الأعلام الفلسطينية.

البيئة الشعبية العربية، فما زالت وستواصل التفافها نحو القضية الفلسطينية ورفضها للتطبيع، وسيظل التطبيع قشرة سطحية رسمية، كما تظهر استطلاعات الرأي والفعاليات الشعبية، وكما ظهر جلياً في مونديال قطر

أما البيئة الشعبية العربية، فما زالت وستواصل التفافها نحو القضية الفلسطينية ورفضها للتطبيع، وسيظل التطبيع قشرة سطحية رسمية، كما تظهر استطلاعات الرأي والفعاليات الشعبية، وكما ظهر جلياً في مونديال قطر.

وفي إطار العالم الإسلامي يبرز الدوْران التركي والإيراني. ففي الجانب التركي نلاحظ ميلاً لتحسين العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، حيث تمّ مؤخراً تبادل السفراء، مع تطوير التبادل التجاري الذي تجاوز 8.5 مليار دولار سنة 2022؛ تلطيفاً للغة الديبلوماسية وتخفيفاً لحدة الانتقادات للممارسات الإسرائيلية، كما أن ثمة إشارات لحماس لتخفيض لسقف أنشطتها وإقامة رموزها في تركيا. ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة خلال سنة 2023، لاجتياز استحقاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية.

وليس من المتوقّع أن تغيّر إيران من مواقفها وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، سواء في رفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، أم في استمرار دعمها المالي والعسكري للمقاومة الفلسطينية. غير أنها ليست في وارد خوض مواجهات مسلحة مع الكيان، لا هي ولا حلفاؤها في لبنان وسوريا خلال سنة 2023، ما لم يبادر الكيان نفسه بعدوان مباشر يدفعها للرد.

وسيتابع الكيان الإسرائيلي مسار التطبيع مع عدد من بلدان العالم الإسلامي؛ حيث ستأخذ العلاقات مع أذربيجان شكلاً رسمياً مع تبادل السفراء، كما ستستمر محاولة إحداث اختراق في العلاقات مع إندونيسيا.

البيئة الدولية:

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على البيئة الدولية، حيث ستتابع انعكاساتها خلال سنة 2023. وكان ثمة حرج إسرائيلي في اتخاذ موقف واضح من طرفَي النزاع، نظراً لعلاقتها المهمة والحساسة مع روسيا، ولعلاقتها القوية مع أوكرانيا، ونظراً لعدم رغبتها في إغضاب أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه استفادت "إسرائيل" من تزايد تدفق المهاجرين اليهود من روسيا وأوكرانيا، كما استفادت من تسويق الغاز إلى أوروبا لتعويض النقص الناتج عن انخفاض أو توقف إمدادات الغاز الروسي؛ وهو ما ستتابعه خلال 2023.

سيستمر تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة، في عالم يتجه نحو تعدّد القطبية، كما سيستمر تراجع قدرتها (ورغبتها) على التدخل العسكر المباشر خارج حدودها، وسيستمر أيضاً الاتجاه الأمريكي العام في التركيز على طرفَي المحيط الهادي وتحديداً مواجهة الصعود الصيني؛ مع التراجع النسبي لمكانة الشرق الأوسط. غير أن ذلك لا يعني أن أمريكا ستخسر مكانتها كقوة عالمية أولى في المدى القريب والمتوسط

وفي الإطار الدولي، سيستمر تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة، في عالم يتجه نحو تعدّد القطبية، كما سيستمر تراجع قدرتها (ورغبتها) على التدخل العسكر المباشر خارج حدودها، وسيستمر أيضاً الاتجاه الأمريكي العام في التركيز على طرفَي المحيط الهادي وتحديداً مواجهة الصعود الصيني؛ مع التراجع النسبي لمكانة الشرق الأوسط. غير أن ذلك لا يعني أن أمريكا ستخسر مكانتها كقوة عالمية أولى في المدى القريب والمتوسط، كما ستظل اللاعب الدولي الأكثر فعالية في المنطقة، وسيظل الكيان الصهيوني حجر الزاوية في سياستها الشرق أوسطية. والمقصود تراجع قدرة الولايات المتحدة على التأثير واستخدام القوة الخشنة والناعمة مقارنة بالسنوات الماضية، حتى وإن ظلّت في صدارة القوى الدولية الفاعلة في المنطقة.

وستسعى الولايات المتحدة للمحافظة على مسار التسوية السلمية والدفع باتجاه التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وستحاول تهدئة اندفاعة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لتهويد الأقصى والقدس والضفة الغربية والعدوان على الشعب الفلسطيني، للحفاظ على ما بقي من "أوهام" تجاه التسوية وحلّ الدولتين، وللمساعدة في عدم الانكشاف الوقح للوجه البشع للاحتلال في البيئة الدولية.

أما دول أوروبا الغارقة في مشاكلها فليس من المتوقع أن يتغير سلوكها العام، القريب من السلوك الأمريكي.

روسيا التي دخلت في حرب استنزاف مع أوكرانيا ستكون أقل قدرة على التدخل في المنطقة، غير أنها قد توظف استياءها من موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه الحرب، ومن الموقف الغربي بشكل عام، بمزيد من الانفتاح السياسي على الجانب الفلسطيني بما في ذلك حماس؛ دون أن يعني ذلك دعماً مالياً أو عسكرياً.

أما الصين، فبالرغم من صعودها الاقتصادي الكبير، وبالرغم من تضاعف ميزانياتها العسكرية، وبالرغم من أنها أصبحت الشريك التجاري الأول للمنطقة العربية؛ إلا أنها ليست في وارد الدخول في أي احتكاكات أو نزاعات مع الولايات المتحدة (في غير موضوع تايوان)، وستتابع حرصها على علاقات قوية مع الكيان الإسرائيلي؛ طالما أن البيئة العربية ضعيفة وغير ضاغطة عليها. وستتابع المواقف الديبلوماسية ذاتها تجاه قضية فلسطين في دعم مسار التسوية وحلّ الدولتين، وستظل بعيدة عن ممارسة أي دور سياسي نشط في الشأن الفلسطيني.

وفي أمريكا الجنوبية، أخذ المسار الداعم لفلسطين يستعيد عافيته بفوزه في انتخابات تشيلي والبرازيل مما يفتح أفقاً أفضل للقضية.

أما على صعيد الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، فليست ثمة تغيرات مهمة في الأفق، وسيتتابع صدور القرارات المؤيدة لفلسطين بأغلبية كبيرة على صعيد الجمعية العامة، والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وسيظل "الفيتو" في مجلس الأمن عقبة أمريكية غربية كأداء في وجه أي حقوق فلسطينية يُمكن تحصيلها عملياً، وفي وجه إلزام "إسرائيل" بتنفيذ أي من قرارات الأمم المتحدة. غير أن إحالة الوضع القانوني فلسطين المحتلة سنة 1967 إلى محكمة العدل الدولية، قد يفتح فرصاً أفضل لمزيد من الضغوط على الجانب الإسرائيلي.

أما البيئة الشعبية الدولية، فستتابع تحركها ولو ببطء باتجاه مزيد من دعم الحقوق الفلسطينية، ومزيد من المواقف السلبية تجاه الكيان الإسرائيلي، وهي مرشحة للتحول إلى قوى ضاغطة ومؤثرة على دولها في حالة تصاعد موجات الانتفاضة والمقاومة في فلسطين المحتلة.

twitter.com/mohsenmsaleh1