مقابلات

المرزوقي لـ"عربي21": الشهر المقبل سيكون مفصليا في تونس

قال المرزوقي إن سعيد يسير على خطى الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي- جيتي

قال الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي إن شهر تموز/ يوليو القادم سيكون مفصليا في تونس، حيث دعا الرئيس الحالي قيس سعيّد إلى إجراء استفتاء شعبي على دستور جديد للبلاد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل.

وفي مقابلة مع "عربي21"، أشار المرزوقي إلى أن سعيّد يريد أن يجعل من يوم 25 تموز/ يوليو المقبل، تاريخ إجراء الاستفتاء، "عرسا للانقلاب، لكننا سنجعل هذا اليوم يوم مأتم للانقلاب".

وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس التونسي نهاية العام الماضي، فإنه سيقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.

وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.

وقال الرئيس التونسي الأسبق المرزوقي إن "سعيّد يسير على خطى زين العابدين بن علي، الذي أجرى حوارا واستفتاء مزورين ودستورا جديدا، وهو ما بصدد القيام به الرئيس الحالي".

وعن نجاح سعيّد في مساره رغم قلة خبرته السياسية، فقد اعتبر المرزوقي أن "النظام الديمقراطي في العالم كله يعاني من أزمة حيث إن هناك غليانا وغضبا على كل الأحزاب، وفي هذه الأوقات يبرز الشعبويون"، داعيا إلى إجراء دراسة سوسيولوجية حول شخصية سعيّد للاستفادة من تجربته.

وعن الحكم الصادر ضده في تونس بالسجن 4 سنوات بتهمة الخيانة العظمى، أوضح المرزوقي أنه لا يعترف بهذا الحكم وأنه سيعود إلى تونس متى يقرر هو ذلك، قائلا إن "القاضية التي حكمت ضده ستُعزل وستُحاسب، مثلها مثل سعيّد".

 



وتاليا نص المقابلة كاملة مع "عربي21": 

س1: أين المنصف المرزوقي مما يحدث اليوم في تونس؟ 


أنا مثل الأسطورة اليونانية سيزيف الذي عاقبته الآلهة وأرغمته على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يبلغ قمة القمة، تفلت الصخرة، وينزل من جديد من أجل القيام بذلك.

هذا لأنني حاربت دكتاتورية الحبيب بورقيبة، وعندما سقطت ظننا أن تونس ستصبح دولة ديمقراطية وصدقنا أكاذيب زين العابدين بن علي في البداية لأنه وعد ببناء ديمقراطية، فعدنا إلى الدكتاتورية، ثم عدت إلى الحضيض إلى أن وصلنا بهذه المأساة التونسية إلى القمة في 2011.

وكذلك في 2011 و2014 ظننا أن تونس ستصبح دولة ديمقراطية إلى أن جاء هذا الانقلاب، فسقطت الصخرة من جديد، فأنا أرفعها مرة أخرى إلى القمة، وأنا على أتم الثقة أنني سأواصل عمل سيزيف إلى أن تستقر الصخرة في القمة ولا تسقط منها مرة ثانية.

س2: ما هي قراءتكم الشخصية للوضع القائم في تونس حاليا؟


هناك إفلاس تام للانقلاب الذي جاء على أساس أنه سيحل المشكلة السياسية والنفسية والاقتصادية التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة وتُحسب ظلما على الثورة، بينما انتهت الثورة في 2014 لما غادرت السلطة، ولما انتخب رئيس الثورة المضادة الباجي قائد السبسي، وفشل الثورة المضادة يُحسب على الثورة التي لم تحكم سوى 3 سنوات.


سعيّد زعم أنه جاء لإنهاء ما أسماه العشرية السوداء، وهو جزء من السبعية السوداء، وهناك إفلاس سياسي واقتصادي ودولي.

في المقابل، ما أسميه مقاومة مواطنية تتسع، هناك إضراب عام (16 حزيران/ يونيو)، إضراب القضاة، ومسيرة (19 حزيران/ يونيو) للمعارضة الجذرية، وقبل ذلك كانت هناك مسيرات للمعارضة الوسطية والمعتدلة، بالتالي فإن هذه المعارضة متعددة الأطراف والمستويات تتسع وتتعمق.

أعتقد أن هذا الشهر سيكون مفصليا حيث إن هذا الرجل (قيس سعيّد) يريد أن يكون يوم 25 تموز/ يوليو يوم عرس الانقلاب، وأنا أقول إنه سيكون يوم مأتم الانقلاب، لأن المعارضة ستتسع وسننهي هذا الانقلاب بأسرع وقت، لأن الانقلاب ليست له أي مقومات للنجاح.

س3: إلى أين تتجه تونس في ظل هذا الوضع؟ 


هذا كله تمثيل، سعيّد دخل في الديمقراطية كما دخل بن علي، بن علي أجرى حوارا وانتخابات ودستورا، وكل شيء كان مزورا، وهذا الرجل يفعل كل شيء، من خلال حوار مزيف مع أصدقائه، بينما الحوار الحقيقي يجمع بين الخصوم.

بالنسبة لإعادة كتابة الدستور والاستفتاء، فعل بن علي نفس الشيء، وسعيّد يعيد نفس التجربة الغبية، ولم يفهم أن الأمور تطورت، كل هذه الأمور تافهة ومضيعة للوقت، وهذا دليل على عقم فكر هذا الرجل الذي لا فكر له، وليس معه من يفكر.

س4: في المقابل، ماذا أعدت المعارضة؟ هل جهزت البديل خصوصا أنها منقسمة؟

كل المعارضة المختلفة فيما بينها تتفق على مبدأ واحد وهو نهاية الانقلاب والعودة إلى المسار الدستوري وهذا ما يجمع بينها، وهذا شيء جميل جدا، حيث إن الجميع يريد إنهاء الانقلاب.

وبعد عودة الشرعية، سيكون هناك انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها هيئة مستقلة وليست هذه الهيئة ثم نعود إلى الحياة الطبيعية. في فرنسا مثلا، ليست كل المعارضة متفقة فيما بينها، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلافات، لا يمكن أن تطلب من مجتمع أن يكون متحدا في كل أفكاره.

س5: كيف لشخص من خارج الحياة السياسية والحزبية مثل قيس سعيّد أن يفعل كل هذا؟ هل هذا فشل للأحزاب؟

الأحزاب لم تفشل، لأن هذا الرجل استولى على السلطة بكيفية غير شرعية منذ عام، ومنذ ذلك الوقت كل التيارات السياسية مجندة لإيقافه.

لماذا صعد سعيّد إلى الحكم؟ هذه أزمة السياسة في كل بلدان العالم حيث وقع اختراق النظام الديمقراطي واستولى المال الفاسد على حرية الرأي والتعبير، وحرية التنظم سيطرت عليها الشركات التي أصبحت أحزابا. 

هذه أزمة حقيقية للنظام والديمقراطية ولصورة الأحزاب في كل بلدان العالم، حيث إن هناك غليانا وغضبا على كل الأحزاب، وفي هذه الأوقات يبرز الشعبويون الذين يقولون إننا فوق الأحزاب، وهذه البطاقة سرعان ما تحترق لأنه ليس لهم في إدارة الدولة، ولذلك فإنه يجب إصلاح الهياكل السياسية حتى تؤدي مهمتها.

س6: هناك من يحملكم جزءا من مسؤولية الأوضاع الحالية للبلاد، ما تعليقكم؟


لا يوجد شخص تعرض للتشويه مثلي ومثل محمد مرسي، الثورة المضادة شحنت كل أسلحتها إلى درجة أن الناس يعتقدون أن ما يحدث الآن هو نتيجة الثورة.

أنا أؤكد أن الثورة المضادة هي التي انتصرت في 2014، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم الثورة المضادة هي التي تحكم في تونس وليست الثورة، إذا أردتم المقارنة، ما الذي قدمته الثورة في عهدي، وما الذي فعلته الثورة المضادة منذ 2014؟

لقد كُتب الدستور وبُنيت المؤسسات والماكينة الاقتصادية كانت تدور وسمعة تونس كانت جيدة، كنا دولة مستقلة، طبعا لم نقدم خلال ثلاث سنوات شغلا لكل تونسي لأننا ورثنا وضعا صعبا، وكنا بصدد العمل على هذا. ثم جاءت الثورة المضادة وأفشلت كل هذا، قارنوا بين 3 سنوات حكمت فيها ثورة، وبين 7 سنوات حكمت فيها الثورة المضادة.

س7: حركة النهضة من الأطراف التي تحملها شريحة من التونسيين مسؤولية ذلك أيضا، ففيم أخطأت النهضة؟


النهضة أخطأت لما قبلت في 2014 بالتصالح مع النظام القديم، حيث دعا الغنوشي إلى انتخاب السبسي ثم بدأ الانزلاق في التعامل مع النظام القديم والنتيجة هي ما نراه اليوم.

س8: التقيتم بقيس سعيّد عام 2013 لما كنت رئيسا للبلاد، ماذا دار في لقائكم؟

في تلك الفترة، الباب كان مفتوحا لكل الاقتراحات، نقاش الدستور التونسي كان واسعا وعميقا ومتعدد الأطراف، استقبلت عشرات الأشخاص للحديث في هذا الموضوع للاستئناس برأيهم، الدستور كان يكتبه المجلس الوطني التأسيسي لكن كان عندي 30 نائبا في البرلمان عن حزبي، ومقرر الدستور كان مقربا مني وكنت أتابع بكل لحظة.

استمعت لعياض بن عاشور، وقيل لي إن هناك أستاذا في القانون الدستوري لم أكن أسمع به أبدا، طيلة 30 سنة من مقاومة الاستبداد لم أر هذا الشخص يوما في مظاهرة أو في بيان، فكان بالنسبة لي شخصا تكنوقراطيا خبيرا في الدستور، فوجهت له الدعوة على هذا الأساس.

ماذا قال لي؟ والله لا أتذكر، أنا عادة عندما يأتيني شخص عنده أفكار جميلة أنتبه، وحالما يخرج أذهب إلى مكتبي مباشرة لكتابة تلك الأفكار، هذا الشخص لا أتذكر ماذا قال لي.. بما معناه أنه من جملة الأشخاص الذين أضاعوا لي وقتي.

هناك دراسة استخباراتية يجب أن تجرى لمعرفة من هي القوى التي كانت وراء هذا الشخص، ودراسة نفسية وسوسيولوجية للناخب التونسي من أجل أن يعرف ما هي الآليات التي يتخذ بها قراراته.

بعد غلق القوس، يجب الاستفادة من هذه التجربة، كيف وصل شخص نكرة مثل هذا إلى السلطة، لأن هذا الحادث إن تكرر، فبإمكانه أن يؤدي إلى خراب أي بلد.

س9: ما آخر التطورات في الحكم القضائي الصادر ضدكم؟ هل تنوون زيارة تونس في الفترة المقبلة؟

 
هذا الحكم سيبقى معرة في تاريخ القضاء التونسي وفي تاريخ هذه المرأة التي حكمت ضدي، علمت بالحكم عن طريق صحفي فرنسي من مجلة "لوبوان" اتصل بي وسألني عن تعليقي على ذلك، لم يصلني أي استدعاء ولم يتصلوا حتى بالمحامية، التقوا مع بعضهم البعض وأصدروا الحكم.

على الأقل في حكم بورقيبة وبن علي كان الشكل يُحترم، كانوا يرسلون استدعاء، لكن سعيّد يحكم دون شكل في جنح الظلام، لكن بالنسبة لي هذا الحكم ليس له أي قيمة، الجميع يعلم وطنيتي.

 

سأرجع إلى تونس عندما أقرر ذلك، وهذه القاضية ستُعزل وستُحاكم، وكذلك سعيّد، فضلا عن محاكمة الآليات في القضاء التونسي التي تسمح بأشياء مثل هذه. 

س10: قضيتكم جاءت على خلفية نشاطاتكم في فرنسا، ما دور المعارضة في الخارج؟


يتهمونني  بأنني على اتصال بالخارج، أنا لم أتصل بأي مسؤول فرنسي مهما كان منذ وصولي إلى فرنسا لأنني حريص على استقلال تونس أكثر من هؤلاء الناس، كل القرارات التي اتخذتها مثل قطع العلاقات مع النظام السوري، كانت نابعة من الاستقلال، لذلك فأنا لا أستقوي بالأجانب.

اتهموني بالتدخل لدى رؤساء الدول حتى لا يعقدوا القمة الفرنكوفونية في تونس، وهذا غير صحيح، أنا فقط كتبت رأيا على "فيسبوك" قلت من خلاله إن وجود رؤساء دول ديمقراطية في هذا المؤتمر هو دعم للاستبداد وهذا لا يجوز فقط، هذا ما اعتبروه خيانة عظمى.

س11: بالمناسبة، كيف تقرأون مستقبل العلاقة بين تونس والدول الغربية؟


الأوروبيون يعتبرون أن تونس هي الواجهة الديمقراطية الوحيدة التي نجحت، وهذا نتيجة نضالنا وليس نتيجة دعمهم لأنهم لم يدعمونا كثيرا إبان الاستبداد، وحتى بعد الثورة لم يكن دعمهم بالمستوى المطلوب.

الأوروبيون بصفة عامة يعتبرون تونس واجهة ديمقراطية، لكن في الوقت ذاته لديهم هاجس كبير، وهو هاجس الاستقرار السياسي حتى لا تكون هناك موجات نزوح، وهذا ما يفسر دعم الحكومات الغربية لكل الاستبداديين على مر العصور.

هم يعلمون جيدا أن هذا الرجل لن يحقق لا الديمقراطية ولا الاستقرار السياسي لذلك أعتقد أنهم لن يعينوه كثيرا، لكن المشكل أنه يمثل تونس، نحن نريد إعانة بلادنا والشعب التونسي، وليس إعانة هذا المستبد على تمديد بقائه.

س12: ما رسالتكم للتونسيين، سواء كانوا مع قيس سعيّد أو ضده؟


بالنسبة للذين هم ضد قيس سعيّد، فالقضية ليست ضد سعيّد، القضية هي أنه لدينا مسار وقع الاستيلاء عليه وتم تحويله، مسار دام لـ50 سنة ناضل خلالها الناس من أجل الحرية واستقلال القضاء ودولة القانون والمؤسسات، لن نسمح لهذا الشخص النكرة مجهول الهوية بأن يدمر كل شيء.

بالنسبة للذين مع سعيّد، ماذا فعل بعد 11 شهرا؟ نحن ذاهبون إلى انجراف وانهيار كامل للاقتصاد ولسمعة البلاد، التونسيون أصبحوا أفقر وأضعف مما كانوا عليه حتى من قبل 25 تموز/ يوليو، توبوا إلى رشدكم.

 

صحيح أنه لديكم ضغينة كبيرة على النهضة وعلى النظام القديم وأن البرلمان لم يكن برلمانا، لكن كل ذلك كان صعوبات المرحلة الانتقالية، القطار كان متوقفا أو يسير بسرعة 5 كيلومترات في الساعة، لكان الآن القطار خرج عن السكة، لا يمكن أن يكون هناك حلول لتونس في شخص واحد الواضح أنه غير مؤهل لقيادة تونس.