قضايا وآراء

هل يحمي الغاز الروسي الروبل من الانهيار؟

1300x600
شهر بالتمام والكمال، والحملة الروسية العسكرية على أوكرانيا مستمرة ومتواصلة ومتصاعدة في آن. والكل يتنظر مع دقات الساعات أي خبر جديد بالمنحى السياسي، حيث تكثر المفاوضات المباشر وغير المباشرة في عواصم العالم، إلا أن الثابت الوحيد حتى الساعة أن كييف محاصرة رغم صمود المدافعين عنها.

الكل يدرك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما كان ليدخل أتون الحرب الأوكرانية ليخرج منها بلا أهداف واضحة المعالم؛ أولها حياد أوكرانيا، وثانيها منع دخولها من حلف الناتو، ثالثها دعم اتصال الجمهوريات الروسية الهوى، وتثبيت استقلالها وعودة القرم إلى الحضن الدافئ لروسيا، وإسقاط صورة الرئيس الأوكراني زيلنسكي وتصويره بمن تهور في قرارته وأحرق بلاده، لأجل نزوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، الذي لم يقدم حتى الساعة لأوكرانيا ما هو نوعي؛ إن على صعيد السلاح أو العدد أو العدة، وحدها المواقف الرنانة بالعقوبات على كيانات وشخصيات روسية هي السلاح الاشد. ولعل من مفارقات ما يجري بالحديث عن العقوبات هو ضرب روسيا واستنزافها؛ إن عبر المركزي الروسي واحتياطاته من العملات الصعبة، وإن لزعزعة ميزان المدفوعات الروسية لضرب الأسس المالية للدولة الروسية، ولعل البوابة الأشد وطأة فوق رأس الرئيس بوتين والشعب الروسي هي في ضرب العملة الوطنية الروسية؛ الروبل.

وتعتبر العملة الوطنية إحدى ركائز الدولة وصورتها داخليا، فهي تمثل القدرة الشرائية وحركة العرض والطلب على العملة، التي بدورها تتحول إلى سلعة في معادلة سعيها، لكي يبقى لها وزن في الداخل والخارج على حد سواء.

ومن الجدير ذكره في هذا السياق ارتفاع المعيشة نتيجة الحرب وانخفاض الروبل إلى ما يقارب 20 في المائة بحسب العديد من الخبراء، وتجلى ذلك في تضخم أسعار بعض السلع الأساسية. وعليه واستكمالا لضرب الروبل وللإطاحة بالاقتصاد الروسي، جاء قرار الرئيس الأمريكي بحظر واردت الطاقة الروسية (نفط، غاز، فحم)، ولكن كان كمن يطلق الرصاص على قدمي حلفائه، لا سيما ألمانيا وهولندا ولاتفيا؛ وغيرها التي سارع الكثير من مسؤوليها إلى إيضاح عدم القدرة على مواكبة القرار.

وإذا كان القرار الأمريكي بفرض الحظر على واردات النفط الروسي، بينما لا تتجاوز الواردات الأمريكية 8 في المائة من الاستهلاك الأمريكي، ولكن ماذا عن الدول الحليفة؟ ألا يشعر السيد الأمريكي بأن نيران هذا القرار أصابت الحلفاء الأوروبيين قبل الروس، وضربت أرجاء الكرة الأرضية بفعل ارتفاع الأسعار للوقود الأحفوري إلى أرقام قياسية وهي مرشحة للصعود، ولا أدل على ذلك من تصريحات المسؤولين الروس الآخذة في التصاعد، وآخرها كلام وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك، الذي قالها بالفم الملآن؛ إن أسعار برميل النفط ستصل إلى ما يفوق 300 دولار؟!

ولكن في جملة التأثيرات المباشرة لقرار عقوبات بايدن المتزامن مع الحرب المالية والاقتصادية على روسيا التي تحدث عنها وزير المالية الفرنسي لوميير، والتي تتصاعد يوما بعد يوم، كان ملفتا هبوط سعر الروبل الروسي إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة أمام جملة عملات وفي مقدمها الدولار، مما ضرب المواطن الروسي في صميم قدرته الشرائية والاستيرادية للسلع على حد سواء، علما أن موسكو حظرت تصدير السلع الغذائية لفترات محددة قابلة للتجديد.

وعليه، شعر الرئيس بوتين لجملة معطيات أساسية على مستوى الثقة أنه بحاجة لقرار يدعم الروبل من كبوته، فأطلق التصريح الواضح معلنا أن روسيا لن تقبل إلا الدفعات بالروبل ثمنا لضخّ الغاز للدول التي وصفها بـ"الدول غير الصديقة"، وتشمل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد منح بوتين المصرف المركزي الروسي مهلة أسبوع لتطبيق تلك التغييرات، وإيجاد طريقة لتحويل تلك الدفعات بعيدا عن العملات الأخرى، وقال إن روسيا ستتوقف عن تلقي الدفعات بالعملات التي وصفها بـ"المخترقة"، مضيفا أن روسيا ستواصل تزويد الغاز بالكميات المثبتة في العقود السابقة.

وعليه، أعطى الرئيس الروسي الروبل جرعة أوكسجين هائلة، حيث ربط عقود الغاز بالعملة الوطنية، معززا قيمتها وتداولها والحاجة إليها. وتمثل عقود الغاز في اللحظة الراهنة العصى السحرية اليوم بيد سيد الكرملين، ولا أدل على ذلك من أن روسيا تعطي أوروبا 44.5 في المائة من حجم استهلاكها من الغاز، وبمعنى أدق يفوق الاستيراد يوميا 105 ملايين متر مكعب من الغاز.

ولكي تكون معادلة قوة عقود الغاز الروسي في حماية وتعزيز الروبل واضحة، نعود إلى تصريحات معالي وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، في مؤتمر منتدى الدول المصدرة للنفط الذي احتضنته الدوحة، حيث قال إنه لا قطر ولا أي دولة منفردة أخرى لديها القدرة على أن تسد الفراغ، أو تحل محل الإمدادات الروسية لأوروبا من الغاز الطبيعي المسال. وأضاف الكعبي أنه نظرا لأن معظم كميات الغاز القطرية محجوزة في عقود طويلة الأجل في الغالب لمشترين آسيويين، فإن ما يمكن تحويله للشحن إلى أوروبا يتراوح بين 10 و15 في المائة فقط.

وكذلك صرح رئيس وزراء النرويج بأن بلاده تشحن الغاز الطبيعي بأقصى طاقتها، ولا يمكنها تعويض أي إمدادات تُفقد من روسيا، علما أن النرويج تمثل حوالي 18 في المائة من وارادات الغاز للقارة العجوز.

وعليه، هل تنجح معادلة القيصر الروسي المتمثلة في الغاز الروسي بحماية الروبل من الانهيار؟ الأمر ليس بالهين.