مقابلات

مسؤول أردني سابق: الإمارات تعمل وكأنها سمسار للاحتلال

العبادي: النظام الأردني قوي ولا فرص لحدوث انقلابات
انتقد وزير أردني سابق دور الإمارات في الترويج لبعض المشاريع التطبيعية بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، قائلا إنه لا "يفهم دور الإمارات التي تعمل وكأنها وسيط أو سمسار من خلال القيام بمشاريع مصدرها إسرائيل بينما تكون هي في الواجهة أحيانا".

وأضاف  السياسي الأردني البارز ونائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور ممدوح العبادي، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "هل يمكن للإمارات أن تساعدنا كإخوة لها في هذا النهج حتى لا نعتمد على إسرائيل التي تطمع كثيرا في فلسطين وفي الأردن أيضا؟".

وحول الأوضاع الداخلية قال العبادي إن "النظام الأردني الآن قوي ومتماسك لدرجة كبيرة جدا، وكل التجارب السابقة التي حدثت خلال الأعوام العشرة الماضية أعطته قدرة ومناعة تجعله قادرا على الاستمرار في الحكم".

واستبعد تماما، احتمالية وقوع "محاولة انقلابية" على العرش الملكي في المستقبل، قائلا: "لا أتوقع مطلقا حدوث أي محاولة انقلابية، خاصة أن الانقلابات العسكرية انتهت في العالم العربي منذ زمن طويل، والذي كان يخطط ويقوم بالانقلابات في عالمنا هي الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها الآن غيّرت أسلوب عملها بالنسبة للوطن العربي".

لكن العبادي ألمح إلى أن حكم العائلة الملكية في الأردن ليس مُستقرا بنسبة 100%، وقال: "لا يوجد أمر في الحياة مضمون تماما، وعالمنا اليوم يشهد متغيرات متزايدة وثوابت قليلة، وبالتالي فلا وجود لنسبة الـ 100% في العمل السياسي، وكل الأمور واردة".

ورأى نائب رئيس الوزراء الأسبق أن صفحة الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق لملك الأردن، "قد طويت إلى الأبد"، مضيفا أنه "لا توجد أي أخبار جديدة بشأنه، ولا أعلم ما إذا كان مُعتقلا أم إن حركته محدودة ومُقيدة؟".

يشار إلى أنه في 4 نيسان/ أبريل 2021، أعلنت عمان أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة" في قضية "الفتنة"، وهو ما نفى الأمير صحته.

وأعفى الملك عبد الله الثاني، عام 2004، أخاه حمزة من ولاية العهد، وقال آنذاك إنه يرغب في منحه مزيدا من "حرية الحركة للقيام بمهام رسمية تتعارض مع موقعه الرمزي".

وفي 3 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن حمزة بن الحسين تخليه عن لقب أمير، معتبرا أن قناعاته لا تتماشى مع "النهج والتوجهات والأساليب الحديثة" في مؤسسات المملكة.



وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

هل التحديات التي واجهها الأردن إبان اندلاع الربيع العربي هي نفس التحديات الموجودة اليوم؟

الظروف الآن تغيرت واختلفت كثيرا؛ فلم تعد الظروف مواتية لتكرار نفس تلك الثورات الملوّنة من قِبل الدعم الأمريكي، والتي اندلعت قبل نحو 11 عاما. وبالطبع نجح الأردن آنذاك في تجاوز هذه الموجة العاتية. وثورات الربيع العربي نجحت في بعض البلدان بينما فشلت في بلدان أخرى، ولحسن حظنا أنها مرت علينا دون دماء، واليوم انتهت هذه الثورات غير مأسوف عليها.

من وجهة نظركم، ما هي طبيعة الإصلاحات المطلوبة والمستحقة اليوم في الأردن؟

الإصلاحات المطلوبة هي الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الإعلام، وحرية الحصول على المعلومات، والانتخابات النزيهة الحرة، وهنا يحضرني تصريح قاله الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، والذي أكد فيه أنهم نجحوا لأنهم احترموا شرف صناديق الاقتراع؛ فهذا هو المدخل الحقيقي لأي إصلاح وأي تقدم، وبالتالي فلا بد من وجود حريات حقيقية، وانتخابات نزيهة، وقضاء مستقل وعادل.

هل هناك رغبة جادة في تحقيق الإصلاح في الأردن؟

أرجو وأتمنى ذلك، وأنا لا أعتقد أن هناك دولة لا تريد الإصلاح لديمومة شعبها وديمومتها كسلطة حاكمة، خاصة إذا كانت الإصلاحات تساعد الوطن والبلاد وتساعد النظام في حقيقة الأمر. ولا أتمنى أن تكون الإصلاحات الجارية حاليا مجرد حبر على ورق، وأن تتحول إلى أفعال لا أقوال؛ فلا يجب أن نعيش أوهام مصطنعة.

ما تقييمكم للتجارب الإصلاحية التي حدثت سابقا في الأردن؟

التجارب الإصلاحية التي حدثت لا زالت في بداية الطريق، وتعاني من عقبات وتحديات جمّة، ومحاولات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري لا زالت في طور الأمور النظرية؛ فقد شُكّلت لجان مختلفة صاغت قوانين وأنظمة وصدرت تعليمات وقرارات وما إلى ذلك، لكننا ننتظر الآن النتائج الفعلية على أرض الواقع.

رئيس الوزراء الأردني الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، قال إن العالم العربي سيشهد من جديد وقريبا انفجارا مشابها لما حدث عام 2011 ضمن موجة "الربيع العربي"، متوقعا أن الفارق سيكون بحجم الانفجار وشكله.. هل تتفق معه في هذا الطرح؟

في الواقع أنا لا أتفق معه فيما ذهب إليه، لأن الظروف تغيرت كثيرا كما أوضحت آنفا، والأنظمة العربية أصبحت أكثر ذكاءً وقدرةً، واستفادت من تجارب الربيع العربي الماضية، وأصبحت إمكانيات المراقبة والمتابعة موجودة حاليا بشكل كبير جدا، والأساس الآن هي مرحلة العصا والجزرة. ولذلك لن يستطيع أي أحد تمرير أي ربيع عربي آخر كما كان في السابق، وأنا شخصيا لا أرى أي ربيع عربي قادم ولا أفق لذلك.

ما مدى تماسك وصلابة النظام الأردني اليوم؟

أعتقد أن النظام الآن قوي ومتماسك لدرجة كبيرة جدا، وكل التجارب السابقة التي حدثت خلال الأعوام العشرة الماضية أعطته قدرة ومناعة تجعله قادرا على الاستمرار في الحكم كما كان سابقا.

إلى أي مدى ترى أن الملك عبد الله الثاني يتحمل المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع في الأردن؟

الدستور الأردني الذي صدر مطلع عام 1952، والتعديلات التي تم إدخالها عليه في 2011، وضعت الأردن دستوريا بمصاف الدول الغربية الملكية الدستورية، لأن المادة 30 في الدستور تنص على أن "الملك هو رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية"، خاصة أن المادة 40 من الدستور تقول إن "الملك يمارس صلاحياته بإرادة ملكية، وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير المختص أو الوزراء المختصين يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة"، والمادة 45 تقول إن مجلس الوزراء يتولى الولاية العامة ومسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، لذلك فإن الذي يتحمل كامل المسؤولية في الأردن عن شؤوننا الداخلية والخارجية هو مجلس الوزراء، طبقا لنص الدستور، بينما تكون مسؤولية الملك صفر في هذه الحالة.

وما تقييمكم لمجمل أداء الملك عبد الله؟

إذا عدنا إلى الدستور وتفعيله على أرض الواقع فأعتقد أن الأمور ستكون من صلب التقدم الحضاري الحقيقي. وأنا أؤمن بالدستور الأردني وبنظام الحكم النيابي الملكي الوراثي، وعندما يُطبق الدستور نصا وروحا سنكون نحن خير.

هل طوى الأردن تماما صفحة قضية الأمير حمزة أم لا؟

لا توجد أي أخبار جديدة بشأنه، ولا أعلم ما كان مُعتقلا أم إن حركته محدودة ومُقيدة.. لكني متأكد أن صفحته قد طويت.

وهل طويت تلك الصفحة إلى الأبد؟

لا أجزم بشيء، لكنني أرجح كثيرا أنها قد طويت إلى الأبد.

هل وارد أو محتمل أن تكون هناك "محاولة انقلابية" على العرش الملكي في المستقبل أم إن هذا مُستبعد تماما؟

حينما ظهرت مشكلة الأمير حمزة كنت أنا خارج البيت، وقيل وقتها أن هناك في دبابات على باب القصر الملكي، بينما صرّحت آنذاك لقناة الجزيرة أن هذه شائعات غير صحيحة بالمرة؛ فلم تكن هناك أي دبابات أو طائرات، ولم أرِ أي شيء من هذا القبيل وقد مررت من أمام القصر حينها، وبالتالي لا أتوقع مطلقا حدوث أي محاولة انقلابية في الأردن لا حاليا ولا في المستقبل، خاصة أن الانقلابات العسكرية انتهت في العالم العربي منذ زمن طويل، والذي كان يخطط ويقوم بالانقلابات في عالمنا هي الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها الآن غيّرت أسلوب عملها بالنسبة للوطن العربي.

هل حكم العائلة الملكية في الأردن مُستقر بنسبة 100%؟

لا يوجد أمر في الحياة مضمون بنسبة 100%، وأنت ترى كيف تتغير الأمور في الدول الديمقراطية؟ وكيف كانت أحداث اقتحام الكونغرس في الولايات المتحدة، وهي أم الديمقراطيات في العالم، عالمنا اليوم يشهد متغيرات متزايدة وثوابت قليلة، وبالتالي فلا وجود لنسبة الـ 100% في العمل السياسي، وكل الأمور واردة.

ما هي أخطر أزمة مر بها الأردن في عهد الملك عبدالله؟

أزمة الربيع العربي كانت هي أكبر أزمة تواجه بلادنا، والحمد لله استطعنا أن نمر منها بسلام ودون إراقة دماء، ووقتها كنت نائبا في البرلمان، وكنّا نعمل من خلال العمل الشعبي والبرلماني، ومرت الأمور بسلاسة وتجاوزت بلادنا تلك الأزمة.

وقّع الأردن وإسرائيل، قبل أيام، "إعلان نوايا" لإعادة تأهيل وتحسين بيئة ونظام المياه لنهر الأردن والبحر الميت.. فكيف ترى هذا الإعلان؟

أنا لا أعرف مدى قانونية إعلان النوايا، وهل هو مُلزم للأردن أم لا؟ لكني أعتقد أنه غير مُلزم في نهاية المطاف، وأرى أن الشعب الأردني ضد هذا الإعلان الباطل كما هو ضد اتفاقية "الماء مقابل الكهرباء"؛ فالشعب الأردني يرفض تماما مثل هذه الاتفاقيات ولا يريدها مطلقا، لأنها اتفاقيات مغموسة بالاستعباد من قِبل الكيان الصهيوني، بينما هناك بدائل أخرى كثيرة عن الاعتماد على إسرائيل، ولدينا 3 ملايين شخص غير أردنيين على الأرض الأردنية، وعدد سكان الأردن حوالي 6.5 مليون مواطن، يعني أن هناك نحو 30% من السكان غير أردنيين ويمكن أن يعود منهم مليونين إلى بلادهم ويتراجع عدد السكان بالتبعية، وهو ما سيؤدي إلى تخفيف أزمة المياه بنسبة 20% على الأقل إن لم يكن 30%. لذلك، أنا أؤيد تماما الشعب الأردني الذي يرفض هذه الاتفاقيات وإعلانات النوايا.

لكن ماذا لو تم إقرار تلك الاتفاقية على أرض الواقع بشكل فعلي؟

أعتقد أننا سندفع الثمن غاليا إذا تم تفعيل هذه الاتفاقية على أرض الواقع، والثمن سيكون مُكلفا لنا ماديا، ولن تحمل تلك الاتفاقية أي نجاح أو فائدة.

وما طبيعة هذا الثمن الذي تتحدث عنه؟

مزيد من المديونية.

هناك تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن حكومة الاحتلال تعتزم البدء بإنشاء قناة "بن غوريون" بالقرب من الحدود البحرية الأردنية، للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.. فهل هذه القناة الإسرائيلية ستشكل خطرا على الأردن؟

هذه القناة تُشكّل خطرا حقيقيا على الأردن، لكن الخطر الأكبر على الشقيقة الكبرى مصر التي تصل إيراداتها المالية إلى نحو 7 مليارات دولار سنويا من قناة السويس، وبالتأكيد هذه القناة الإسرائيلية ستؤثر سلبا على الاقتصاد المصري، ومع ذلك لا يضيع حق وراءه مطالب.

كيف ترى واقع ومستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية؟

الشعب الإسرائيلي تحوّل من اليمين إلى يمين اليمين، وهذا هو الذي سيحكم العلاقة بيننا وبين إسرائيل. والمادة الأولى من مبادئ حزب الليكود الإسرائيلي، والذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، تقول إن من حق إسرائيل السيطرة على كامل أرض إسرائيل التاريخية، وهي فلسطين وشرقي الأردن، وفق تصورهم المزعوم. ولذلك فالعلاقة اليوم بين الأردن وإسرائيل سيئة والقادم أسوأ.

ما طبيعة الدور الإماراتي في تطبيع العلاقات بين الأردن وإسرائيل؟

في الحقيقة أنا لا أفهم دور الإمارات التي تعمل وكأنها وسيط أو سمسار من خلال القيام بمشاريع مصدرها إسرائيل بينما تكون هي في الواجهة أحيانا. والأردن لا يستطيع على الإطلاق تحمل التكاليف التشغيلية لهذه الاتفاقيات ولا الاستدانة، فربما لن نستطيع مستقبلا الاستدانة من أحد، خاصة أن هناك ابتعاد عنا من قِبل الأشقاء.

وأنا أعتقد أن المنطق الأخوي يقول إنه يجب القيام بمشاريع لتحلية المياه في البحر الأحمر عند خليج العقبة وليس في البحر المتوسط. والسؤال: هل يمكن للإمارات أن تساعدنا كإخوة لها في هذا النهج حتى لا نعتمد على إسرائيل التي تطمع كثيرا في فلسطين وفي الأردن أيضا.

هل ترى أن هناك تقصيرا من قِبل الأردن تجاه القضية الفلسطينية أم لا؟

لا، هذا مستحيل تماما. يمكن أن تقول عن الأردن أي شيء ما عدا موقفها من القضية الفلسطينية. نحن بيننا وبين إخواننا الفلسطينيين النهر الواصل وليس الفاصل، وعلاقاتنا التاريخية والجغرافية أطول خط حدود على فلسطين التاريخية هي بالأردن. ونصف شعبنا من أصول فلسطينية، وبالتالي فالعلاقة بيننا أزلية وأبدية، وشمال الأردن وشمال فلسطين كانا دولة واحدة سابقا، وبالتالي تجمعنا مشتركات كثيرا جدا كالتاريخ واللغة والدين والتراث، ونحن بالأردن نعتقد أن كل الأراضي الفلسطينية مُقدسة إسلاميا ومسيحيا.