كتاب عربي 21

فلا نامت أعين الجبناء

1300x600
يروى أنّ أعرابيا أكل عند أمير وكان شرهاً، فقال الأمير: مالك تأكل الخروف كأنَّ أمه نطحتك؟ فرد الإعرابي: ومالك تشفق عليه كأنَّ أمه أرضعتك؟!

هذه ليست المرة الأولى التي يشفق فيها إعلاميون عرب على مالك بن نويرة، كأنَّ أمه أرضعتهم، ويطلبون الثأر من خالد بن الوليد الذي يخيفهم ميتا كما أخافهم حيّا.

وقرأت قبل عشرين سنة سخريةً من بطولة خالد الوليد في صحيفة إلكترونية، يحررها شاب علوي، كوفئ بمقعد في مجلس الشعب السوري، وقد نجد في قابل الأيام دعوة لإطلاق لقب الشهيد على مالك بن نويرة، أو نرى سعيا لتسمية شارع باسمه؛ ليس حباً بابن نويرة وإنما كرها بخالد.

قبلها بسنة أو أكثر سمعت صاحب "فراخ التقوى" عمرو خالد يثني كثيراً على خالد في برنامجه "ونلقى الأحبة"، ويحسد أهل حمص على جوارهم لقبر خالد، فلعبت الفئران والنموس في عبّي وأكمامي، حتى أوشكت أن اتهمه بالدعوة إلى تقديس الأضرحة، ثم تتالى الأبطال كلمى هزيمةً في ساحات وسائل التواصل يطعنون بطل التوحيد الذي لم يُهزم في معركة قط؛ في ظهره، إلى أن وقعت الثورة السورية، وقام شبيحة النظام بتدنيس القبر الكريم، فعاثوا فساداً في المسجد الذي بُني على قبره على غرار مسجد أيا صوفيا، وقضوا عليه حاجاتهم، مع أنه لم يكن وقت قضائها قد أزف، لكنهم استعجلوها، وأخرجوها إخراجا، ثم وجدها بشار الأسد فرصة بعد انتهاء "الأزمة"، فنظف المسجد من قاذورات جنده البواسل، وجدد جصّه، إمّا تقرباً إلى السنّة بقبر، أو خوفا من انبعاث خالد من قبره بسيفه المسلول.

يقول القائد العسكري والباحث في التاريخ جون باجوت كلوب الشهير بأبي حنيك، في كتابه "الفتوحات العربية الكبرى": إنَّ خالد بن الوليد هو ثاني فاتحَين عسكرييَن في التاريخ لم يُهزما في معركة قط؛ الأول هو جنكيز خان. وأقواله لا تخلو من إنصاف أحياناً وإعجاب شديد بالفتوحات الإسلامية، ولم يعرض الفروق بين القائدين، فلم يكن خالد مبيداً، مهلكاً للحرث والنسل، حارقاً للأخضر واليابس في طريقه مثل جنكيز خان، ولم يكن خالد يغير على قرية إذا سمع آذاناً منها، ولا يعرف خصومه من المستشرقين الغربيين والمستغربين العرب إلا قتله بعض المشركين في أثناء فتح مكة، ومالكاً بن نويرة. وكان مالك بن نويرة قد حبس إبل الصدقة، وغيّر دينه مرتداً، ومحالفاً متنبئة اسمها سجاح.

وقد كتب في قصة مالك بن نويرة من المعاصرين؛ العقاد وعرجون وغيرهما، لكنّ محبي السلام العادل والشامل، والمفاوضات إلى الأبد، وحوار الأديان، وإلهام شاهين، لا يذكرون تدمير العراق وسوريا، ويتجنبون ذكر أهوال هيروشيما وناغازاكي، وسجن أبي غريب وغوانتانامو، إلى أن جاء إبراهيم عيسى، وكشف الغمّة، وكأنَّ التاريخ كان مقلوبا على رأسه فنصبه على قدميه، فاشتهر شأنه، وطار ذكره في الآفاق العربية بنبش القبور والتاريخ، بأزعومة البحث التاريخي، ومثله مثل من أراد أن يشتهر، فسَلَح في أعلى النبع.

وقرأت لعلاء مبارك تغريدة يطلب من عيسى الرفق بالمسلمين مثل بقية الغيورين على خالد بن الوليد، ويخاطبه مبجلا إياه بلقب الأستاذ!

وكان البطل الهمام إبراهيم عيسى في برنامجه على موقع قناة الحرة الأمريكية، قد وصف سيف الله المسلول بأنه "مُختلَف عليه"، وليس مثل السيسي بطل رابعة ونابليون بونابرت بطل واترلو، فهما مُتفَق عليهما. واتهمه بالزنا، وكأنه يخطف الأبصار عن سيف أمريكا المسلول، الذي قتل في رابعة من قتل، وسكت عن اغتصاب سيدة في ساحة التحرير. واتهمّ أيضا خالداً بارتكاب المجازر والمذابح، وحرق الناس في حروب الردّة، التي خاضها ضد القبائل التي منعت الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان سبق له أن تحدث في الأمور ذاتها في برنامج له بُثّ قبل سنوات، فهو الجزء الثاني من معركته منتصراً لفارس والروم اللتين هزمهما خالد؛ مرّة من قناة أمريكية، ومرة من قناة سعودية. وكان الإعلامي الشامخ قد أثنى مضطراً على حسن قيادة خالد القيادة العسكرية، ولكنه لن يبلغ منزلة "المشير".

وانتقص من دينه أيضاً، وكان يمكن أن يمدحه فيقول إن خالدا علماني، وليس متعصبا دينيا، فخالد لم يروِ حديثاً نبوياً واحداً، ولا قاعدة فقهية، ولا فتوى دينية منذ اللحظة التي دخل فيها الإسلام حتى وفاته، بينما لشيوخ الأزهر فتاوى في طهارة لعاب الكلب، وعدم نجاسة شعر الخنزير، وإباحة لحم الحمير، وأجاز كثير منهم طلب المدد من الأولياء من دون الله!

الرجل يريد القول كنايةً: إن خالد بن الوليد إرهابي، ومن الإخوان المسلمين.

واجتهد "الأستاذ" العلّامة في النيل منه: لم يكن عليماً، ولا طبيباً، ولا فيلسوفاً، ولا مثقفاً مثل عيسى الذي يقرأ "أسد الغابة" بالمفرد وليس بالجمع، ولا فقيهاً، ولا محدثاً، وليس له قصائد، ولا متابعون على فيسبوك، ولا روايات حاصلة على البوكر، أو جائزة ساويرس للرواية.. وقال شامتا: "أطاح به" عمر بن الخطاب بسبب الأخطاء والإساءات التي ارتكبها.

والمعروف أنَّ عمراً عزل خالدا خشية أن يفتن الناس به، فالنصر من عند الله.

لم يترك الإعلامي سبة إلا ونعت بها ابن الوليد، وليس من نابليون الذي دخل الأزهر بالأمس القريب بخيوله وقتل في المسجد 2500 مصلٍ، وعلّق مشانق 400 شيخ من شيوخ الأزهر على جدران القلعة، جاؤوا للمفاوضات، ولا جند كليبر الذين أخذوا جماجم المصريين إلى المتاحف تعرض للفرجة، إلى أن النبي "محمد" -هكذا ورد- لقّبه بسيف الله المسلول في واقعة ليس فيها قتال؛ لأنه انسحب بالجيش في غزوة تبوك، مضيفاً أن أهل المدينة -وليس "الأستاذ" الشجاع الذي يجدّد لنا مع رئيسه ديننا ويصوب تاريخنا-اتهموه بالجبن، ووصفوه بالفرّار.

هذه بعض الخلاصات من المعركة ضد سيف الله:

إن "ثورة يوليو" لم تكتفِ بتغيير "دستور مرسي"، وإنما تطمح إلى دين جديد لطيف خالٍ من السيوف والدماء، بل ترنو إلى تجديد التاريخ كله. وإنَّ مصر إن صمتت سياسيا فإنها لا تخلو من شجعان أمثال هذا الإعلامي الهمام الذي يناجز خالد بن الوليد غير هيّاب ولا خوّار، وإن الأستاذ الباسل يريد القول إن خالد بن الوليد إخوانيٌ مبكّر، وجهادي يحارب المسلمين المسالمين أمثال "النسوي" التقدمي بن نويرة، الذي قبل بولاية امرأة مثل الحسناء سجاح، وإن الجهاديين أمثال خالد بن الوليد لا يفكرون سوى في النكاح والنزو على السبايا، وإنّ الردّة حلال حلال حلال.

تصوّر أنّ البطل خالد بن الوليد الذي خاض زهاء مائة معركة لم يبن جسراً واحداً في حياته!

نحتم بهذه الواقعة:

ذكرَ الشيخ عبد الفتَّاح أبو غُدَّة أنهُ سافر إلى الهند، فقابل علاَّمةَ الهند المحدِّث المسنِد الحافظ الفقيه محمد يعقوب النانو توي، فقال الشيخ محمد يعقوب للشيخ عبد الفتاح: أتعلمُ ما الحكمة من موت خالد بن الوليد -رضي الله عنهُ- على فراشهِ مع صدقهِ في طلبِ الشهادة في سبيل الله في مظانِّها ومواطنِها، وتحت ظلالِ السيوف في أكثر من مائة وعشرين معركة حاميةِ الوطيس؟

فقال الشيخ عبد الفتاح: لا!

فقال الشيخ محمد يعقوب: ذَكر لنا علماؤُنا أنَّ النبيَّ ﷺ لقَّبَ خالداً بسيف الله المسلول، فإذا قُتل في معركةٍ، فقتلهُ يعني كسرَ سيفِ الله، وسيفُ الله لا يُكسرُ أبداً، حتى لا يقول الناسُ: قُتِل سيف الله وكُسِر، بل اختار الله لهُ أن يموتَ على فراشهِ.

فقال الشيخ عبد الفتاح: واللهِ إنَّ هذهِ الفائدة كفيلةٌ بأن يُضرب إلى الهند أكباد الإبل، وأفئدة الطائرات، ولو لم أحصل إلاَّ عليها لِسفري هذا، لكفاني.

twitter.com/OmarImaromar