قضايا وآراء

العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية.. من غرفة العتيبة إلى بن غفير

تفاجأ الجميع بدعوى بن غفير لحفل العيد الوطني الإماراتي- تويتر
منذ انضمام الإمارات، لاتفاقيات إبراهيم في آب/ أغسطس ٢٠٢٠، ولا يفوت الإسرائيليين مناسبة، دون الحديث عن خصوصية ودفء العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وكيف أن تلك العلاقات؛ قوية ومتينة، ومتشعبة على مختلف المستويات، الاقتصادية، الأمنية، الثقافية، وتمثل نموذجا حقيقيا لما يسمى بالسلام الدافئ.

البداية من غرفة العتيبة في الريتز كارلتون

مثّل الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، حالة من الذهول لدى البعض، لاعتقادهم بعدم وجود علاقات مسبقة بين أبو ظبي وتل أبيب، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فالمتخصصون والمتابعون عن كثب للعلاقات العربية-الإسرائيلية، يعرفون أن العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب بدأت منذ فترة طويلة، تمتد لأكثر من عقدين من الزمان، وأدّت غرفة/ جناح السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، في فندق الريتز كارلتون، دورا مهما في ذلك المسار، يخبرنا عنه الدبلوماسي الأمريكي (الصهيوني) المخضرم، دينيس روس، الذي خدم كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط في عدد من الإدارات الأمريكية، بقوله:
مثّل الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، حالة من الذهول لدى البعض، لاعتقادهم بعدم وجود علاقات مسبقة بين أبو ظبي وتل أبيب، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فالمتخصصون والمتابعون عن كثب للعلاقات العربية-الإسرائيلية، يعرفون أن العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب بدأت منذ فترة طويلة، تمتد لأكثر من عقدين من الزمان.

"ففي شباط/ فبراير 2009، أي في بداية ولاية أوباما، كنت مسؤولاً في وزارة الخارجية الأمريكية للمساعدة في رسم السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية تجاه إيران. وفي ذلك الوقت، طلب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة مقابلتي بشكل غير رسمي؛ للتحدث بشأن المقاربة التي سننتهجها إزاء إيران. ولضمان الطابع غير الرسمي للقاء، طلب ألا نجتمع في مقر وزارة الخارجية أو السفارة، بل في جناحه في فندق ريتز كارلتون. فوافقتُ، وعندما طرقت الباب، استقبلني السفير العتيبة وبجانبه السفير الإسرائيلي لدى واشنطن سالاي ميريدور".

كما شهد العام 2015 أول وجود دبلوماسي إسرائيلي في أبو ظبي، تحت ستار الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، التي يقع مقرها في أبو ظبي، وحاولت أبو ظبي تبرير تلك الخطوة على لسان مديرة إدارة الاتصال في وزارة الخارجية آنذاك مريم الفلاسي بقولها: "أية اتفاقات بين الوكالة الدولية وإسرائيل، لا تمثل أي تغيير في موقف الإمارات أو علاقاتها بإسرائيل.. ولا يترتب على الدولة المضيفة أي تبعات فيما يتصل بعلاقاتها الدبلوماسية أو غيره".

وفي الوقت الذي كانت تصرح فيه الفلاسي بأن الوجود الدبلوماسي الإسرائيلي في أبو ظبي (تحت ستار التمثيل في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة)، لا يمثل أي تغيير في موقف الإمارات من إسرائيل، ولا يترتب على ذلك أي التزامات دبلوماسية من الإمارات تجاه إسرائيل، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماما، حيث لم يقتصر التمثيل الإسرائيلي على منظمة الطاقة المتجددة، بل امتد إلى إنشاء ممثلية دبلوماسية إسرائيلية في أبو ظبي، تحت غطاء المشاركة في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

ولذا، يعدّ رامي حتان، مندوب إسرائيل لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي، هو أول سفير إسرائيلي في الإمارات. وتلخصت مهام هذه الممثلية في المقام الأول عن إدارة وتنسيق الأنشطة الأمنية والاستخباراتية بين أبو ظبي وتل أبيب. وبالتزامن مع ذلك كان يتسحاق مولخو، المبعوث الشخصي لبنيامين نتنياهو، يعمل بشكل مباشر مع قيادات أبو ظبي، وعلى رأسهم ولي العهد حينها محمد بن زايد، على تهيئة الأجواء للوصول إلى علاقات دبلوماسية كاملة، وبدأت وفود اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة تعرف طريقها إلي أبو ظبي، لتعقد اللقاءات السرية مع رجل الإمارات القوي محمد بن زايد. وصرح ابن زايد أمام أحد تلك الوفود قائلا: "يمكن أن أتصور أننا في الخنادق مع إسرائيل نقاتل ضد إيران".

أكاذيب بغطاء دبلوماسي

وبعد السقوط الطوعي في فخ التطبيع وانضمام الإمارات إلى ما يسمى باتفاقيات إبراهيم في 2020، وصف محمود عباس تلك الخطوة بـ"الطعنة في ظهر القضية الفلسطينية"، الأمر الذي حاولت الإمارات نفيه، عبر إعلانها أن التطبيع مع إسرائيل سيساهم بشكل فعال في دفع عملية السلام المتوقفة بين الطرفين منذ عدة سنوات.

ولكن، سرعان ما تلقت الإمارات الصفعة من نتنياهو الذي أعلن في 13 آب/ أغسطس 2020، في اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن التطبيع، في بيان باللغة العبرية، بأنه لن يتنازل عن ضم أراضي الضفة الغربية، مشيرا إليها بالاسم التوراتي "يهودا و السامرة"، قائلا: "لا تغيير في خطتي في بسط سيادتنا في يهودا والسامرة، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، أنا ملتزم بها، لم تتغير".

ولتدارك ذلك المأزق الذي وضع فيه نتنياهو حلفاءه الجدد، عملت أبو ظبي على إصدار بيان حاولت من خلاله حفظ ماء الوجه أمام الدول العربية، ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال، نتيجة لاختلاف المعاني الموجودة في النسخة العربية عن الموجودة في النسخة الإنجليزية للبيان نفسه، فبينما ادعت الإمارات أنها نجحت في وقف عملية الضم في النسخة العربية من البيان، جاءت النسخة الإنجليزية بمعنى تعليق عملية الضم.

وبينما حاولت الإمارات تصوير البيان على أنه انتصار دبلوماسي كبير لها، يظهر مدى تأثيرها على حكومة نتنياهو، فكان تعليق الطرف الإسرائيلي والأمريكي على الاختلاف في الصياغة اللغوية والمعاني واضح، حيث أكد السفير الأمريكي إلى إسرائيل (الصهيوني) ديفيد فريدمان أن "كلمة تعليق، في جوهرها تعني التوقف المؤقت، أي إن الأمر غير مطروح الآن، لكنه ليس غير مطروح على الدوام"، بينما أكدت المتحدثة باسم الخارجية الإسرائيلية أنه "نتيجة للانفراجة الدبلوماسية (في إشارة للتطبيع مع الإمارات)، ستعلق إسرائيل من عملية الضم".

وعلى الجانب الفلسطيني، رأت القيادية حنان عشراوي الأمر أنه ليس اختلافا في ترجمة معاني الكلمات، ولكنه تلاعب إماراتي متعمد، بقولها: "لا أعتقد أنها مشكلة ترجمة، بل إنها وسيلة غير أمينة، للتلاعب بالخطاب". وأضافت: "الترجمة العربية وسيلة لتضليل الرأي العام العربي بالقول؛ إن الإمارات نجحت في وقف ضم الأراضي. في حين أن ما حدث هو مجرد تعليق".
حتى قبل الإعلان عن فوزه بشكل رسمي، تعالت التحذيرات من أن يكون اليمين الصهيوني المتطرف جزءا من أي حكومة يشكلها نتنياهو، وأول التحذيرات جاءت من الولايات المتحدة، الراعي الرسمي للكيان الصهيوني

السقوط في الوحل.. بن غفير

حتى قبل الإعلان عن فوزه بشكل رسمي، تعالت التحذيرات من أن يكون اليمين الصهيوني المتطرف جزءا من أي حكومة يشكلها نتنياهو، وأول التحذيرات جاءت من الولايات المتحدة، الراعي الرسمي للكيان الصهيوني، على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ روبرت مينينديز، الذي حذر نتنياهو بأن ضمه لأحزاب اليمين المتطرف (قومية يهودية/ إيتمار بن غفير، والصهيونية الدينية/ بتسلئيل سموتريتش)، سيعرض إسرائيل لخسارة في الدعم الذي تحصل عليه من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وهذه الأحزاب اليمينة الصهيونية معروف عنها كراهيتها للعرب والمسلمين، ومساندتها للمستوطنين، والدعوة لترحيل الفلسطينيين خارج فلسطين، فبن غفير هو صاحب شعار "الموت للعرب" الذي بات الشعار الرسمي لأنصار اليمين في إسرائيل، هذا بخلاف الاقتحامات والتعديات الممنهجة على الحرم القدسي الشريف، بقيادة بن غفير. فزوجة بن غفير التي ظهرت في الصورة التذكارية مع سارة نتنياهو بسلاح ناري، بدعوة أنها تعيش في الخليل محاطة بالإرهابيين في إشارة إلى الفلسطينيين، نشرت مؤخراً على حسابها في موقع التغريدات القصيرة "تويتر" صورة لها من ساحة الحرم القدسي الشريف، وهي تتفاخر بأنها صعدت إلى الحرم القدسي الشريف؛ لتقديم صلاة شكر لله على النجاح الكبير في الانتخابات. ثم تضيف أنه "من الآن فصاعدا، سيكون اسمه جبل الهيكل.. فقط جبل الهيكل"، في استخدام للاسم التوراتي للحرم القدسي الشريف، الذي يدعي اليهود بأنه مكان للهيكل، مما يُفهم أنه سعي من تلك القوى المتطرفة لفرض واقع جديد فيما يخص الحرم القدسي الشريف، تمهيدا لتحقيق مخطط التقاسم الزمني والمكاني مع المسلمين، لتمكين المتطرفين الصهاينة من الصلاة في الحرم القدسي الشريف، الذي يدعون بأنه مكان هيكلهم المزعوم.

ومؤخرا، ورغم الانتقادات الدولية المتصاعدة، حتى من الكيانات والشخصيات اليهودية التقدمية، ضد ضم هؤلاء المتطرفين إلى الحكومة القادمة، أسند نتنياهو منصب وزارة الأمن القومي، وهو الاسم الجديد لوزارة الأمن الداخلي، لبن غفير. وتتمتع هذه الوزارة ببعض الصلاحيات الجديدة، منها السيطرة على فرقة قوات حرس الحدود في "يهودا والسامرة" التي كانت تتبع الجيش سابقا، والمكلفة بالعمليات العسكرية في الضفة الغربية، هذا بالإضافة للسيطرة على قوات حرس الحدود بشكل كلي. كما وافق نتنياهو على استمرار هذه الوزارة بتشكيل قوات جديدة باسم "الحرس الوطني"، وهي قوات شبه عسكرية تقوم على التطوع، في الغالب، ستضم المستوطنين الموجودين في الضفة الغربية، وهم مسلحون بالفعل، مما سيوفر غطاء قانونيا لأعمال العنف والإرهاب التي يرتكبونها في حق الفلسطينيين، بالإضافة إلي السيطرة على قوات "هسايرت هيروكا"، المكلفة بالاستيلاء على الأراضي لصالح الاستيطان، بالإضافة لإعطاء صلاحيات واسعة لبن غفير لإدارة القوات، وتحديد قواعد الاشتباك وإطلاق النيران في الميدان.

ووفقا لهذا السيناريو، سيكون لبن غفير صلاحيات أمنية واسعة، ستزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، الذي هو يعاني بالفعل من المضايقات اليومية، وتقييد حرية الحركة، والاعتقال التعسفي. وقد علق رئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت على هذه القرارات قائلا؛ "إنها مزحة حزينة على حساب مواطني إسرائيل، بغض النظر عن حقيقة احتياجات الدولة". كما قال وزير الجيش بيني غانتس أن "نتنياهو ينشئ جيشا خاصا لبن غفير في الضفة الغربية ويعرّض استخدام القوة للخطر، معتبرا أن "سلوك نتنياهو هو اعتراف بأن رئيس الوزراء الحقيقي سيكون بن غفير".

ورجوعا إلى الإمارات، فقد نشر موقع إكسيوس أن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، خلال زيارته التي قام بها إلى إسرائيل قُبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قام بتحذير نتنياهو من ضم الأحزاب الدينية اليمينة المتطرفة (بن غفير، سموترتيش) إلى حكومته في حال الفوز، وأن تلك الخطوة تهدد بتقويض العلاقات مع الإمارات واتفاقيات إبراهيم.
تعرف جيدا أن نتنياهو الذي ما زال يواجه تهما بالفساد والرشوة، لا يستطيع البقاء في السلطة بدون دعم هؤلاء المتطرفين، لذا قررت الإمارات الانقلاب على تصريحاتها السابقة لتأمين مصالحها، حتى لو كان هذا على حساب دماء الأبرياء من الفلسطينيين، الذين يتوعدهم بن غفير بالقتل والتشريد، وقررت دعوة بن غفير

ولكن وعلى الرغم من هذا التحذير الناري لابن زايد، تفاجأنا كما تفاجأت البعثات الدبلوماسية المختلفة الموجودة في تل أبيب، حسب تصريح التلفزيون الرسمي لإسرائيل، بدعوة بن غفير إلى حفل العيد الوطني الحادي والخمسين الذي أقامته الإمارات في سفارتها بتل أبيب، ونشر بن غفير صورة له وهو يصافح السفير الإماراتي في تل أبيب محمد آل خاجة، مصافحة يظهر فيها بعض الود، مما يمثل انقلابا على التصريحات النارية التي سبق وأن أطلقها عبد الله بن زايد قُبيل الانتخابات حول ضم اليمين المتطرف للحكومة، وتقويض العلاقات مع الإمارات واتفاقيات إبراهيم، وهذا يذكرنا بكذب الإمارات حول وقف ضم أراضي الضفة الغربية الذي أشرنا له سابقا.

في النهاية، الإمارات بحاجة ماسة لوجود نتنياهو في السلطة، لكي تستطيع الاستفادة من دعمه للحصول على المنافع والمكاسب من عملية التطبيع، فالإمارات بعيد رحيل نتنياهو لم تحصل على طائرات F35 التي كانت أحد شروط صفقة التطبيع، ولم تحصل على نظام القبة الحديدية، بعد تعرضها للهجمات الصاروخية من الحوثيين، ذلك على الرغم من وجود اتفاقيات أمنية بينها وبين إسرائيل.

وهي تعرف جيدا أن نتنياهو الذي ما زال يواجه تهما بالفساد والرشوة، لا يستطيع البقاء في السلطة بدون دعم هؤلاء المتطرفين، لذا قررت الإمارات الانقلاب على تصريحاتها السابقة لتأمين مصالحها، حتى لو كان هذا على حساب دماء الأبرياء من الفلسطينيين، الذين يتوعدهم بن غفير بالقتل والتشريد، وقررت دعوة بن غفير الذي أطلق يد المستوطنين وجنود الاحتلال على حد سواء، لتنفيذ إعدامات ميدانية، كالذي قام به ضابط إسرائيلي بقتل شاب فلسطيني بدم بارد من المسافة صفر، دون أي داع، فالشاب لم يكن يملك سلاحا، فيما امتدح بن غفير الضابط قائلا: "حقا حققت شرفنا، فعلت ما أوكل إليك بدقة"، فبن غفير واليمين المتطرف يرون في إراقة الدماء الفلسطينية وسيلة لتحقيق شرفهم.

twitter.com/Ramy_Aziz1