كتاب عربي 21

الغزو الروسي لأوكرانيا وحسابات تركيا الدقيقة

1300x600
أربكت العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الروسي لاحتلال أوكرانيا حسابات تركيا، ووضعتها في وضع يجب أن تراعي ظروفها السياسية والاقتصادية في تحديد موقفها مما يجري في الجانب الشمالي للبحر الأسود، وأن تقدم خطواتها بدقة لحماية مصالحها القومية، نظرا لعلاقاتها المعقدة مع روسيا، والمتميزة مع أوكرانيا.

تركيا سبق أن أكدت مرارا أنها تدعم وحدة تراب أوكرانيا، ولا تعترف بشرعية الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، كما رفضت العدوان الروسي الأخير، وعرضت وساطتها لحل الخلافات بين موسكو وكييف عن طريق المباحثات والحلول الدبلوماسية. ومن غير المتوقع أن تغير هذا الموقف الرافض للحرب واحتلال أوكرنيا أو جزء من أراضيها.

العلاقات التركية الأوكرانية تطورت في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق. وقامت كييف بشراء عدد من مسيرات "بيرقدار" التركية، وهناك مشاريع مشتركة في مجال الصناعات العسكرية بما فيها إنتاج تلك المسيرات في أوكرنيا.
أربكت العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الروسي لاحتلال أوكرانيا حسابات تركيا، ووضعتها في وضع يجب أن تراعي ظروفها السياسية والاقتصادية في تحديد موقفها مما يجري في الجانب الشمالي للبحر الأسود، وأن تقدم خطواتها بدقة لحماية مصالحها القومية

وفي المقابل، شهدت العلاقات التركية الروسية أيضا تحسنا كبيرا في مختلف المجالات. وقامت أنقرة بشراء منظومة أس-400 الدفاعية من موسكو، كما تتعاون مع الأخيرة في إنشاء محطة آق قويو النووية، بالإضافة إلى استمرار حاجتها للغاز الروسي، رغم تراجع اعتمادها عليه في العقد الأخير. وتنتظر فنادق مدينة أنطاليا التركية السياح الروس، وتقوم الشركات التركية بتصدير كميات كبيرة من الفواكه والخضروات إلى روسيا. وبالتالي، لا يمكن أن تضحي تركيا بعلاقاتها مع إحدى الدولتين الصديقتين لصالح علاقاتها مع الأخرى.

القوات الروسية الغازية لم تحقق حتى الآن انتصارا ملحوظا في أوكرانيا، بل تشير الصور والمقاطع التي تصل من أرض المعركة إلى تعرض أرتال الجيش الروسي لضربات مدمرة قامت بمعظمها مسيرات "بيرقدار" المسلحة التي اشترتها أوكرانيا من تركيا. ويرى بعض المحللين أن إظهار النجاحات التي تحققها تلك المسيرات ضد القوات الروسية قد يؤدي إلى استفزاز موسكو وتدهور العلاقات التركية الروسية، وينظرون بعين الشك والريبة إلى حديث الإعلام الغربي عن دورها في إيقاع الخسائر الفادحة في القوات الغازية. إلا أن هذا الرأي مجانب للصواب، لأن تركيا باعت تلك المسيرات إلى دولة ذات سيادة، كما تبيع روسيا أسلحتها إلى دول كثيرة، وأن أوكرانيا قامت بشرائها لتستخدمها في الدفاع عن أراضيها، لا لوضعها في المخازن.
موسكو أيضا تدرك مدى أهمية الحفاظ على علاقاتها مع أنقرة، في الوقت الذي شكلت الدول الأوروبية جبهة عريضة ضدها، وأغلقت مجالاتها الجوية أمام طائراتها. وبعبارة أخرى، أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بممارسة الضغوط على تركيا بسبب ما تفعله مسيرات "بيرقدار" في أوكرانيا

تركيا أبقت قنوات الاتصال مع كلا الطرفين مفتوحة لتواصل جهودها الدبلوماسية من أجل إنهاء الحرب والحفاظ على علاقاتها مع موسكو وكييف. وصرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، أن تركيا لا تميل إلى المشاركة في العقوبات المفروضة على روسيا. ومن المؤكد أن موسكو أيضا تدرك مدى أهمية الحفاظ على علاقاتها مع أنقرة، في الوقت الذي شكلت الدول الأوروبية جبهة عريضة ضدها، وأغلقت مجالاتها الجوية أمام طائراتها. وبعبارة أخرى، أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بممارسة الضغوط على تركيا بسبب ما تفعله مسيرات "بيرقدار" في أوكرانيا.

أنقرة أعلنت إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية بموجب "اتفاقية مونترو"، بعدما توصلت إلى أن ما يجري في أوكرانيا "حرب"، مؤكدة أنها ستطبق مواد الاتفاقية بحذافيرها وبكل شفافية. وأبلغ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان كلا الرئيسين الروسي والأوكراني عبر اتصال هاتفي بهذا القرار قبل إعلانه. كما ذكر تشاووش أوغلو أن موسكو طلبت السماح بعبور سفن غير مسجلة ضمن أسطول البحر الأسود الروسي، إلا أن أنقرة طلبت منها أن تسحب هذا الطلب بعد إغلاق المضيقين وأن الأخيرة استجابت لطلب أنقرة.
تركيا تحاول أن تحافظ على التوازن في علاقاتها مع كل من روسيا وأوكرانيا، وتتحدث مع جميع الأطراف المعنية، دون أن تنحاز إلى أحد طرفي النزاع. ومن المؤكد أن مواصلة هذه السياسة ضرورية لحماية مصالح تركيا، إلا أنها في ذات الوقت لن تكون مهمة سهلة

الأدميرال المتقاعد جهاد يايجي في تعليقه على قرار تركيا بشأن المضيقين، وخلال حديثه لموقع "خبر 7" الإخباري، ذهب إلى أن تركيا لم يكن أمامها خيار آخر غير اعتبار ما يجري في أوكرانيا حربا، بعد أن أبلغت كييف محكمة العدل الدولية أنها تتعرض لهجمات من دولة أخرى وطلبت اتخاذ تدابير لازمة لحمايتها، مضيفا أن هذا القرار لن يؤدي إلى شرخ في العلاقات التركية الروسية، ولن يؤثر في سير الحرب على المدى القريب، مشيرا إلى أن روسيا سحبت معظم سفنها الحربية إلى البحر الأسود قبل الحرب، كما لفت إلى أن الحرب لا تدور حاليا في البحر.

تركيا تحاول أن تحافظ على التوازن في علاقاتها مع كل من روسيا وأوكرانيا، وتتحدث مع جميع الأطراف المعنية، دون أن تنحاز إلى أحد طرفي النزاع. ومن المؤكد أن مواصلة هذه السياسة ضرورية لحماية مصالح تركيا، إلا أنها في ذات الوقت لن تكون مهمة سهلة.

twitter.com/ismail_yasa