سياسة عربية

ما أهمية الوثائق البريطانية السرية عن سد النهضة لمصر والسودان؟

الوثائق أشارت إلى أن هدف إثيوبيا من السد تحدي مصر والسودان في حصص مياه النيل- جيتي

حملت وثائق بريطانية تعود إلى أكثر من 3 عقود، بشأن نوايا إثيوبيا في إنشاء مشروعات مائية على النيل الأزرق شريان الحياة لنهر النيل بعض المفاجآت التي تتعلق بالأسباب الكامنة وراء إصرارها على إنشاء سد النهضة، الذي تنظر إليه مصر والسودان بريبة شديدة.

 

وأثار نشر الوثائق العديد من التساؤلات حول توقيت نشرها الآن بعد اقتراب انتهاء بناء السد الأضخم في أفريقيا، بالقرب من الحدود السودانية، وأهمية تلك المعلومات التي تنشر لأول مرة حول نوايا الدولة الإثيوبية، وما مدى استفادة مصر منها مستقبلا في أي محادثات مستقبلية في ظل جمود المفاوضات بين الجوانب الثلاثة.

 

وتشير الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها حديثا إلى أنه خلافا لما تقوله أديس أبابا من أن السد يأتي لأسباب تنموية، فإن الوثيقة تشير إلى أن السبب هو تحدي مقولات مصر والسودان حول "الحقوق المكتسبة في مياه نهر النيل" وإبطالها.

 

ووفق الوثائق فإن الإثيوبيين أبلغوا البريطانيين بذلك قبل ثلاثة عقود مضت، بحسب "بي بي سي"، في النصف الثاني من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1992، خلال مؤتمر نظمته كلية الدراسات الشرقية والأفريقية "سواس" في جامعة لندن لبحث "المياه في الشرق الأوسط: العواقب القانونية والسياسية والتجارية".

 

وقال غريغ شيبلاند، مسؤول ملف المياه في الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية وممثل لندن في المباحثات متعددة الأطراف بشأن المياه في برقية بالغة السرية موجهة إلى رئيس إدارة البحوث والتحليل: "لدى مصر حقوق مكتسبة بخصوص كمية مياه النيل التي تستخدمها حاليا.. ومصر لن تتسامح أبدا مع بناء إثيوبيا أي سدود على النيل الأزرق".

 

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف أن "عدم استعداد المصريين لقبول تطور القانون الدولي سيئ وينطوي على مشكلة". ليس هذا فحسب، فقد أشار شيبلاند إلى "عدم إدراكهم (المصريين) الواضح أن موقفهم مستفز للإثيوبيين، ومن ثم فإنه يأتي بنتائج عكسية أسوأ، ومن المحتمل أن يضر بمصالحهم".

 

ودأبت مصر على التحذير من المساس بحصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل والتي تعتبرها حقا تاريخيا، وتمثل المصدر الرئيسي للمياه العذبة 97%، وكان من الممكن أن تختار إثيوبيا التي تتمتع بعدد كبير من الأنهار أن تختار تنمية أي عدد منها إلا أنها، بحسب التقرير، اختارت التحدي الأكبر، وهو تنمية مياه النيل الأزرق، لأبطال مقولة المصريين "التاريخية".

 

فات الميعاد

 

بشأن توقيت إصدار أو الكشف عن هذه الوثيقة، أوضحعضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي سابقا الدكتور محمد محيي الدين، أن "توقيت إصدار الوثيقة لا علاقة له بتطورات الموقف بين البلدان الثلاثة، ويتعلق بمرور 30 عاما وهي المدة الزمنية المطلوبة للكشف عن الوثائق السرية والسماح بتداولها إعلاميا وصحفيا ودراسيا، ولا تعني أنها ضد هذه الطرف أو مع هذا الطرف".

 

وعن إمكانية استفادة مصر والسودان من تلك الوثائق في تأكيد حجتهم ودحض الموقف الإثيوبي الذي يكرر مصطلح التنمية على خلاف الحقيقة كما ورد في التقرير، أكد لـ"عربي21": "أن المعلومات المنشورة لن تفيد في أي شيء دولتي المصب ولن تضر دولة المنبع؛ لأن السد أصبح أمرا واقعا وشارف على الانتهاء وتحقيق الغرض الذي بني من أجله أيا كان هذا الغرض تنمويا أو إبطال المقولة المصرية".

 

واعتبر محيي الدين أن "سياسة مصر تجاه إثيوبيا منذ عقود لم تستطع أن تبني شراكة قوية مع أديس أبابا يمكن من خلالها أن تمنعها من القيام بمثل هذا الفعل، وربما كان هذا نابعا من حالة اليقين لدى المسؤولين المصريين بضعف إثيوبيا وعدم حاجتها لمثل هذا السد من جهة وعدم قدرتها على تحمل تكاليفه والتي تقدر بمليارات الدولارات في دولة من أفقر دول القارة، ومن هنا تتحمل مصر تبعات تراجع دورها الإقليمي من جهة وسوء تقديراتها من جهة أخرى".

 

أمر واقع وخيارات دبلوماسية

 

في هذا الصدد، يقول الأكاديمي السوداني والخبير في الشان الأفريقي، الدكتور ياسر محجوب الحسين، "هناك حقائق على الأرض لا تتفق مع ما ذهبت إليه الوثيقة البريطانية وهي تستند إلى مناقشات واجتهادات نخبوية ضمن مؤتمر نظمته في 1992، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن لبحث المياه في الشرق الأوسط، فهي لا ترقى لأن يعتد بها كثيرا أو أن تكون ورقة ضغط".

 

وأضاف لـ"عربي21": "ومن هذه الحقائق أن إثيوبيا لا تستطيع حجز مياه ضخمة وراء سد سعته نحو 74 مليار متر مكعب على ارتفاع 600 متر فوق مستوى سطح البحر. وتنحدر إليه المياه من بحيرة تانا من ارتفاع يبلغ نحو 1890 مترا فوق سطح البحر. فضلا عن أن أثيوبيا ليست معنية بالمياه في حد ذاتها وإنما معنية بتوليد الكهرباء إذ إن توليد الطاقة الكهربائية يؤثر فيه مستوى الانحدار أكثر مما تؤثر فيه كمية المياه. كما أن الانحدار الشديد للهضبة الإثيوبية لا يتيح إقامة مشاريع زراعية بمساحات ضخمة تستوعب كميات كبيرة من المياه المخزنة".

 

وعلى ضوء ذلك، وفق الحسين، فحقيقة أن السد الإثيوبي أضحى واقعا مفروضا بعد اكتمال أكثر من نحو 90% من بنائه، وكذلك تغير موقف مصر استنادا إلى هذه الحقيقة من الرفض الكلي لقيام السد إلى خلافات حول برنامج فترة ملء بحيرته فإن أفضل خيارات مصر هو الخيار الدبلوماسي لضمان حقوقها المائية بما في ذلك التعاون مع السودان للتعاطي بحكمة مع المطالبات المتزايدة لبعض دول حوض النيل بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، حيث هددت تنزانيا وكينيا وإثيوبيا بتنفيذ مشروعات سدود قد تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل اتفاقية المياه السارية اليوم.

 

من بين الخيارات أيضا بحسب الأكاديمي السوداني "العمل مع السودان لإقناع دول حوض النيل الأخرى التي مضت قدما في توقيع اتفاقية بديلة لاتفاقية مياه النيل سمتها اتفاقية عنتيبي لإعادة توزيع حصص مياه النيل. ولعل مصدر القلق الكبير أن اتفاقية عنتيبي تجعل دول حوض النيل في حل من اتفاقية مياه النيل، وتتحدث عن حصة كل دولة بعبارات فضفاضة، وتقول إنها تحددها احتياجات الدولة المعنية بما لا يضر بالآخرين وفق مبدأ العادل والمنصف.

وحتى الآن هناك ست دول من دول حوض النيل التسع قد وقعت على هذه الاتفاقية، وهي: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا وجنوب السودان".