قضايا وآراء

عزيزي د. يحيى القزاز.. مرحبا فساحة الحوار تجمعنا

1300x600
بداية لا يسعني إلا أن أشكر وأرحب بالصديق العزيز د. يحيى القزاز على ما كتبه ردا على حواري مع موقع "عربي21"، فلعلها تكون خطوة على طريق "الحوار المفقود" في بلادنا، والذي نعاني اليوم من تداعياته السلبية الكارثية.

لذا كان قراري هو ذات قرار د. القزاز، وهو الرد في ذات المكان تعميقا لمفهوم الحوار وتعميما للفائدة، ولعله يجذب آخرين ممن يشاركونا ذات الهم الوطني فتتسع الدائرة وصولا إلى رؤية تسهم في إنقاذ بلادنا مما آلت إليه. فهي بمثابة السفينة التي تحملنا جميعا، وإذا ما استقامت في سيرها فذاك ما نريده ونعمل له، وإن كانت الأخرى فالضرر سيلحق الجميع دون استثناء.

كما أن هذا الحوار يتجاوز بطبيعة الحال "الشخصانية"، فليس بيني وبين أخي الفاضل د. القزاز إلا كل الاحترام والتقدير اللائقين به وبدوره في الحركة الوطنية المصرية.

أولاً: أتفق مع د. القزاز على خطورة الفرز الأيديولوجي على مسار العمل الوطني ما بين إسلامي وغير إسلامي -وهو ما دعوت إليه مرارا بعد ثورة يناير بل وقبلها- مع ما تختزلها هذه التجزئة من إلزامات بقصد أو بدون قصد تطال اعتقاد المرء وعلاقته بربه. لكن دعونا نعترف بأن هذه القسمة هي نتاج غياب السياسة بل واغتيالها منذ 70 عاما بالتمام، عندما قرر الحكام حينها إلغاء الأحزاب وشيطنة العمل الحزبي والمتحزبون. حتى عندما عادت الحياة الحزبية لاحقا، عادت على عوج وتحت رقابة سلطوية صارمة، كانت تفتح المجال وتغلقه حسبما يتفق مع مصالحها، فكان من الطبيعي في تلك الأجواء غير الطبيعية أن تنشأ مثل هذه الحوارات "الأيديولوجية" التي عمقت الخلاف بين أطياف العمل السياسي، التي سيكون لها مكانها الذي تتصارع فيه، وتظل الساحة السياسية مكانا للمنافسة الجماهيرية التي أساسها البرامج ورؤى التنمية والنهوض، وعلى أساسها يختار الناس هذا الحزب أو ذاك، وتبقى في النهاية القيم الحاكمة للدولة والتي ينص عليها الدستور هي المظلة التي يقف الجميع تحتها.

ثانياً: أتفق مع د. القزاز على خطورة التكفير وآثاره الكارثية، لكني أنبه هنا إلى نقطتين مهمتين:

الأولى أن التكفير في بلادنا ليس تكفيرا دينيا فقط -وإن كان الأشد قسوة- لكن هناك أيضا التكفير "الوطني" أو "السياسي" الذي تمارسه "مجموعات" يسارية وقومية وليبرالية ضد المختلفين معها من التيار الإسلامي.

النقطة الثانية أن الجماعة الإسلامية وبعدها حزب البناء والتنمية وغيرهما من الهياكل والهيئات داخل الحركة الإسلامية؛ كافحوا الفكر التكفيري مكافحة شديدة وساهموا في تحجميه، إدراكا منهم بخطورته الشديدة وآثاره الكارثية على الفرد والمجتمع على حد سواء، برغم أن بيئة الاستبداد الحاضنة والمفرخة لهذه النتوءات الفكرية كانت ولا زالت تقاومهم.

ثالثاً: أتفق مع د. القزاز فيما أشار إليه ولو ضمنا إلى ضرورة مراجعة الحركة الإسلامية لمسيرتها وسيرتها، مراجعة تشمل السياسات والأفكار، لكني أنبهه إلى أن هذه المراجعة لا تلزم الإسلاميين وحدهم بل جميع أطياف الحركة الوطنية المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فالجميع أخطأ ولا يزال يخطئ، ويصر على اجترار مرارات الماضي دون بذل الجهد في تجاوزها إلى بناء رؤية مستقبلية، كما أن "الأقلية المعطلة" -كما أسمتها الدكتورة ليلى سويف- لا تزال تقوم بدور خطير داخل كل التيارات..

كما يجب أن أذكر بتجربة الجماعة الإسلامية في هذا المجال، فقد كانت سباقة إلى المراجعة الذاتية عندما شعرت في لحظة ما أنها انجرفت بعيدا عن مسارها الذي خطته لنفسها منذ النشأة الأولى، فامتلكت الشجاعة للقيام بمراجعاتها المعروفة، بل وتخطتها إلى نقد مشروع تنظيم "القاعدة" منذ الإعلان عنه، والذي استشرفت آثاره الكارثية، وقامت بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، بتدوين رؤيتها التي لا تزال تحتل مكانة مهمة في قائمة المشاريع النقدية.

رابعاً: أتفق مع د. القزاز في وجود أخطاء وقع فيها الإخوان المسلمون خلال فترة حكمهم التي لم تتجاوز اثني عشر شهرا فقط! والتي تستوجب منهم ومن الجميع مراجعة أمينة، لكن -وكما قلت من قبل- سيكون من الغبن أن نقصر ذلك على الإخوان وحدهم، دون التطرق إلى منظومة تحكمنا منذ سبعين عاما وارتكبت من الكوارث ما لا ينكره أحد، والتي ستحتاج إلى سنوات طويلة لإصلاحها.

وهذه النقطة تقودنا إلى الجزئية الأهم التي أريد أن أختم بها مقالي، ولا تخص د. القزاز وحده بقدر ما تهم جميع أطياف الحركة الوطنية المصرية، وهي أننا يجب أن نتداعى إلى كلمة سواء ورؤية مشتركة لا تقف في خنادق الماضي إلا بقدر ما تستفيد منه لبناء المستقبل، وتتجاوز الخلافات والحواجز، للعمل على إخراج رؤية جامعة تعمل على إخراج مصر من أزمتها الحالية التي تستفحل يوما بعد يوم في تفاصيل معروفة ومعلومة للجميع، وهذا ما أعتبره واجب الوقت وفرض العين الذي يلزم كل قامة وقيمة وطنية من أمثال د. القزاز وغيره.