ملفات وتقارير

"تصريحات عنصرية" لمسؤول الخارجية الأوروبي.. وردود غاضبة

وفقا لوكالة فرانس برس يُعرف بوريل بأنه ذو هفوات عرضية متعددة- جيتي
أثارت تصريحات للممثل الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل -وصفت بأنها غير دبلوماسية- الجدل، بعد أن وصف أوروبا بالحديقة وبقية العالم "غالبا" بالأدغال.

وقال بوريل في كلمة ألقاها بالأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في بروكسل، إن "أوروبا "حديقة" الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي في العالم، بالمقابل بقية العالم كان في الغالب غابة.

وأشار إلى أنه "يمكن للغابة أن تغزو الحديقة، لذلك يجب أن يعتني بها البستانيون، لكنهم لن يحموها ببناء الجدران من حولها، فإحاطة الحديقة اللطيفة بجدران لمنع الغابة من الدخول ليس هو الحل، وفي الأساس فإن الجدار لن يكون عاليا بقدر يكفي لحمايتها".

وأكد أنه "يجب على الأوروبيين "البستانيين" الذهاب إلى الغابة، ويجب أن يكونوا أكثر انخراطا مع بقية العالم".

وقال في ذات الكلمة إن "أي ضربة نووية روسية ضد أوكرانيا سيتبعها رد قوي من الغرب ما يؤدي إلى إبادة الجيش الروسي".

ووفقا لموقع "يورو نيوز" جاءت كلمات بوريل هذه ردًا على الخطاب العدائي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بالمقابل ردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على بوريل بالقول، إن "أوروبا أنشأت تلك "الحديقة" من خلال النهب البربري لـ"الغابة"، ولم يكن بوريل ليصيغها بشكل أفضل: النظام الأكثر ازدهارًا في العالم، الذي تم إنشاؤه في أوروبا، والذي ترعاه جذور في المستعمرات التي اضطهدوها بلا رحمة".

وتابعت زاخاروفا، إن "فلسفتهم في الفصل والتفوق أصبحت هي الفكرة الأساسية للفاشية والنازية، وكلتا الحربين العالميتين في القرن العشرين كانتا ناجمتين عن طموح ألمانيا "لاستعادة العدالة" وإعادة تقسيم مستعمرات أوروبا التي فشلت تلك الدولة في انتزاعها لنفسها".



عربيا جاء الرد على تصريحات بوريل من قبل الإمارات العربية المتحدة، إذ استنكرت الخارجية الإماراتية هذه التصريحات، واعتبرت "أنها غير مناسبة وتتسم بالعنصرية".

وعلى أثر هذه التصريحات استدعت وزارة الخارجية الإماراتية، القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، إيميل بولسن، وأكدت له "رفضها لتصريحات بوريل، ووصفتها بالعنصرية"، لافتة إلى أنها "تساعد في تفاقم التعصب والتمييز على المستوى العالمي".

وطلبت أبو ظبي من مكتب الممثل الأعلى تقديم تفسير مكتوب بشأن تصريحات بوريل المؤذية والعنصرية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية "وام".

 

من جانب آخر، وصفت قطر التصريحات بالعنصرية، والتي تعبر عن إفلاس حضاري وقيمي.


وقال وزير الدولة القطري، حمد بن عبدالعزيز الكواري في تغريدة: "الغرب يفتقر للقيادات القادرة على القرارات الشجاعة".

 

 

 




"التكفير عن الذنب"

وتوضيحا لتصريحات بوريل قال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، إن "الممثل الأعلى للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، أدلى بهذه التصريحات في سياق العدوان العسكري الروسي على أوكرانيا".

وتابع بوينو خلال حديثه لـ"عربي21": "أشار بوريل في حديثه إلى المواجهة بين النموذج الأوروبي الذي يستند إلى احترام القانون والحكم الرشيد، والنموذج الآخر الذي يعزز القوة بعيدا عن القوانين والمبادئ الأساسية التي اتفق عليها الجميع بعد الحرب العالمية الثانية".

وأكد أن "الغزو الروسي غير المبرر على أوكرانيا يهدد الجوهر ذاته الذي يقوم عليه الاتحاد الأوروبي كمشروع، وعلينا أن لا ننسى أن هذا التكتل أُسس بعد الحرب العالمية الثانية من أجل الحفاظ على السلام في قارتنا".

وأضاف المتحدث الأوروبي: "كانت هذه المبادرة نادرة جدا؛ إذ كانت الحروب التي نشأت في أوروبا هي الأكثر تدميرا في تاريخ البشرية، ونحن الأوروبيين نعتبر أنه يجب الحفاظ على هذا المشروع أو هذه "الحديقة" بأي ثمن لأننا نحن الذين نتحمل المسؤولية عن اندلاع الحربين العالميتين والتدمير الذي تسببت فيهما".

وحول حديث بوريل عن ضرورة ذهاب "البستانيين" إلى الأدغال قال بوينو: "عندما يتحدث الممثل الأعلى عن ضرورة "الذهاب" إلى بقية العالم فالمقصود هنا أنه علينا أن نتواصل ونتحاور مع الآخرين لشرح هذه الأفكار ولماذا نهتم بهذا المشروع الأوروبي".

وأردف: "في الواقع قال الممثل الأعلى نفسه الأسبوع الماضي إنه علينا أن نصغي إلى بقية العالم وأن نتواضع، فنحن نعتقد بأنّنا نعرف على نحو أفضل ما يصب في مصلحة الآخرين، ويتعين علينا أن نكون أكثر تعاطفا".

وأشار كذلك إلى أنه لا يزال لدينا "انعكاس" للثقافة الأوروبية؛ فنحن نتحدث لغاتنا، ونتوقع من بقية العالم أن يفهمنا، لكن العديد من الناس حول العالم لا يفهموننا، فينبغي علينا أن نتعلم لغاتهم ليس لفهم ثقافتهم فقط وإنما أيضا طموحاتهم وتطلعاتهم".

وعن إجراءات الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة غير الشرعية، قال المتحدث الأوروبي: "الموقف الأوروبي من الهجرة لم يتغير، فنحن ندافع عن مقاربة تشمل ثلاثة محاور، أولها تعزيز الهجرة النظامية، وخصوصا في إطار ما يسمى بـ"شراكة المواهب"، حيث يتم تعزيز التنقل بين الدول الشريكة والاتحاد الأوروبي لصالح الجانبين".

وتابع: "وثاني هذه المحاور، هو مكافحة المجموعات الإجرامية التي تستغل الناس وتعرضهم للخطر؛ أما ثالثها فهو تعزيز التعاون الدولي في مجال التنمية لمرافقة شركائنا عند تطبيق سياساتهم المتعلقة بالهجرة".

 

اقر أ أيضا: الإمارات تستنكر تصريحات بوريل حول أوروبا وتصفها بـ"العنصرية"

هفوات

ووفقا لوكالة فرانس برس، فإن بوريل يعرف بأنه ذو هفوات عرضية متعددة، حيث قدم العام الماضي أرقاما غير دقيقة وخاطئة للعدد المقدر للحشد العسكري الروسي في محيط أوكرانيا.

كما أنه أثار هذا العام صدمة حينما قال إن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يقدم طائرات مقاتلة لمساعدة كييف على محاربة موسكو، وهو ما لم يتحقق.

كذلك سلطت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية في تقرير سابق لها الضوء على بعض تصريحات بوريل حينما كان وزير خارجية إسبانيا، والتي وصفتها بغير الدبلوماسية، ومنها مثلا قوله إن الولايات المتحدة تتعامل مع فنزويلا وفق عقلية رعاة البقر.

كذلك أشار وفقا للصحيفة في تصريحات سابقة إلى أن روسيا تعتبر العدو القديم لإسبانيا، الأمر الذي أثار أزمة بين مدريد وموسكو آنذاك.

إلا أن بوريل عاد وقال الاثنين ردا على سؤال بشأن تصريحاته الأخيرة ووصفه للآخر بأنه غابة: "أنا بأفضل حال، لم لا؟"، وقلل من أهمية الانتقادات التي وُجهت له على أثر تصريحاته، حيث اعتبرت هذه الانتقادات حديث بوريل بأنه غير دبلوماسي.

وأضاف الدبلوماسي الأوروبي: "كل أسبوع يحمل الكثير من التوتر، ولذلك من وقت لآخر ينفجر شيء ما أمام الرأي العام".

وردا على سؤال بشأن الانتقادات لتصريحاته، قالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين لا تزال "تثق" ببوريل.


"روح التعالي"

من جهته يعتقد المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، بأن "تصريحات بوريل تعبر عن روح التعالي والسمو لدى الغرب عامة والأوروبيين خاصة، وإن وصف بوريل لأوروبا بأنها حديقة وأن بقية العالم أدغال هو وصف لا يمكن قبوله".

واعتبر إسماعيل في حديث لـ"عربي21" أن "تصريحات بوريل خطاب ينبع من الروح الاستعمارية الأوروبية القديمة، ومبررات الاستعمار الأوروبي التي كان يقدمها لاستعمار الشعوب واحتلاله لأراضيها، على أساس أن مجيئه كان بهدف إدخال الحضارة والتقدم لهذه الدول وإخراج شعوبها من الجهل ومن حياة الأدغال".

ووصف المحلل السياسي التصريح بأنه "مخز ومؤسف، ولا يمكن قبوله وكان من المفترض من بوريل عدم الإدلاء به لأن العالم اليوم يعيش حالة من الغليان، حيث إن هذا القطب الغربي تحت قيادة واشنطن يريد أن يُخضع بقية العالم كي يبقى تحت القطبية الأحادية، وأعتقد أن تصريحات مثل هذه تدفع الشعوب لأن تنفر من السياسة الغربية وتبحث عن شراكات أخرى، وهذا ما يحدث فعلا حاليا، فمثلا أفريقيا وجدت شراكات بديلة عبر الاتجاه للشرق مثل الشراكة مع روسيا والصين".

"رسالة إلى الديكتاتورية"


بالمقابل يرى أستاذ الإدارة والسياسة العامة، صلاح الحنيني، أن "تصريحات بوريل عادية وليست استعلائية، ولا تعبر عن نظرة فوقية من قبل الاتحاد الأوروبي لبقية دول العالم".

وأوضح الحنيني خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "بوريل حينما قال ’الغابة‘ كان يقصد بهذا الوصف الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، وهو يغمز بهذا الوصف إلى روسيا وأنظمة الشرق الأوسط".

وأضاف: "أيضا بوريل يعني بكلامه أن انعزال أوروبا عن قضايا العالم وانفراد أمريكا بالعالم عبر نظام أحادي القطب أمر غير جيد ويجب أن يتغير، وأنه يجب على الاتحاد الأوروبي الانخراط أكثر بتنمية المناطق أو الدول الفقيرة ودعم الديمقراطية والازدهار الاقتصادي للحد من الهجرة غير الشرعية، وتمكين مواطني هذه الدول من مواردهم وتقديم المساعدات وتحفيز تداول السلطة وتهيئة المناخ الديمقراطي الذي يخدم الازدهار الاقتصادي في هذه الدول".

"خطاب تعبئة"

من جهته قال الصحفي والباحث في الشأن الأوروبي وسام أبو الهيجا إن "تصريحات بوريل تأتي في سياق خطاب التعبئة الأوروبية أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي في ظل تصاعد نذر المواجهة المباشرة مع روسيا".

وأوضح أبو الهيجا خلال حديثه لـ"عربي21" أن "التشبيهات التي استخدمها بوريل في تصريحاته تحمل في طياتها تبريراً للتدخل الأوروبي المباشر في الحرب الروسية الأوكرانية، وهي ذات المفاضلة التي استخدمتها الدول الأوروبية حينما بررت وقوفها في وجه الغزو الروسي، حينها وصفت أوروبا دولها بالعالم الحر وواحة الديمقراطية التي يسعى المستبدون إلى تدميرها".

وتابع: "بالتالي، فإنها تفهم مثل هذه التصريحات على أنها محاولات أوروبية لإيجاد مبررات مقنعة لتدخلها المباشر في الحرب الروسية ضد أوكرانيا".

ولفت إلى أن "بوريل يحاول حث الأوروبيين على قبول مبدأ التدخل المباشر في النزاعات المسلحة والحروب، وذلك في إطار سعي الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا للتحول إلى قوة عالمية ذات مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي".

وأوضح أن "الأوروبيين مدركون لحتمية التغيير في النظام العالمي خلال السنوات القادمة، وهم منخرطون فعلياً في أزمات مسلحة ذات بعد دولي مثل النزاع في مالي وتشاد والصومال وليبيا ومن قبلها أفغانستان والحرب على تنظيم الدولة "داعش" في سوريا والعراق، وهي محاولات مبكرة لتبوؤ أوروبا ككتلة موحدة مكانة متقدمة على الساحة الدولية".