مقالات مختارة

هل لا يزال هناك من يموت بكوفيد؟

1300x600

في وقت سابق، بدا الرئيس جو بايدن ملتزماً بعبارة «لقد انتهى الوباء». لكن ردة الفعل جاءت سريعة وبشكل مفهوم بالنظر إلى أنَّ مئات الأشخاص ما زالوا يموتون بـ«كوفيد» كل يوم. لكن الرئيس بايدن ربما فعل ما يفعله كثير منا عندما نحكم من واقع تجربتنا الخاصة.


ولكي ندرك مكاننا في جائحة «كوفيد»، فنحن في حاجة للإجابة عن السؤال التالي: ما الفئة التي تراوح عددها بين 400 و500 شخص ما زالوا يموتون جراء الوباء كل يوم؟ وما الذي يمكن فعله لمنع هذه الوفيات؟ سؤال تصعب الإجابة عنه بشكل مقنع.


طلب إريك توبول، مدير معهد «Scripps Research Translational Institute» في «لا جولا» بكاليفورنيا، من الناس ألا ينخدعوا بهذه الأرقام التي وردت في موجز «تويتر» الشهير، وأجابهم بطرح الأسئلة ذاتها التي كنت أطرحها على الخبراء لأسابيع عديدة. ما الفئة التي ستحتضر أواخر عام 2022؟ هل هم سكان دار رعاية المسنين؟ هل هم رافضو التطعيمات؟ هل هم العمال؟ كم منهم حصل على اللقاح؟ كم منهم حصل على المعززات (الجرعة الثالثة وما بعدها)؟ هل خذلناهم أم فشلوا في الاعتناء بأنفسهم؟


ولدى سؤال «مركز السيطرة الأميركي على الأمراض» عن الإحصاءات ذات الصلة، أرسلوا لي رسماً بيانياً واسع الانتشار أظهر أن معدلات الوفيات كانت أقل بكثير بالنسبة للأشخاص الذين جرى تلقيحهم. ولكن من دون الأرقام الأولية لهذه الوفيات، لا يزال من الصعب معرفة سبب تراجع عدد الوفيات عن هذا المستوى المرتفع.


في المقابلة نفسها التي لاحظ فيها بايدن أن الوباء قد تلاشى، قال الرئيس أيضاً إنّ الناس يبدو أنهم «في حالة جيدة جداً»، وهو تصور شائع، لأن غالبية الأشخاص الذين يصابون بـ«كوفيد» يتعافون ويواصلون الحياة.


أقر مايكل أوسترهولم، مدير «مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية» بجامعة مينيسوتا، بهذا الأمر في حلقة حديثة من «البودكاست» (بث صوتي) الخاص به، حيث أفاد بأن غالبية الناس غير معرضين لخطر الموت جراء كوفيد، «ومع ذلك يموتون... ما الذي يجعل الناس عرضة للإصابة بأمراض خطيرة؟ من الذي انتهى به المطاف في وحدات العناية المركزة لدينا؟ لا نعرف. لسوء الحظ، لا تزودنا أنظمة معلومات الصحة العامة لدينا بهذا النوع من البيانات».


هناك بعض البيانات التي تشير إلى أن مزيداً من المعززات بين كبار السن من شأنه أن يساعد في هذا الأمر. ثمة دليل قوي على أنَّ المعزز الأول يحدث فرقاً كبيراً، وأنَّ خطر الوفاة أعلى بكثير لمن هم فوق 65 عاماً.


يشارك توبول أيضاً إحساس الخوف نفسه بشأن نقص المعلومات لدينا. فنحن لا نفتقر إلى المعلومات التفصيلية حول عدد لقاحات اللقاح (إن وجدت) فحسب، بل نفتقر أيضاً إلى بيانات العلاجات التي تلقوها. فقد تساءل في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «هل حصلوا على عقار (باكسولافيد)؟ هل حصلوا على عقار (ببتيلوفيماب)؟». (ببتيلوفيماب هو علاج بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة).
حتى إن كانت اللقاحات تقلل المخاطر إلى حد كبير، فإن ذلك لا يعني أن رافضي التطعيم هم أصل المشكلة. فمن الممكن بسهولة أن تكون اللقاحات وقائية للغاية، لكن غالبية الوفيات لا تزال تحدث بين الذين تم تطعيمهم بالكامل، وذلك ببساطة، لأن الأشخاص الأصغر سناً غير المطعمين يواجهون مخاطر أقل من كبار السن الذين تم تطعيمهم بالكامل.


في هذا السياق، قال ستيفن كيسلر، باحث الأمراض المعدية في كلية هارفارد للصحة العامة، إنَّ أحد أسباب عدم توفر البيانات الواضحة هو أن الولايات المتحدة لا تجمع هذه المعلومات بطريقة موحدة. وأضاف: «يحدث كثير من المشكلات في الصحة العامة على مستوى المدينة أو على مستوى أقل من ذلك. ولهذا السبب، من الصعب حقاً دمج البيانات في الولايات لتقييم من ينتهي به المطاف في المستشفى أو يموت بسبب (كوفيد - 19). من الصعب توحيد هذا المزيج المتباين».
واستطرد قائلاً إن هناك تحدياً آخر يتعلق بالمشهد المناعي المعقد. لا يقتصر الأمر على عدد المعززات التي يمتلكها الأشخاص والتي تحدد مستوى الحماية الخاصة بهم، ولكن متى حصلوا عليها. أضف إلى ذلك حقيقة أن الأشخاص الأكثر ضعفاً هم أكثر عرضة للتطعيم.


وقال أندرو نويمر، عالم الديموغرافيا وأستاذ مساعد للصحة العامة بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، إنَّ هناك عاملاً خادعاً آخر يمكن أن يجعل الأمر يبدو كأن الجميع في حالة جيدة. من المحتمل الآن أن معدل الوفيات بالعدوى، وهو رقم كان كثيرون مهووسين باكتشافه في وقت مبكر من الوباء، قريب من معدل الإنفلونزا. لكن المرض يقتل أشخاصاً أكثر بكثير من الإنفلونزا، لأن كثيراً من الناس يصابون بكوفيد.


من الشائع أن يصاب الناس بكوفيد عدة مرات في السنة، بينما يميل الناس إلى الإصابة بالإنفلونزا - على الأكثر - عدة مرات كل عقد.


حتى خبراء الصحة العامة الغاضبون من بايدن بسبب ملاحظاته اضطروا إلى الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين في الادعاء بأننا «سحقنا» الوباء إذا اتبع عدد كافٍ من الناس القواعد، أو بقوا محبوسين، أو مكممين لمدة 100 يوم. وذكر نويمر أنه «عندما حدث هذا لأول مرة، اعتقدنا أن هذا سيكون كابوساً لمدة ستة أشهر وسيزول، لأننا جميعاً سنمتلك مناعة. وهذا لم ينتهِ بعد».

 

(الشرق الأوسط اللندنية)