مقالات مختارة

بعدما تجددت الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا كيف يستفيد منها العرب؟

1300x600

انتهت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي (وكانت قائدته روسيا)، والغرب الأطلسي، بانهيار الأول في مطالع تسعينيات القرن الماضي، وتفكيكه إلى عدّة دول في شرق أوروبا ووسط آسيا. اليوم يتجدّد الصراع بين المعسكرين بحرب أكثر سخونة من الحرب الباردة الذاوية. الحرب المتجدّدة لا تقلّ ضراوة وتعقيدات عن سابقتها، ما يستوجب أن يكون للدول الأخرى، لعل أبرزها دول غرب آسيا، مواقف وردود أفعال لها صلة بمصالحها ونفوذها، وعلاقاتها بدول مجاورة، صديقة أو معادية.


العرب لن يكونوا جبهة أو كتلة واحدة في الصراع المتجدد بين روسيا والغرب الأطلسي، ذلك أن معظم دول العرب صديقة أو حليفة للولايات المتحدة وسائر حليفاتها الأطلسية، والدول الأخرى المتبقية ليست صديقة أو حليفة موثوقة لروسيا أو راغبة في تعكير علاقاتها مع دول الغرب الأطلسي. وعليه، فإن أطراف محور المقاومة والممانعة، وبينها دولة غير عربية هي إيران، تبدو معنية وحدها بالبحث في الاستفادة من تجدّد الصراع بين المعسكرين الدوليين.


لعل أول ما يقتضي أن تفعله أطراف محور المقاومة، هو أن تتحاور وتتفاهم في ما بينها على ما يمكن أن تقوم به حيال الصراع المتجدد في أوروبا، الذي يُوحي بولادة نظام عالمي جديد. في هذا الإطار، يمكن تحديد نقاط تماس وصراع خمس بين أطراف محور المقاومة وروسيا من جهة، والغرب الأطلسي من جهة أخرى. نقطة التماس والصراع الأولى والأهم هي “إسرائيل”؛ فالكيان الصهيوني في حال حرب متواصلة مع سوريا وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، واستطرادا مع إيران، بما هي حليف سياسي وداعم لوجستي لها. سوريا التي تحتضن قاعدة بحرية وجوية لروسيا سارعت إلى تأييد موقفها من أوكرانيا وحلفائها الأطلسيين، مثلها فعلت حركات المقاومة. أما إيران فتدعم سوريا سياسيا وعسكريا، ما مكّنها من دعم حركات المقاومة في مواجهتها للكيان الصهيوني. “إسرائيل” حاليّا في وضع بالغ الحرج. فهي تستفيد من “سكوت” روسيا على عملياتها الجوية العدوانية ضد سوريا في سياق ما تسميه “المعركة” بين الحروب من جهة، لكنها حريصة من جهة أخرى على إرضاء حاضنتها وحليفتها الأساسية الولايات المتحدة، لذا اكتفت بادئ الأمر بالإعلان عن ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي الأوكرانية، من دون إدانة لهجوم القوات الروسية، لكنها سرعان ما طوّرت موقفها بضغط من واشنطن، وأعلنت إدانتها للهجوم الروسي على أوكرانيا. ربما “تتفهم” روسيا إلى حين موقف “إسرائيل” المحرَجة في اتخاذ موقف سلبي منها، لكن تفهمها هذا لن يستمر طويلا، إذا ما أصرت واشنطن على مطالبة “إسرائيل” بموقف أكثر سلبية ووضوحا من حرب موسكو في أوكرانيا. لبنان تبرع وزير خارجيته عبدالله أبو حبيب بموقف سلبي من هجوم القوات الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي فجّر مواقف استنكار من المقاومة اللبنانية وشريحة واسعة من خصوم أمريكا، بما هي الحاضنة والحليفة الدائمة للكيان الصهيوني. تركيا بدت محرَجة كما “إسرائيل”، فهي عضو في حلف شمال الأطلسي وعلى صداقة وتعاون مع أوكرانيا، لكنها حريصة أيضا على تعزيز علاقتها بروسيا لتأمين استمرار حصولها على صواريخ الدفاع الجوي S-400 وعلى عشرات آلاف السّياح الروس، الذين يصرفون مئات آلاف الدولارات في ربوعها. غير أن أنقرة مضطرة، في نهاية المطاف، إلى الانحياز لحلفائها الأطلسيين، ومراعاة دول شرق أوروبا ودول وسط آسيا الإسلامية، حيث لتركيا مصالح ونفوذ وشرائح سكانية من أصول طورانية (تركية).


من خلال درس واستقراء أبعاد وتفاصيل هذه الصورة البانورامية، يمكن استشراف القضايا والفرص التي تستطيع أطراف محور المقاومة اغتنامها، في سياق الصراع المتجدد بين روسيا ودول الغرب الأطلسي وذلك على النحو الآتي:


أولا: تستطيع سوريا، وإلى حدّ ما العراق، الاستفادة من تصاعد حدّة الصراع بين روسيا وأمريكا لحمل موسكو على ممارسة ضغوط على تركيا، في حال تمادي الأخيرة في دعم الغرب الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا. المراد من الضغط الروسي على تركيا، إنهاء احتلالها لمساحات واسعة من شمال سوريا وغربها، كما من شمال غرب العراق، وذلك باستعمال ورقتَي صواريخ S-400 والسياح الروس.

ثانيا: تستطيع المقاومة اللبنانية من خلال حلفائها السياسيين، حمل الحكومة على مجابهة ضغوط الولايات المتحدة على لبنان لحمله على القبول بصيغة لترسيم الحدود البحرية بينه وبين “إسرائيل”، تخدم الأخيرة الطامعة في توسيع رقعة التنقيب عن النفط والغاز، لتشمل مساحة واسعة من المنطقة الاقتصادية الخالصة. المجابهة المطلوبة تكون بمباشرة لبنان التنقيب عن النفط والغاز في القطاعات Blocks اللبنانية المحاذية للمنشآت النفطية البحرية الإسرائيلية المراد توسيع رقعة تنقيبها واستثمارها. ركيزتا المجابهة: (أ) توجيه شركات روسية لقبول التعاقد مع الحكومة اللبنانية للتنقيب عن النفط والغاز في القطاعات المشار إليها آنفا، و(ب) إعلان قيادة المقاومة اللبنانية استعدادها لتدمير منشآت “إسرائيل” النفطية البحرية، إذا ما حاولت منع لبنان من التنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية، بدعوى أنها منطقة متنازع عليها. هذا التهديد كافٍ بحد ذاته لمنع “إسرائيل” من الاعتداء.


ثالثا: إقناع كلٍّ من تركيا ومصر وسوريا ولبنان بالتعاون للتنقيب عن النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بحيث تتمكن مجتمعة أو منفردة في إنشاء خط إمداد إضافي (بحري وبري) لنقل مختلف مواد الطاقة إلى أوروبا التي تفتقدها نتيجةَ الحرب في أوكرانيا، أو بفعل الضغط الأمريكي على أوروبا للاستعاضة عن الغاز الروسي بالغاز من أمريكا وحلفائها، وإن كان أغلى ثمنا وأصعب نقلا وتسويقا.


تبدو هذه الخيارات الثلاثة صعبة التنفيذ في المدى القصير، لكن التخطيط لإمكان تحويل محنة الحرب في أوكرانيا إلى فرصة لاستشراف واعتماد طرائق جديدة لاستثمار موارد دول المشرق العربي من النفط والغاز بمنأى عن ضغوط أمريكا وحلفائها، تبدو واقعية وجديرة بالمجازفة.

 

(القدس العربي)