صحافة دولية

MEE: استهداف الحجاب في الهند يثير مخاوف المسلمين

حملات عنصرية ضد المسلمين على منصات التواصل الاجتماعي في الهند - جيتي

يعيش المسلمون في الهند تحت وطأة الصدمة بسبب تصاعد الهجمات على الطلبة المسلمين بسبب هويتهم الدينية، ويؤجج ذلك الزعماء السياسيون في البلاد.

ونشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للأستاذ المساعد، ومدير التعليم الجامعي في الكلية الإسلامية الأمريكية بمدينة شيكاغو، شبانا مير، حول منع طالبات مسلمات من دخول الحرم الجامعي في ولاية كارناتاكا الهندية بسبب ارتداء الحجاب.

وأشارت مؤلفة كتاب "النساء الأمريكيات المسلمات داخل الجامعات: حياتهن الاجتماعية وهويتهن"، إلى أن هذه المشاهد تسلط الضوء على الأجواء التي تواجهها هذه الأقلية السياسية المحاصرة في الهند.

 وتابعت مير: "تم استبعاد النساء وحيل بينهن وبين دخول الفصول لأنهن يرتدين خُمراً على رؤوسهن أو لأنهن منقبات. بسبب غياب المساندة من حكومة البي جيه بيه بزعامة رئيس الوزراء نارندرا مودي، توجهت الفتيات إلى وسائل الإعلام لشرح قضيتهن على أمل أن يتمكنَّ في نهاية المطاف من أخذ الامتحانات والمضي قدماً فيما بعد في حياتهن المهنية".

وعلى الرغم من الارتفاع الذي شهدته السنوات الأخيرة في وتيرة الهجمات وخطاب الكراهية الصادر عن عناصر من داخل الأغلبية الهندوسية ضد المجتمعات غير الهندوسية، إلا أن مثل هذا العنف ليس جديداً. فالمسلمون بالذات يُنظر إليهم باعتبارهم يشكلون تهديداً ديمغرافياً وسياسياً لما يسمى الرشترا الهندوسية (أي الدولة التي تقوم على التفوق الديني الهندوسي). لم يزل المسلمون يتعرضون للتهديد بارتكاب مذابح ضدهم، كما يتعرضون لهجمات ترتكبها عصابات من الرعاع الذين يهتفون بشعارات قومية ودينية هندوسية بينما ينهالون على المسلمين بالضرب المبرح ويشعلون فيهم النار وهم أحياء ويعتدون على مساجدهم ويعيثون فيها تخريباً وتدميراً.

 

اقرأ أيضا: تقرير يرصد قصصا عن نشر الإسلاموفوبيا بالهند عبر الإنترنت

حتى وقت قريب لم يزل الرجال المسلمون هم المستهدفون من قبل حملات الإسلاموفوبيا في الهند، وذلك تحت ستار إجراءات الشرطة لمكافحة الإرهاب وما يسمى "جهاد الحب" وما يرافق ذلك من متابعة ومراقبة وتصيد. ولكن ما لبثت النساء المسلمات أن شملتهن هذه الحملات، والتي تتضمن قيام شبكات الهندوتفا ومجنديها بادعاء تنظيم مزادات لبيع النساء المسلمات عبر الإنترنيت مستخدمين عبارات وألفاظا مشينة ومهينة.

عبرت الصحفية عصمت آرا عن شديد استيائها حين اكتشفت أن المشبوهين الذين تتشكل منهم هذه الشبكات كلهم من الشباب، ومن بينهم فتاة يتيمة في الثامنة عشرة من العمر، فكتبت تقول: "أي شيء أكثر من ذلك يعبر عن العفن الذي استشرى في المجتمع الهندي اليوم؟".

 "لماذا بقيتم هنا؟"

يعمد الفتيان والفتيات الهندوس إلى ارتداء الأوشحة زعفرانية اللون داخل الجامعات احتجاجاً على الحجاب، محولين الأمر إلى عملية انتقامية لزعمهم بأن الحقوق الهندوسية يتم انتهاكها من قبل النساء المسلمات اللواتي يرتدين الزي الإسلامي. بالنسبة للشباب الهندوس، يبدو أن ارتداء الأوشحة الزعفرانية في مواجهة غطاء الرأس الذي ترتديه المرأة المسلمة إنما يقصد منه التعبير عن الهيمنة الهندوسية، وذلك على الرغم من أن المسلمين أقلية لا تزيد نسبتهم عن 14.2 بالمائة بينما تصل نسبة الهندوس إلى 79.8 بالمائة من مجمل السكان.

في هذه الأثناء يخشى الطلبة المسلمون من الأثر الذي يمكن أن يتركه النزاع المطول على علاماتهم، ويشعرون بالصدمة إزاء تصاعد الهجمات التي تشن على هويتهم الدينية.

تقول بعض إدارات الجامعات إنها تنفذ تعليمات الحكومة، بينما يزعم المسؤولون زوراً بأن الحجاب ينتهك النظم التي تحكم الزي الرسمي للجامعات. في هذه الأثناء يغرق المعلقون الموتورون وسائل التواصل الاجتماعي بالتدوينات والمقالات التي تحذر من أنه إذا ما تم السماح بارتداء الحجاب والخمار داخل المعاهد التعليمية، فإن المسلمين الهنود سيعمدون من بعد إلى فرض "قانون الشريعة" على البلاد.

لقد انتشر هوس الرعاع برعاية الزعماء السياسيين في البلاد من كارناتاكا إلى ولايات أخرى. ومؤخراً قال وزير التعليم في ولاية ماضيا برادش إن الحجاب لسوف يُحظر داخل المدارس في أرجاء الولاية، بينما ذهب بعض أساتذة الجامعات إلى المطالبة بأن يتخلى الطلبة المسلمون عن تحية بعضهم البعض بالتحية الإسلامية (السلام) بل والمطالبة بأن يتوقفوا عن التحدث بالأردو، لغة المسلمين في الهند.

وقال عضو هندوسي في البرلمان اسمه براتاب سيمها إن المسلمين الذين يرتدون ملابس دينية مميزة ينبغي أن يذهبوا إلى المدارس الإسلامية الدينية، مضيفاً أن الهند بلد هندوسي لا ينتمي الإسلام إليه. وقال: "إذا كنتم تصرون على ممارسة الشريعة، فقد منحناكم بلداً منفصلاً في عام 1947 ... فلماذا إذن تبقون هنا؟".

 

Embed from Getty Images



ليس جديداً أن يُهتف في وجوه المسلمين بعبارة "اذهبوا إلى الباكستان"، كما أن ذلك الهتاف ليس مجرد إغاظة غير مؤذية، بل يذكر ذلك بالمذابح التي وقعت للمسلمين في غوجرات في عام 2002.

الحشر في الزاوية

رُسمت خطوط المعارك داخل المؤسسات التعليمية بين عشية وضحاها، مما حشر النساء المسلمات في الزاوية، حيث غدا انتماؤهن الديني هو هويتهن الأساسية، التي تستغل لاجتثاثهن من المجال السياسي كما لو كن فيروسات. بل وصل الأمر بأحد المسؤولين في ولاية كارناتاكا إلى أن يأمر النساء اللواتي يرتدين الحجاب بالتوقف عن الذهاب إلى الكلية نظراً لأنهن "يلوثن الأجواء داخل الكلية."

وكما يحدث في معظم الصراعات السياسية والأيديولوجية ينتهي المطاف بأجساد النساء لتغدو ميادين للمعارك. فقد غدت ملابس النساء المسلمات إما فيروساً لابد من التخلص منه أو قضية ينبغي التصدي للدفاع عنها، أي أنها تتعرض للتقديس والشيطنة في نفس الوقت.

وكما كتبت طالبة في التاسعة عشرة من العمر تقول: "كنت قد قرأت في مواقع التواصل الاجتماعي عن التمييز الذي يمارس ضد المسلمين في البلد، ولكنني الآن أتعرض له للمرة الأولى. لقد جعلني ذلك أدرك أنني مسلمة، أنني شخص يرتدي زياً مختلفاً. ولم تكن مثل هذه الأشياء تخطر ببالي من قبل."

استغل المتطرفون الهندوس قضية الحجاب لكي يصوروا المسلمين كما لو كانوا غرباء جاءوا ليفتعلوا المشاكل. لجأ الناطقون باسم المنظمات الهندوسية المتطرفة إلى مواقع التواصل الاجتماعي ليحقروا من شأن الحجاب باعتباره أداة قهر، واعتبروا زوراً وبهتاناً حجاب المرأة المسلمة نقيضاً للوشاح الزعفراني الذي يرتديه الرجال الهندوس.

ظهر هذا الأسبوع مقطع فيديو لامرأة مسلمة وحيدة ترتدي الزي الإسلامي وهي متوجهة إلى الجامعة بينما يطاردها رجال هندوس يرتدون الأوشحة الزعفرانية وتعلو أصواتهم بالهتاف ضدها. ولكن بدلاً من أن تهرب راحت الفتاة تهتف "الله أكبر"، مما أثار الإعجاب بها وبثباتها على موقفها. واليوم، يرى فيها الغرباء "مقاتلة من أجل الحجاب".

يجري حشر المسلمين الهنود في زاوية الهوية المسلمة الانعزالية، بحيث يحرمون من الهوية الوطنية والمجتمعية المشتركة، بل ويحرمون كذلك من التعليم.

ومع ذلك، ظل القلق بشأن وضع النساء المسلمات في الهند محصوراً إلى حد بعيد داخل المجتمعات الإسلامية، ولا يملك المرء إلا أن يتساءل عن موقف المدافعين عن حقوق الإنسان في الغرب ونشطاء الدفاع عن حقوق المرأة الذين أعجبوا بالمحبوبة مالالا يوسف زاي. يوحي صمتهم بأن اهتماماتهم لا يدخل ضمنها الأخطار المحدقة بالمستقبل التعليمي للنساء المسلمات في الهند.

يبدو أن النجدة توفر للنساء المسلمات فقط عندما يكون القهر بحقهن صادراً عن الرجال المسلمين وفقط طالما نأت النساء المسلمات بأنفسهن عن الشعائر الإسلامية وعن المجتمعات المسلمة.