قضايا وآراء

الهجرة أم البقاء في مزرعتهم؟!

1300x600
انتهز البعض صدور تصريحات عنصرية بغيضة عن عدد من المسؤولين والإعلاميين في دول غربية؛ لتبرير البقاء في دول عربية شاع فيها الظلم وانعدمت بها حقوق المواطنة، من باب أن الوطن يبقى محصنا من عنصريتهم وله فضل حتى لو جار عليك.

وهنا لا أفهم أي تحصين من العنصرية تعيشه بلادنا العربية وهي منهكة بحمّى الطبقية وأمراض التفرقة بين مدينة وبادية وشمال وجنوب وشرق وغرب.. الخ.

أما العزف على أسطوانة البقاء في الوطن لأننا نحبه حتى لو شعرنا بالظلم والقهر فيه فهو مرفوض من حيث المبدأ، ولا مجال لقبول الضيم أو الرضوخ له. أما مشاعر الحب نحو الوطن فهي مستمرة وموصولة سواء أكنا نعيش على ترابه أم بعيدا عنه، فالاتصال بالقلب لا بجغرافية المكان.

أقول بكل أسف إن احتمالية تعرض الشخص صاحب المبدأ والفكر الحر للظلم بناء على رأيه في الدول الغربية تبقى أقل بكثير من احتمالية ذلك في وطننا العربي، ومن أراد أن يفهم من كلامي ترويجا للخروج من البلاد العربية فهو مصيب تماما، ولا أتنصل من ذلك.

هناك حالة واحدة يستطيع بها الشخص البقاء في كثير من دولنا العربية، وهي عندما لا يجد وسيلة للخروج إلى بلد يحترم رأيه ويقدّر إنسانيته.

لم يعد خافيا على أحد أن معظم دولنا العربية تحولت إلى مزارع خاصة لحكامها والمقربين منهم، حتى إن المستثمر فيها لا يستطيع إقامة مشروعه من حر ماله إلا إذا كان أحد كبار المسؤولين شريكا في اقتسام الأرباح دون الخسائر. وبين حين وآخر نسمع عن قصص هنا وحسابات سرية هناك، ناهيك عن الملاحقة الأمنية والتضييق وانعدام الحياة الديمقراطية واستحداث قوانين جديدة كل فترة لتكميم الأفواه.

حالة بائسة في كل مكان، ولكن يبقى التفاوت النسبي موجودا ومهما عند المقارنة والكفة بطبيعة الحال ترجح للدول الغربية، رغم صعود التيار اليميني المتطرف فيها.

لا يوجد منظّر للبقاء في دول عربية يرتع بها الظلم إلا ووجدت أنه شخصيا متعايش مع ذلك الفساد ولو بطريقة غير مباشرة، ويجامل حكام ذلك البلد بين حين وآخر حتى لو انتقد أوجه التقصير في الخدمة الحكومية.

بل إن هناك أنظمة عربية تشجعك على النقد وشتم الحكومة والبرلمان ومختلف مؤسسات الدولة، ما دام حاكم البلد وجيشه في منأى عن ذلك.

وعليه فلا توجد أي حكومة صاحبة ولاية بالمعنى الحقيقي، وقد يتحكم بقرارات أكبر وزير فيها ضابط أمني صغير بإعطائه التعليمات عبر الهاتف.

ومن هنا نجد فشل كثير من الشخصيات التي نظّرت للإصلاح عندما دخلت تلك الحكومات بدعوى ترجمة ذلك التنظير عمليا على الأرض.

الخلاصة أن الكرامة هي رأس المال والحرية هي الرئة التي نتنفس بها، وعليه فإنه لا يمكن السماح لأحد بقتلنا ونحن أحياء، أو التعامل معنا على أننا مجرد قطيع من الأغنام في مزرعته السعيدة، تلك المزرعة التي يلعبها أطفالنا على الكمبيوتر وقد حولها حكامنا إلى واقع حقيقي يلعبون فيه بنا!

لله در من قال: "إن عشت فعش حرا أو مت كالأشجار وقوفا.. وقوفا كالأشجار".