كتب

الديمقراطية قضية محورية في العالم العربي.. لماذا؟

لماذا أصبحت الديمقراطية تشكل طوق نجاة العرب؟ كتاب يجيب (عربي21)

الكتاب: الديمقراطية طوق نجاة للمجتمعات والدول العربية
المؤلف: علي خليفة الكواري
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، 2021

يعيد الباحث والأكاديمي القطري علي خليفة الكواري في كتابه هذا نشر مجموعة من الدراسات المعمقة في الديمقراطية والمواطنة في المجتمعات العربية، كان قد أنجزها على مدى عقدين، يناقش فيها أهم العوامل والتحديات التي تواجه هذه المجتمعات في سعيها لتحقيق الديمقراطية، بما فيها العوامل البنيوية الداخلية والعوامل الخارجية. 

ومع ما شهده العالم العربي من حركة احتجاجات استثنائية خلال السنوات الأخيرة يرى الكواري، أستاذ الاقتصاد والحاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة، أن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان أضحت من أكثر القضايا المحورية في المجتمعات العربية، وبخاصة بعدما فشلت أنظمة الحكم القائمة في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، كما فشلت في إشراك مواطنيها في رسم السياسات العامة.

إن مبررات السعي لتحقيق الديمقراطية في العالم العربي هي مبررات عقلانية وعملية، فالاعتبارات التي تعطي أفضلية لنظم الحكم الديمقراطية على نظم حكم الوصاية تنطبق على العرب مثلما تنطبق على غيرهم من الشعوب والأمم. فالمساواة في الحقوق والواجبات، وصيانة حرية الإنسان، وسيادة حكم القانون، كلها قيم عالية عند العرب والمسلمين، بحسب ما يقول الكواري. 

وهو إلى ذلك يضيف مبررات أخرى لضرورة تبني النهج الديمقراطي منها أن غيابه يعني ازدياد خطر وقوع حروب أهلية، واحتمال تفكيك المجتمعات العربية من الداخل، وإعادة تشكيل البلدان العربية على أسس طائفية وعرقية ودينية، عدا عن فتح الباب للقوى الخارجية المعادية كي تعيد تشكيل المجتمعات العربية وفق مطامعها. فضلا عن أن ما تعانيه المجتمعات العربية أصلا من قصور في العمل الرسمي وتغليب المصالح الشخصية للفئات الحاكمة على التطلعات العامة للشعوب يجعل من استدعاء الديمقراطية أمرا ملحّاً.

مفهوم المواطنة

يعرض الكواري في الفصل الأول لمفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية، ويقدم لمحة تاريخية حول بروز هذا المفهوم في العصور القديمة، ويناقش قرب العرب والمسلمين الأوائل من مفهوم المواطنة، وكيف أعيد اكتشاف مبدأ المواطنة في أوروبا في القرن الثالث عشر، وصولا إلى المفهوم المعاصر للمواطنة. ويرى أن القاسم المشترك في وقتنا الحاضر المعبّر عن وجود قناعة فكرية والتزام سياسي بمبدأ المواطنة يتمثل بالتوافق المجتمعي على اعتبار المواطنة مصدر الحقوق ومناط الواجبات لكل من يحمل جنسية الدولة، دون تمييز ديني أو عرقي أو جنسي، ومن ثم تجسيد ذلك التوافق في دستور ديمقراطي.

لكنه يلفت الانتباه إلى أن الجوانب المدنية والقانونية والسياسية من حقوق المواطنة وواجباتها ليست كافية للتعبير عن مراعاة مبدأ المواطنة، فإلى جانب ذلك هناك أيضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي لا بد من توفر حد أدنى منها ليتحقق مبدأ المواطنة، وعندها تنتقل المواطنة من مجرد توافق سياسي تعكسه نصوص قانونية، لتصبح المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات قيمة اجتماعية وممارسة سلوكية يعبر أداؤها من قبل المواطنين عن نضج ثقافي وإدراك حقيقي لفضيلة المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز بسبب دين أو مذهب أو عرق.

 

إن مبررات السعي لتحقيق الديمقراطية في العالم العربي هي مبررات عقلانية وعملية، فالاعتبارات التي تعطي أفضلية لنظم الحكم الديمقراطية على نظم حكم الوصاية تنطبق على العرب مثلما تنطبق على غيرهم من الشعوب والأمم. فالمساواة في الحقوق والواجبات، وصيانة حرية الإنسان، وسيادة حكم القانون، كلها قيم عالية عند العرب والمسلمين، بحسب ما يقول الكواري.

 



ينتقل الكواري في الفصل الثاني من الكتاب للحديث عن إمكانية الوصول إلى مفهوم جامع للديمقراطية يعزز الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية في الدول العربية. يقول أن مفهوم الديمقراطية لدى القوى التي تنشد التغيير في الدول العربية ما زال غير متفق عليه، ولا يشكل قاسما مشتركا بينها، فبعض الحركات والأحزاب تعتبر الديمقراطية مجرد آلية للانتخابات، والبعض الآخر يراها مطابقة لليبرالية بما يعني تبني القيم الفردية المتطرفة اجتماعيا والرأسمالية المتوحشة اقتصاديا. 

لكنه يستدرك على ذلك بالإشارة إلى أن مقاربات الديمقراطية في الوقت الحالي تطورت ونمت بعدما انتشرت الممارسات الديمقراطية خارج دائرة الحضارة الغربية، بحيث أصبح من الممكن مراعاة التفضيلات المجتمعية دون احتكار عقيدة ما لمفهوم الديمقراطية وتحويلها إلى مجرد آلية من آليات الخضوع. ومع ذلك فإنه لا بد من التأكيد على أن للحكم الديمقراطي مقومات أيضا لا يستقيم بدونها. 

بحسب الكواري هناك مقومات عامة مشتركة بين أنظمة الحكم الديمقراطي هي أولا مبدأ أن الشعب مصدر السلطات نصا وروحا وعلى أرض الواقع، وأن لا تكون هناك بشكل ظاهر أو مبطن سيادة أو وصاية لفرد أو قلة على الشعب. ثانيا تطبيق مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية الفاعلة، وثالثا تطبيق مبدأ العقد المجتمعي المتجدد الذي يتم تجسيده في دستور ديمقراطي ملزم لكل مواطن عبر الأجيال، حاكما كان أو محكوما. ورابعا قيام الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني على قاعدة المواطنة وممارسة الديمقراطية داخلها وفيما بينها. وخامس هذه المقومات الاحتكام إلى شرعية دستور ديمقراطي.

كتلة تاريخية ديمقراطية

يشير الكواري إلى أن أحد أهم أسباب تأخر الدول العربية في الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية هو غياب كتلة تاريخية فاعلة في كل دولة من الدول العربية تؤسس تنظيمها الداخلي والعلاقة بين أطرافها على قاعدة الديمقراطية، وتعمل أطرافها بشكل مشترك من أجل إقامة حكم ديمقراطي.هذه الكتلة المنشودة لا تلغي الأطراف المنضمين إليها ولا تحل محلهم. فهي تجمع قواهم وتوحد جهودهم تجاه برنامج عمل مشترك يستند إلى أولوية عليا جامعة هي تنمية طلب فعال على الديمقراطية والضغط من أجل انتقال أنظمة حكم الفرد أو القلة إلى الحكم الديمقراطي. وهي بهذا المعنى ليست توافقا تاريخيا على برامج غقتصادية أو اجتماعية محددة، وإنما توافق حول وضع إطار سياسي ديمقراطي يمكّن كل التيارات والقوى السياسية من العمل بحرية وشفافية. ولهذا فهناك إمكان لأن يتنافس أطراف الكتلة بعد إقامة النظام الديمقراطي.

يتوقف الكواري أيضا عند الواقع الراهن للحركة الديمقراطية في دول مجلس التعاون الخليجي التي يصفها بالضعيفة. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب أهمها غياب الأحزاب السياسية التي تعارض قيامها جميع نظم الحكم في الخليج، وعدم قدرة الأفراد والجماعات الذين ينشدون التغيير على الانخراط في حركة دستورية ديمقراطية بسبب غياب قواسم مشتركة تغلّب أمر التوافق بينهم على دستور ديمقراطي على اختلافاتهم الأخرى. 

كذلك فإن آلية الضبط السلطوي ـ الريعي التي تتبعها نظم الحكم تحول دون تنمية تنظيمات سياسية وبروز قيادات ديمقراطية، بدلا من "الوجهاء" الذين يهتم بهم البروتوكول والإعلام في المناسبات لملء الفراغ، بحسب تعبيره. 

يضاف إلى ذلك عقبات مثل ضخامة المصالح الاقتصادية والسياسية للأسر الحاكمة، وضخامة المصالح الأجنبية التجارية والعسكرية الأمنية في المنطقة، حيث ترى هذه القوى الغربية خطورة في تحول الأنظمة الحاكمة إلى أنظمة ديمقراطية تؤثر على مصالحهاغير المشروعة، واحتمال تعارض التوجهات الوطنية مع استراتيجياتها للهيمنة.

 

الانتفاضات قامت بمبادرة من شباب يتطلع إلى التغيير، مواصلا تحركات ومطالبات شعبية سبقت نزوله الجرىء والمفاجىء إلى الشارع، وقد انضمت قوى معارضة متنوعة إلى الشباب تدريجيا، دون أن تكون هناك كتلة تاريخية متوافقة على قاعدة الديمقراطية ومتفقة على قيام نظام حكم ديمقراطي. 

 



ينظر الكواري إلى تحركات الشارع العربي في العقدين الأخيرين من أجل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية باعتبارها ظاهرة جديدة. فقد تحرك الشارع في الماضي، في أغلب البلدان العربية، من أجل مطالب معيشية ووطنية عامة، ومن أجل الاستقلال ومقاومة الاحتلال، كما تحرك ضد ظلم الحكام وفسادهم، لكنه لم يتحرك من أجل الديمقراطية، إذ يؤشر ذلك على قناعة بدأت تسود بأن الديمقراطية إلى جانب كونها هدفا بحد ذاتها فإنها هي أيضا وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى.

 

ويقصد الكواري بتحركات الشارع التحرك الجامع المعبر عن توجهات المجتمع بوجه عام، والذي يضم مختلف القوى والتيارات التي تنشد التغيير السلمي، من دون إقصاء لأي جماعة أو تمييز بين المواطنين. وهو تحرك يعبر عن بروز موقف ثوري. لكن هذه التحركات، التي تعبر عن الانسداد والاحتقان السياسي، تحتاج إلى وقت يمتد إلى عقد من الزمن أو أكثر، وذلك حتى تمر الحركة الوطنية للتغيير خلاله بترتيب أوضاع المعارضة وتنمية القواسم المشتركة وفرز قياداتها، وصولا إلى مشروع يطالب سلميا بنظام حكم ديمقراطي. 

في محاولته لقراءة أسباب تعثر الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية في الدول العربية، وخاصة تلك التي شهدت انتفاضات شعبية كبيرة منذ العام 2011"باغتت" الداخل والخارج، يرى الكواري أن هناك ثلاثة عوامل ساهمت في هذا الإخفاق هي أولا تشبث نظم حكم الاستبداد والفئات الطفيلية المنتفعة من تلك الأنظمة بامتيازاتها، حتى بعد أن يسقط رأس النظام. حيث يعيد هؤلاء ترتيب أنفسهم لمواجهة آثار هذه الانتفاضات وإجهاضها، وهو أمر متوقع. 

وثانيا دور القوى الدولية الكبرى الحامية لأنظمة الحكم الفاسدة، التي بعد أن فاجأتها هذه الثورات أعادت ترتيب أوراقها وعادت لتمتلك زمام المبادرة عن طريق الإعلم والاستخبارات وغيرها من وسائل التدخل المتاحة، فأصبحت وحلفاؤها الإقليميون في مركز توجيه الانتفاضات والتأثير في مسار الثورات ولجمها بما يناسب مصالحها غير المشروعة. 

وثالثا وهو الأهم، كما يقول الكواري، فشل التوافق بين القوى التي شاركت في التحركات من أجل قيام نظم حكم ديمقراطية، وعجزها عن التوصل إلى أهداف وطنية جامعة وفرز قيادة سياسية. فالانتفاضات قامت بمبادرة من شباب يتطلع إلى التغيير، مواصلا تحركات ومطالبات شعبية سبقت نزوله الجريء والمفاجئ إلى الشارع، وقد انضمت قوى معارضة متنوعة إلى الشباب تدريجيا، دون أن تكون هناك كتلة تاريخية متوافقة على قاعدة الديمقراطية ومتفقة على قيام نظام حكم ديمقراطي. وحالما سقط رأس السلطة فقد وجدت هذه التيارات والقوى نفسها في مواجهة بعضها بعضا، يضع كل منها قواعد النظام البديل وفقا لعقائده ومصالحه.