صحافة دولية

باحث أمريكي: تعيين خليفة للظواهري ليس بالأمر السهل

بونزيل: التحدي الأكبر لتنظيم القاعدة هو حل مجموعة من التوترات والتناقضات الداخلية التي كان التنظيم يغطي عليها على مدى سنوات

قال الباحث الأمريكي كول بونزيل، إن أيمن الظواهري استطاع أن ينجو بنفسه لمدة 20 عاما، بينما قُتلت مجموعة من القادة الجهاديين الآخرين، بمن فيهم أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي وأنور العولقي، على يد القوات الأمريكية. لكن الظواهري ظل على قيد الحياة، وبدا أنه غير معرض للخطر أمام المخابرات الأمريكية والطائرات المسيرة.

بعد ذلك، في يوم الأحد الماضي، لقي الرجل الذي خلف ابن لادن كأمير للقاعدة في عام 2011 مصيره أخيرا، بعد أن أصيب بصاروخين من طراز هيلفاير أثناء وقوفه على شرفة منزل آمن في العاصمة الأفغانية كابول.

ويضيف بونزيل في مقال في مجلة "فورين أفيرز" أن موت الظواهري يشكل تحديا فوريا قصير المدى لتنظيم القاعدة يتعلق بخلافته، وتحديا أكثر صعوبة وطويل المدى لحل مجموعة من التوترات والتناقضات الداخلية التي كان التنظيم يغطي عليها على مدى سنوات.

في التسعينيات، لجأ الظواهري إلى أفغانستان واقترب من ابن لادن، وفي النهاية دمج منظمته مع منظمة الثري السعودي. وحدث اندماج رسمي في حزيران/ يونيو 2001، قبل وقت قصير من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وأطلق على تنظيمهما اسم قاعدة الجهاد، والذي لا يزال الاسم الرسمي لتنظيم القاعدة.

في أفغانستان، تخلى الظواهري عن استراتيجيته في الجهاد الإقليمي لصالح الجهاد العالمي الذي ينتهجه ابن لادن، وينص على أن مهاجمة الولايات المتحدة والغرب شرط أساسي للثورة في العالم الإسلامي. واعتقدا أنه فقط من خلال ضرب الولايات المتحدة وإخراج قوتها العسكرية والدبلوماسية من المنطقة، فسيكون من الممكن تحقيق التغيير المنشود في الداخل. وكان هذا المفهوم أساسا لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر واستمر في كونه صرخة حشد "القاعدة"، على الرغم من أن الجماعة فشلت في تنفيذ الاستراتيجية بنجاح على مدار العشرين عاما الماضية، بما في ذلك تحت قيادة الظواهري.

سيُذكر الظواهري في العديد من الأشياء، بما في ذلك العديد من النصوص الأيديولوجية، والعديد من الكتب الضخمة في التاريخ والدين. وتشمل هذه مذكرات من 500 صفحة بعنوان "فرسان تحت راية النبي"، وكتاب أحدث من 850 صفحة حول النظرية السياسية الإسلامية وتاريخ الجهود التبشيرية الغربية في الشرق الأوسط. كما أنه يترك وراءه مجموعة كبيرة من الخطب والمحاضرات التي تم التقاطها على مقاطع فيديو أو صوت يبلغ مجموعها مئات الساعات، إن لم يكن أكثر. ومع ذلك، فلم يكن بليغا، في الواقع.. كان الظواهري يفتقر بشكل لافت إلى الكاريزما، ومن المحتمل أن يكون إنتاجه الإعلامي - المتواصل، والثقيل، والمتكرر - قد أضر بسمعته أكثر من تعزيزها.

كان الظواهري مثمرا للغاية لدرجة أن المرء يتساءل كيف كان لديه الوقت لإدارة شؤون منظمة عالمية - وهي حقيقة تتحدث عن الجانب الأكثر إثارة للجدل في إرثه: صعود تنظيم الدولة، الذي أصبح يتفوق على القاعدة باعتباره المنظمة الجهادية الأكثر نفوذا في العالم. وعندما تولى الظواهري قيادة القاعدة بعد وفاة بن لادن في عام 2011، كان الزعيم بلا منازع للحركة الجهادية العالمية. بحلول أواخر عام 2014، لم يعد هذا هو الحال، وحتى اليوم، فإن تنظيم الدولة يحتفظ بعلامة جهادية أقوى بكثير - وهي النتيجة التي ساعد الظواهري في تحقيقها.

في منتصف عام 2013، حاول الظواهري تسوية نزاع بين فرعي "القاعدة" في العراق وسوريا. وكان البغدادي قد أعلن عن توسيع فرع القاعدة الذي قاده، دولة العراق الإسلامية، إلى سوريا، وأسس ما أسماه الدولة الإسلامية في العراق والشام. فرفض زعيم جبهة النصرة هذا الاقتحام، وناشد الظواهري أن يتدخل. وفي رسالة حصلت عليها قناة الجزيرة ونشرتها في عام 2013، أمر الظواهري البغدادي بالتراجع عن ادعائه وقصر أنشطته على العراق. لكن البغدادي قاوم، مدعيا أن الأمر مخالف للشريعة. لم يمض وقت طويل حتى أعلن تنظيم الدولة أن الظواهري و"القاعدة" قد انحرفا عن المسار الجهادي الحقيقي من خلال التساهل مع الحكام المسلمين المرتدين والشيعة. بعد ذلك بعام، أعلن تنظيم الدولة نفسه خلافة متجددة، واستولى على مدن رئيسية ومساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا.

بعد ذلك بعامين، ترك الفرع السوري لتنظيم القاعدة التنظيم الأم، حيث سعى إلى دور أكبر في الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في دمشق. هكذا فقدت القاعدة وجودها في قلب العالم العربي. لقد تم الطعن في سلطة الظواهري مرتين وخسر مرتين.

لم تكن فترة الظواهري فوضى كاملة. فتحت قيادته، قاومت فروع "القاعدة" في شمال أفريقيا والصومال واليمن جاذبية تنظيم الدولة وظلت موالية لـ"القاعدة"، وتشكلت فروع جديدة في جنوب آسيا ومالي، وكانت الأخيرة نشطة بشكل خاص. ولكن حتى في الوقت الذي يمكن فيه للظواهري أن يدعي قدرا من النجاح في الحفاظ على تماسك الشبكة، فلم يكن هناك من ينكر أنه أشرف على فترة تفوق خلالها منافس على "القاعدة" وشهدت تدمير قيادتها الأساسية.

 

ولم يحقق الظواهري هدفه الرئيسي: مهاجمة الولايات المتحدة. وأوضحت الباحثة نيللي لحود، أنها لم توجه القيادة المركزية لـ"القاعدة" أي هجوم ناجح ضد الولايات المتحدة منذ 11 أيلول/ سبتمبر، وآخر عمل ناجح للإرهاب الدولي وقع في عام 2002 في مومباسا، كينيا.

ومع ذلك، فقد بدت عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في آب/ أغسطس 2021 أنها ستغير حظوظ القاعدة. وأشادت "القاعدة" باستعادة حكم طالبان باعتبارها انتصارا دراماتيكيا لقضية الجهاد العالمي، ويخشى الكثيرون من أن توفر طالبان المجال للجماعة لتوحيدها وإعادة بنائها. هذه المخاوف لها ما يبررها بالتأكيد، على الرغم من أن علاقات الجماعة مع طالبان معقدة. وأفاد البنتاغون مؤخرا بأنه "في حين أن لقادة ’القاعدة‘ علاقات طويلة مع كبار قادة طالبان، فإن المجموعة تحتفظ بقدرات محدودة للسفر والتدريب داخل أفغانستان ومن المحتمل أن تكون مقيدة بسبب جهود طالبان لتحقيق الشرعية الدولية".

قد تنتهي هذه القيود "على مدى 12 إلى 24 شهرا القادمة"، وفقا للبنتاغون، لكنها تعكس حقيقة أنه على الرغم من تداخل مصالح الطرفين في كثير من الأحيان، إلا أنها ليست متطابقة. القاعدة تسعى إلى تدمير النظام الدولي، بينما تسعى طالبان للانضمام إليه (حتى لو كان ذلك لتخريبه فقط). كان أحد مقاطع الفيديو الأخيرة للظواهري نقدا مبطّنا لطالبان لسعيها لتمثيل أفغانستان في الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي رأى أنها تمثل نظاما عالميا للكفر يجب تدميره وليس الانضمام إليه.

لقد استمر تيار عدم الثقة لفترة طويلة في علاقة القاعدة مع طالبان. تظهر الوثائق التي تم العثور عليها من المجمع في باكستان حيث قتلت القوات الأمريكية ابن لادن في عام 2011 أنه كان مهتما بتوجيهات قيادة طالبان، والتي رأى أنها منقسمة بين معسكر من المؤمنين الأتقياء وفصيل منافق يطبق أوامر المخابرات الباكستانية. وربما كان على استعداد لبيع "القاعدة". وردد هذا صدى مخاوف الجهاديين العرب الآخرين: في أواخر التسعينيات، على سبيل المثال، اشتكى الخبير الاستراتيجي الجهادي السوري أبو مصعب السوري من أن فصيلا من قيادة طالبان لا يريد أي علاقة بالجهاد العالمي ويسعى فقط إلى خلق حزب محافظ في أفغانستان، دولة شبيهة بدولة السعودية. اتخذت قيادة تنظيم الدولة موقفا أكثر عدوانية، بحجة أن الجزء المناهض للجهاديين من طالبان يسيطر الآن بقوة. ومنذ الإعلان عن مقتل الظواهري، فقد سخر أنصار تنظيم الدولة عبر الإنترنت منه لاعتقاده أن طالبان ستحميه، ملمحة إلى أن طالبان قد قدمته بدلا من ذلك على طبق من فضة للأمريكيين.

هذه الادعاءات مبالغ فيها. طالبان ليست حركة موالية لأمريكا، وقيادتها لا تريد قتل الظواهري. وأفادت الأنباء بأن المنزل الذي استهدف فيه الظواهري كان مملوكا لأحد كبار مساعدي سراج الدين حقاني، وزير داخلية حكومة طالبان. والظواهري كان على الأرجح هناك بناء على دعوته. لكن ربما كان شخصا آخر في طالبان مهتما بمكافأة الـ25 مليون دولار التي وضعتها واشنطن على رأس الظواهري أكثر من اهتمامه بحماية الزعيم الجهادي المسن.

سيكون التحدي الأكبر الذي يواجه "القاعدة" على المدى القريب هو اختيار خليفة للظواهري. ويعتقد معظم المحللين أنه المقاتل المصري الأصغر سنا سيف العدل، الذي يعيش في إيران منذ فترة وجيزة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. بعده يأتي عبد الرحمن المغربي، صهر الظواهري المغربي ورئيس العمليات الإعلامية للقاعدة، والمقيم في إيران. حقيقة أن كليهما مقيم في إيران سيعقد الأمر.

على الرغم من أنهما قد لا يكونان هناك طواعية، إلا أن وجودهما هناك يعقد صعودهما المحتمل. إيران ظاهريا هي عدو لـ"القاعدة"، التي يشتم أتباعها الشيعة الإيرانيين ويعتبرونهم "روافض" مرتدين مارسوا أعمال عنف على الشرق الأوسط، وذبحوا السنة في العراق وسوريا واليمن. سيكون من الصعب أن يرشح "القاعدة" زعيما يديره من شبه الإقامة الجبرية في إيران، الأمر الذي من شأنه أن يشجع الشكوك في أن الجماعة تخضع لطهران.

إذن، فربما ينحدر القائد التالي بدلا من ذلك من إحدى الجماعات التابعة لـ"القاعدة". ووفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة، فإن خط الخلافة يسمي يزيد مبراك في شمال أفريقيا وأحمد ديري في الصومال على أنهما التاليان، بعد الزعيمين المتمركزين في إيران. لكن قد لا يرغب عادل والمغربي، اللذان يعملان في الظل لفترة طويلة، في التخلي عن السلطة للفروع الإقليمية. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان القادة المنتسبون مهتمين بتولي زمام الأمور، لأنهم لم يبدوا التزاما باستراتيجية الظواهري حول "العدو البعيد".

ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لتنظيم القاعدة غير واضح. من غير المرجح أن تنثني المجموعة، لأن العلامة التجارية لا تزال تقدم قدرا كبيرا من الشرعية الجهادية لفروعها الإقليمية، ما يوفر هوية وعلما للالتفاف حوله.

لكن المجموعة لن تكون قادرة بعد الآن على تجاهل المشاكل التي تفاقمت منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر: العلاقة غير المريحة مع إيران، وانعدام الثقة وانعدام التوافق مع جزء من طالبان، وغياب استراتيجية مشتركة بين القيادة المركزية والأفرع التابعة. إن إدارة منظمة عالمية من المتشددين الملتزمين أيديولوجيا لم يكن يوما أمرا سهلا - وبالنسبة لتنظيم القاعدة، فقد أصبح الأمر أكثر صعوبة.