مقابلات

قيادي ليبي: أدعو إلى انتفاضة حقيقية داخل القضاء لإدانة حفتر

عميش قال إن حفتر لا يمكنه الطعن على الحكم الذي صدر مؤخرا بحقه- عربي21

دعا رئيس التحالف الليبي الأمريكي، عصام عميش، إلى اندلاع "انتفاضة حقيقية داخل مؤسسات الدولة الليبية، وأجهزة القضاء، للتفاعل مع قضايا الضحايا، ومع هذا الكم الهائل من الجرائم التي اُرتكب في حق الآلاف من الأسر، من أجل فتح كل هذه الملفات والنظر فيها من منظور العدالة في دولة القانون واحترام حقوق الإنسان في ليبيا".


وقال، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إن "من بين الأسباب التي دفعتهم إلى إقامة دعوى قضائية ضد حفتر أمام القضاء الأمريكي هو عدم تمكن الضحايا من إقامتها أمام القضاء الليبي، وهو ما يعتبر مع الأسف وصمة عار على جبيننا، ووصمة عار على جبين القضاء الليبي المعروف سابقا بالنزاهة؛ فيجب أن تُصحّح هذه الأوضاع".


ولفت عميش، المُقيم منذ سنوات بالولايات المتحدة، إلى أن حفتر لا يمكنه الطعن على الحكم الذي صدر مؤخرا بحقه، لأن "القضية وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وتم الحكم فيها، وكان له فرص عديدة خلال مسار القضية بأن يقدم أدلة للدفاع عن نفسه أو تفنيد ما قُدّم ضده، لكنه فشل تماما في ذلك".

 

اقرأ أيضا: ماذا يترتب على إدانه محكمة أمريكية لحفتر بارتكاب جرائم حرب؟

وتابع عميش: "ما تبقى من القضية هو الجزء الخاص بتحديد قيمة التعويضات لأهالي الضحايا، وسيكون لدى حفتر وفريقه القانوني مهلة حتى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل يحق له فيها التفاوض على قيمة التعويضات، ولكنه لا يستطيع رد الحكم أو الطعن عليه بأي حال من الأحوال".


يشار إلى أن محكمة فيدرالية أمريكية في ولاية فرجينيا الأمريكية كانت قد أدانت، الجمعة، حفتر -الذي يحمل الجنسية الأمريكية- في القضايا المرفوعة ضده بارتكاب جرائم حرب، وذلك بعدما رفضت طلب دفاع حفتر تجميد القضية.


وفي ما يأتي نص المقابلة مع "عربي21":


كيف تابعتم ردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن إصدار محكمة أمريكية حكما يقضي بقبول دعوى تتهم خليفة حفتر بارتكاب جرائم حرب؟


هذا الحدث يعتبر تتويجا لجهود استمرت لثلاث سنوات؛ فالقضية الأولى التي رُفعت ضد حفتر هي واحدة من ثلاث قضايا رُفعت بعد ذلك، كانت في شهر حزيران/ يونيو 2019 بعد أسابيع من اعتداء حفتر على طرابلس، وكانت الدعوى مُقامة من أسر ضحايا الاعتداء على العاصمة، وبفضل الله سبحانه وتعالى كان يوما مشهودا تكلّلت فيه بالنجاح جهود عظيمة بُذلت على مدار سنوات، بدأت بشجاعة وقوة أسر الضحايا التي تقدمت بالدعاوى، مرورا بتكاتف أعضاء التحالف الليبي-الأمريكي ودعمهم للمحامين، ثم تعاون ودعم ومساعدة المنظمات الحقوقية في أمريكا.. ولا شك أنه كان يوم احتفاء كبير لانتصار العدالة، وقدرة أسر الضحايا على الحصول على مقدار من الاعتبار، وتحقيق العدالة من خلال الحصول على حكم قضائي يثبت مسؤولية المجرم خليفة حفتر عن جرائم قتل وتعذيب ترتقي لجرائم الحرب.


ماذا يعني هذا الحكم؟ وماذا سيترتب عليه؟


الحكم صادر من محكمة مدنية فيدرالية عريقة، بعد النظر في الأدلة، وشهادات أسر الضحايا، وإعطاء الفرصة الكاملة لفريق الدفاع، حتى صدر الحكم عن قاضية معروفة ومشهورة ولها تاريخ قوي في محاربة الإرهاب، يقضي بأن حفتر يتحمل المسؤولية التامة والكاملة والمباشرة عن جرائم القتل والتعذيب التي اُرتكبت.


أما ما يترتب على الحكم فهو إلزام المتهم حفتر بدفع تعويضات قد تصل إلى عشرات الملايين لأسر الضحايا، لأن هذه هي الأحكام التي يمكن الحصول عليها من خلال المسار المدني الذي تمثله هذه المحكمة المدنية.


هل يمكن لحفتر الطعن عليه؟


ليس بإمكانه ذلك، لأن القضية وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وتم الحكم فيها، وكان له فرص عديدة خلال مسار القضية بأن يقدم أدلة للدفاع عن نفسه أو تفنيد ما قُدّم ضده، لكنه فشل في ذلك، وفشل فريق المحاماة الذي معه، وبالتالي فليس هناك مجال للطعن.


ما تبقى من القضية هو الجزء الخاص بتحديد قيمة التعويضات، وسيكون بوجود هيئة محلفين، ولدى حفتر وفريقه مهلة حتى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، يحق له فيها التفاوض على قيمة التعويضات، ولكنه لا يستطيع رد الحكم أو الطعن عليه بأي حال من الأحوال، وكما سمعتم فإن فريق المحاماة التابع لحفتر قد أنهى خدماته معه وانسحب من المحكمة، وقبلت القاضية طلبهم بعدم تمثيل حفتر في أي قضايا مستقبلية.


برأيكم، ما انعكاس هذا الحكم على الأوضاع داخل ليبيا؟


لا بد لكل مواطن ليبي أن يعي ويدرك جيدا أن شخصا ارتكب هذا الكم الهائل من الجرائم، وتم توثيق هذه الجرائم وتثبيتها عليه في محكمة نزيهة في نظام قضائي عريق، لا يمكن أن يكون جزءا من عملية سياسية مستقبلية، وهو غير صالح ليكون مرشحا رئاسيا، وغير صالح لتفويضه للقيام بمسؤولية سياسية، أو حكم شعب، أو إقحامه في أجهزة صناعة القرار في الدولة.


لذا، فإنه يجب على الليبيين أن يدركوا ضرورة إخراج حفتر وكل مَن ارتكب جرائم ضد الإنسانية من المشهد تماما، وأرجو أن يكون لذلك أيضا انعكاسه على قانون الانتخاب في ليبيا، ويمنع ترشح أي فرد ثبتت عليه أي تهم في محاكم أخرى، والمحاكم الأمريكية محاكم نزيهة ولا يُطعن فيها.


ما فرص نقل القضية من المحاكم المدنية في أمريكا إلى المحاكم الجنائية؟ وهل اتخذتم إجراءات في هذا الصدد؟


بلا شك، هناك عمل حثيث منذ فترة يقوم به التحالف الليبي-الأمريكي من أجل البحث عن المداخل إلى المحاكم الجنائية؛ فالتجريم الجنائي يتم عن طريق وزارة العدل، والمدعي العام، وهناك تواصل معهم الآن من أجل وضع هذه الحقائق أمام أعينهم، ومن أجل تحويل قضية فيها مواطن أمريكي تم الحكم عليه بارتكاب جرائم قتل وتعذيب -وإن كان أمام قضاء مدني- وهو أمر يفتح بشكل مباشر الباب إلى المحاكمة الجنائية، لأن القوانين الأمريكية تنص على أن أي مواطن أمريكي ثبت ارتكابه لجرائم قتل وتعذيب –حتى لو كانت أمام محاكم مدنية- فإن ذلك يتطلب تدخلا سواء على مستوى الولاية، أو المقاطعة، أو على مستوى الدولة (الفيدرالي)، وهناك مكاتب للمدعي العام على كل هذه المستويات ستُعرض عليها الحقائق، وستُعرض عليها نتائج المحكمة، ونتوقع استجابتهم بشكل سريع لفتح تحقيقات جنائية ضد "مواطن أمريكي".


وتجدر الإشارة إلى أن هناك تحقيقا مفتوحا في وزارة العدل الأمريكية من قِبل هيئة التحقيقات الفيدرالية FBI حول ما قام به حفتر مع الرئيس السابق لشركة "بلاك ووتر"، إريك برنس، في محاولة شراء أسلحة وتسويقها بطرق غير قانونية عن طريق الأردن وبمساعدة دولة الإمارات، هذه التحقيقات لا زالت مفتوحة، وهناك لجنة محلفين غير مُعلنة تراقب هذه التحقيقات، وتنظر في الأدلة الجنائية المُقدمة لها من خلال مكتب التحقيقات. وذهب بعض أعضاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى الأردن، وإلى مناطق أخرى من أجل جمع الأدلة والمعلومات، وهذه اللجنة منوط بها تجريم من ارتكب مثل هذه الجرائم؛ فإذا وجدوا كما كافيا من الأدلة فقد يُجرّم "المواطن الأمريكي" خليفة حفتر. هذا بالإضافة إلى وجود ضغط سياسي واضح؛ فهناك العشرات من أعضاء الكونغرس الأمريكي يطالبون بفتح تحقيق ضد حفتر من خلال الضغط على وزير العدل والمدعي العام، وقد تلقيت بشكل شخصي رسائل تهنئة وشكر من العديد من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ بعد صدور الحكم.


وهناك مداخل أخرى للمحاكمة الجنائية منها مخالفة حفتر للقوانين الأمريكية التي تحظر التعاون مع بعض المنظمات مثل «فاغنر» الروسية، والتعاون مع نظام بشار الأسد، وغيرها من طرق الوصول إلى المحكمة الجنائية إذا توافرت الإرادة، والقدرة، والموارد؛ للتعاون مع مكاتب محاماة كبيرة للحصول على إجراءات قريبة وسريعة.


ما ردكم على قيام البعض بالتقليل من قيمة وشأن هذا الحكم، خاصة أن المحكمة لم تطالب بمثول حفتر أمامها؟


هذا تدليس، وخلط أوراق تكلم فيه كثير من الناس بشكل غير مسؤول، وبشكل لا يمثل الواقع والحقيقة؛ فخليفة حفتر هو مَن رفض المثول أمام المحكمة لعلمه يقينا بأنه سيكون مُحاسبا ومُدانا، ولن تكون لديه القدرة على مواجهة الكم الهائل من الأدلة المتوافرة أمام المحكمة، فلما استشعر الخطر من المحاكمة وكّل عنه مكاتب محاماة، ودخلنا في سجال معه لمدة 3 سنوات كما ذكرت؛ فحفتر كان يدرك خطر هذا الحكم، وأهمية تلك المحاكمة.


وكل من يقوم بالتقليل من قيمة وشأن الحكم هو في الحقيقة إنسان "مدلس" ويعيش في وهم، ويريد أن يقنع نفسه بأن هذا الأمر لن يطال حفتر، وأنا أقول: بل إن الأمر أكبر من ذلك، وسيطال كل من تعاون مع حفتر، وكل من كان أداة للقيام بهذه الجرائم، وفي الأدلة المتوفرة لدينا أسماء ومعلومات كثيرة عن الأشخاص المنفذين لجرائم القتل والتعذيب، وهؤلاء أيضا ستطالهم يد العدالة إذا وصلنا إلى مراحل أخرى من التجريم الجنائي، وبالإمكان إقامة دعاوى أخرى ضدهم؛ فهنالك مطالبات من عشرات الأسر الليبية بمحاكمة ومقاضاة أناس آخرين قاموا بارتكاب جرائم مماثلة.


فنقول لهؤلاء ابتعدوا عن الكذب، وعن الهراء، فالأمر جلل، وعلى الجميع الاتعاظ بما حصل لحفتر ومن معه، لأنه هو كبيرهم "الذي علمهم السحر"، ويجب على كل مَن معه في "سفينة الخرابة" – وليست الكرامة - أن يقفز منها قبل أن تغرق، وعليه أن يلجأ إلى جانب الوطن، وجانب المصالحة الوطنية، والرجوع إلى الوحدة، وحدة النسيج الليبي، وفتح المجال أمام المهجرين أن يرجعوا، وأن يعطي الحق للجميع حتى يحصلوا على حقوقهم، ولا يستمروا في غيهم وغبائهم.


هل تتوقع أن يمثل حفتر أمام هيئة المحكمة في المستقبل؟


المحكمة أصدرت حكما نهائيا، والحكم يحمّل حفتر المسؤولية التامة عن جرائم قتل وتعذيب، وانتقلنا من مرحلة المحاكمة إلى مرحلة المطالبة بالتعويضات، ومرحلة إحالته إلى المحاكم الجنائية؛ فالمحكمة لن تطلبه أن يمثل أمامها لأن القضية انتهت بالفعل، وليس له مجال ليدافع عن نفسه بعد أن ضيّع كل الفرص اللازمة ليترافع أمام القضاء.


لماذا لم تقوموا برفع هذه الدعوى القضائية أمام القضاء الليبي بدلا من القضاء الأمريكي؟


هذا الأمر يرجع – مع الأسف - إلى القضاة الليبيين؛ فقد تعاون معنا عدد كبير من الأفاضل من المحامين الليبيين، والذين أسقط في أيديهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يقيموا مثل هذه الدعاوى أمام القضاء الليبي؛ فقد كان هناك تعنت من بعض المكاتب، وتضييع للقضية من المسؤولين، لذا فإنه يجب الضغط الشعبي على النائب العام، ووزارة العدل.


وأحد أسباب إقامة الدعوى أمام القضاء الأمريكي هو عدم تمكن الضحايا من إقامتها أمام القضاء الليبي، وهو أحد متطلبات رفع الدعوى هناك، وهو ما يعتبر مع الأسف "وصمة عار" على جبيننا، ووصمة عار على جبين القضاء الليبي المعروف سابقا بالنزاهة؛ فيجب أن تصحح هذه الأوضاع.


وفي هذا الصدد نريد إيصال رسالة واضحة جلية إلى وزارة العدل، والنائب العام، وكل المسؤولين السياسيين في ليبيا: أنه من العار ومن المخزي لنا أن نرى انتصار العدالة لضحايا ليبيين في محكمة أمريكية بعيدة آلاف الأميال عن ليبيا، والسبب الرئيس في لجوئهم للمحاكم الأمريكية هو انعدام فرص العدالة في بلادهم من خلال محاكم محلية تهتم بقضاياهم، فلا بد لنا من تغيير هذا الحال، ولا بد من انتفاضة حقيقية داخل مؤسسات الدولة الليبية وأجهزة القضاء للتفاعل مع قضايا الضحايا، ومع هذا الكم الهائل من الجرائم التي اُرتكبت في حق المئات، بل الآلاف من الأسر الليبية، ولفتح كل هذه الملفات والنظر فيها من منظور العدالة في دولة قانون، وفي دولة احترام حقوق الإنسان في ليبيا.


ما توقعاتكم لقيمة التعويضات المحتملة لأهالي الضحايا بعد إصدار الحكم الذي أدان حفتر؟


هذا الحكم في قضية من ثلاث قضايا، وكل قضية تشتمل على مطالبة مختلفة؛ وذلك بسبب عدد الضحايا، وقضيتنا بالتحديد نطالب فيها بتعويضات تقدر بـ 75 مليون دولارا لأسر الضحايا، ومن الضروري هنا التوضيح بأن التحالف الليبي - الأمريكي لن يحصل على قرش واحد منها؛ فالتحالف الليبي - الأمريكي مؤسسة وتعمل بشكل نزيه، ولا نرغب في الحصول على أي مقابل سواء كان من أسر الضحايا، ولا من المحامين، ولا نرغب في الحصول على أي تعويضات، لأن التعويضات من حق أهالي الضحايا الذين قُتل أحباؤهم وأبناؤهم.


وفي القضية الثانية تُقدّر قيمة التعويضات بحوالي مائة مليون دولار، لكن هناك جلسة استماع أمام هيئة محلفين من أجل التأكد من قيمة التعويضات المطلوبة، بمعنى أنه يجب أن تتسق أو تتناسب قيمة التعويضات مع حجم الجرم الذي وقع، وبالطبع جرائم القتل والتعذيب قد تصل التعويضات فيها إلى أكثر من مئات الملايين، وذلك بحسب رؤية القاضي، وبحسب رؤية هيئة المحلفين، وسيُعاد ترتيب هذه الأرقام بناءً على جلسة الاستماع مع المحلفين، وبالتالي فالمتوقع أن تصل قيمة التعويضات إلى عشرات الملايين؛ لأن طبيعة جرائم القتل والتعذيب تكون فيها قيمة التعويضات بهذا الحجم.