أفكَار

التصدي للتطرف الديني بين أسئلة الجدوى وابتذال المعالجات

أكاديميون: محاربة التطرف الحقيقية تأتي بفتح أبواب السجون للأبرياء الذين سجنوا ظلما

عقدت دار الإفتاء المصرية المؤتمر الأول لـ"مركز سلام لدراسات التطرف" على مدى ثلاثة أيام (7- 9 من الشهر الجاري)، بحضور مسؤولين وباحثين ومتخصصين وأكاديميين من 42 دولة حول العالم، وتركزت الأوراق المقدمة من الباحثين، وما صاحبها من مناقشات ومداخلات على تفكيك أفكار ورؤى جماعات التطرف الديني.

ومن اللافت كثرة المؤتمرات والندوات والبرامج الحوارية والكتابات حول ظاهرة التطرف الديني في السنوات الأخيرة، ما يثير أسئلة كثيرة حول جدوى التناول المتكاثر، والذي يغلب عليه بهرجة الأجواء الاحتفالية واللقاءات البروتوكولية، ما أخرجه إلى حد الابتذال بسبب كثرة التناول، وتكرار المضامين وفق مراقبين.

وفي ظل تكرار تلك النشاطات والفعاليات، أليس من الضروري تقييم نتائج كل الفعاليات السابقة في هذا المجال؟ فما الذي أنجزته وما الذي أخفقت في تحقيقه؟ وما الذي ينقص تلك المعالجات بمختلف أشكالها وتجلياتها حتى ترقى إلى مستوى الاشتباك الفكري والديني الحقيقي مع ظاهرة التطرف؟

بنظرة تقيمية لذلك النسق من الفعاليات، لفت الكاتب الصحفي المصري، المتابع لملفات الإرهاب والتطرف، مصطفى حمزة إلى "وجود غزارة في الدراسات والأبحاث حول الإرهاب والتطرف على المستوى النظري، لكن تلك الدراسات نادرة وقليلة على المستوى التطبيقي، والمقصود بالتطبيقي هو تلك الدراسات التي تنزل إلى أرض الواقع، لتبحث عن الأسباب الفعلية والحقيقية وراء ظاهرة التطرف الديني". 

 


                          مصطفى حمزة.. كاتب وباحث مصري


وأضاف لـ"عربي21": "وهذا يرجع إلى كلفة الدراسات التطبيقية في هذا المجال، وهو ما تعجز عن القيام به الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث الخاصة على وجه الخصوص، لأنها تحتاج إلى تفريغ باحثين مؤهلين ومتخصصين لإجراء مسح ميداني في مختلف المناطق الجغرافية، وإجراء مقابلات وحوارات ميدانية، تكشف بدقة عن طبيعة الظاهرة وحجمها ومدى انتشارها وحضورها". 

وتابع حمزة الذي شارك في المؤتمر الأخير: "لكن الأمر ما بعد مؤتمر مركز سلام لدراسات التطرف الأخير يختلف عما قبله، لأن القائمين على هذا المؤتمر، وعلى رأسهم مفتي الديار المصرية، الدكتور شوقي علام، والأمين العام، لديهم إرادة حقيقية في تحويل القضية من مسألة نظرية إلى مسألة تطبيقية، من خلال التشبيك بين مركز سلام ومراكز الدراسات في العالم كله، من خلال ورشة عمل مغلقة يديرها المفتي، وثم الاتفاق بينه وبين الباحثين، من أمريكا وفرنسا والإمارات وكثير من دول العالم على مأسسة العمل ضمن هذا الإطار".

وذكر أنه قدم رؤية في هذه الورشة أكدّ من خلالها على أن "التعاون يثمر حينما نهتم بالدراسات التطبيقية، ويتم تبادل الأبحاث بين هذه المراكز، فنحن في مصر مثلا، نعرف جماعة الإخوان جيدا، ونعرف أفكارها وقياداتها، لأننا عشنا في أوساطهم وعايشنا الجماعة عبر مراحلها المختلفة، وبمقدورنا القيام بمختلف الدراسات والأبحاث حول الجماعة، بحكم المعرفة والخبرة والمعايشة اللصيقة، وكذلك الحال مع جماعة الجهاد المصرية، والجماعة الإسلامية وما إلى ذلك، بما يخدم كل الباحثين في كافة مناطق العالم". 

وأردف: "وهكذا يمكن لمختلف المراكز البحثية في مختلف دول العالم القيام بدراسات وأبحاث معمقة ميدانية حول الحركات والجماعات الإسلامية السياسية والجهادية والسلفية المحلية، وتبادل تلك الأبحاث والدراسات مع مختلف المراكز البحثية حول العالم بما يعين على مكافحة التطرف الديني ومواجهته". 

ونبَّه حمزة إلى أن "تحويل الأبحاث والدراسات من مستواها النظري إلى التطبيقي ليس من مهمة الباحثين، لأن هذا مجال وميدان صناع السياسات والقرارات، فدور الباحثين يقف عند تقديم أبحاثهم ودراساتهم للجهات التنفيذية، وهي القادرة على تحويل تلك الرؤى والتوصيات إلى برامج وإجراءات تطبيقية". 

من جهته أشاد الباحث المغربي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور أحمد زقاقي بـ"الندوات والمؤتمرات والبحوث التي تعتمد الحوار سبيلا، ومنهجا لتقريب وجهات النظر بين مكونات المجتمع على اختلاف مشاربها، إذ لا يمكن للمرء إلا أن يعتبرها علامة على النضج الفكري، والسمو الأخلاقي".

 

      أحمد زقاقي.. كاتب وباحث مغربي.. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

واستدرك في حواره مع "عربي21": "لكن تلك النشاطات والفعاليات إذا ما انزلقت نحو الاستقطاب السياسي والفكري والعقائدي والمذهبي، فإنها تنمي نبتة التطرف لأن قنوات الحوار التي تمكن من تدبير الاختلاف بسلاسة مغلقة، فالاستقطاب يقضي على نزوعات التقارب والتفاهم، وينخرط المتطرفون من كل جانب في معارك للدفاع عن الكرامة لا عن الفكرة، وبهذا المعنى يعد الإكثار من عقد المؤتمرات والندوات لتفكيك خطاب التطرف لغوا، ومضيعة للوقت والجهد". 

ولاحظ زقاقي أنه "مما أحاط الكثير من المؤتمرات والندوات التي تنظم لمواجهة التطرف بالريبة والشك تبني الداعين إليها لنفس السرديات والروايات التي تتملق مزاجا دوليا يتسم بالإسلاموفوبيا عموما، ولذلك نالت حركات الإحياء الإسلامي النصيب الأوفر من التشويه والشيطنة، لا سيما بعد إفشال الربيع العربي (وهو ما دعاه البعض "إسلاميستوفوبيا")، ليصير الأمر بعذ ذلك إلى هجوم ممنهج على قطعيات الشعائر، والشرائع المرتبطة بعقائد الجماهير، وهو هجوم تكشف عن تحالف بين "متكلمين ومتسلطين".
 
وتابع: "ذلك التحالف بين (المتكلمين والمتسلطين) أسهم في تعزيز التطرف اللاديني، وأولئك "المتكلمون" يندرج تحتهم صنفان: نخبة (حداثية) ترفع شعارات تجديد التراث، والقراءة الحداثية للقرآن الكريم، وإسقاط حجية السنة، وخلخلة الاستقرار الأسري بدعوى الاحتكام إلى مقاصد الشريعة، والصنف الثاني اتجاهات دينية جامدة على حرفية الأقوال والأفعال، غير واعية بديناميات التغيير الاجتماعي، مما جعلها عرضة لانشقاقات متسلسلة، فخرج من رحمها جماعات عنف (كداعش) وغيرها..". 

أما ما ينقص تلك المعالجات لظاهرة التطرف الديني، وحتى لا تسقط في التفاهة والابتذال، فوفقا للباحث المغربي زقاقي "فهو ضرورة مراعاتها للسياقات الداخلية المرتبطة باللغة وبنية النصوص، والسياقات الخارجية المرتبطة بالزمان والمكان والأحوال والمتكلم والمخاطب والخصوم والأعداء، وموازين القوى وفقه الواقع". 

وحذر من أن عدم مراعاة تلك السياقات ينجم عنه "الحرفية والجمود والتقليد والغلو والتطرف، وزعزعة اليقين المرتبط بالعقائد والقناعات، والقابلية للتوظيف والانخراط في مخططات كبيرة بسذاجة وبلاهة..". 

بدوره رأى الكاتب الصحفي المصري، صلاح الدين حسن أن "مفعول الفعاليات والنشاطات التي تستهدف مكافحة الأفكار الدينية المتطرفة لن تحدث أثرها، وتؤتي ثمارها، إلا إذا عرفنا من يمولها، ولأي غرض على وجه التحديد، فإن كانت السلطة فيجب علينا أن نسأل: هل هي سلطة عادلة؟ فإذا كانت سلطة غير عادلة فلن تؤتي تلك النشاطات ثمارها". 

 

                       صلاح الدين حسن.. كاتب وباحث مصري

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "كما يجب أن نعرف أهداف المشاركين في تلك المؤتمرات: هل التقرب من السلطة أو الخوف منها، أو الحصول على المكتسبات أيا كانت طبيعتها، فإذا توفر أي من ذلك فلن تؤتي تلك الفعاليات ثمارها، والسبب في ذلك بكل بساطة أن خلاصات تلك الفعاليات من المفترض أن تكون موجهة إلى الجمهور، خاصة من الشباب الذين يخشى عليهم من الانضمام لتلك الجماعات، أو تبني أفكارا متطرفة، فإذا كان هذا الشباب لا يثق في الممول، ولا يقدر المشاركين فلن يلتفت لتلك الندوات، ولن يكلف نفسه النظر إليها". 

وشدد في ختام حديثه على أن "محاربة التطرف الحقيقية تأتي بفتح أبواب السجون للأبرياء الذين سجنوا ظلما، ووضع حد لمظاهر العلمنة ومظاهر الإسراف والترف، وتأتي كذلك من مراجعة السلطة لنفسها، وإشغال المساحات التي انسحب منها الإسلاميون، ليس بالدفع بموظفي السلطة، لكن بترك النشاطات الدعوية المعتدلة والمستقلة تتفاعل كما كانت بمحيطها المجتمعي، لأن الحالة الدينية كما هي الآن خطر على المجتمع وعلى الأمن القومي، وكلما استطاعت العلمانية التغول على مساحات الإسلاميين كلما زاد الخطر، الذي يأتي هنا من الارتداد العكسي".