كتاب عربي 21

من أين تأتيه الضربة؟!

1300x600
لا يعرف الجنرال من أين تأتيه الضربة، فيغلَق باب للعدو ويُفتح باب من جانب الصديق، ليكون كالدبة التي قتلت صاحبها، ولا يعلم جنود ربك إلا هو!

فلعله تنفس الصعداء بوقف البرامج الموجعة في قناتي الأعداء "مكملين" و"الشرق"، وبعدها ظلت المصالحة تراوح مكانها، فقد اندفع الأتراك ولم يتعاملوا مع الجانب المصري باعتبار طلباته تستدعي التعامل معها وفق قواعد الضرورة التي تقدر بقدرها، ولكنهم ذهبوا بعيداً بالطلب من الإعلاميين التوقف عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي كبديل لبرامجهم.

وإذ تصرفوا كصدام حسين عندما تخلص من سلاحه النووي بإرادته فكان هذا دافعاً للغزو الأمريكي، فإن أهل الحكم في مصر تصرفوا على قاعدة "من حق الجميل يدلع"، فلم تتقدم المصالحة خطوة للأمام، ونعتقد أنها ستظل هكذا انتظاراً لنتيجة الانتخابات الرئاسية التركية في 2023. فقد حصل الجنرال على ما يريد دفعة واحدة، وليست أنقرة من بلاد النفط حتى يخضع لها بالقول، ولا يشغله كثيراً التعاون التجاري، أو الاستثمارات الاقتصادية، والفائدة التي تعود على المصريين من وراء الاستثمار التركي، ففي هذا السياق لا يشغله إلا ما يحصل عليه عداً ونقداً، وعلى عينك يا تاجر!

والحال كذلك، فإن الضربات الموجعة أصبحت تأتيه من داخل معسكره، قصداً بالجهل وجهلاً بالقصد، على نحو يؤكد الحكمة المتوارثة: "عدو عاقل خير من صديق جاهل". وفي أسبوع واحد أضرت ممثلتان على هامش الحركة الفنية؛ به ضرراً كبيراً، ساعدهما على المهمة صحيفة وموقع إلكتروني، من إعلام المولاة، وصحيفة مملوكة بكاملها للنظام، وتدار بواسطته!
الضربات الموجعة أصبحت تأتيه من داخل معسكره، قصداً بالجهل وجهلاً بالقصد، على نحو يؤكد الحكمة المتوارثة: "عدو عاقل خير من صديق جاهل". وفي أسبوع واحد أضرت ممثلتان على هامش الحركة الفنية؛ به ضرراً كبيراً

أعرف الفنانة الأولى "أيتن عامر"، وكونها الشقيقة الصغرى لـ"وفاء عامر"، فقد ساهم هذا في شهرتها، ورغم أنها في الأدوار التي قامت بها "لا بأس"، إلا أنها تظل فنانة على الهامش، وإن كنت لا أعرف الأخرى "نجلاء بدر"، التي شاركتها في مهمة الإضرار بالمصالح العليا للسيسي بدون قصد، وبحسن نية وسلامة طويّة، ولكن قديماً قيل إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!

تشكيل عصابي:

كتبت "أيتن عامر" أن كونها شاركت في مسلسلين في عام واحد، فإن الضرائب تطالبها بـ33 مليون جنيه، قبل أن تعدل عن أقوالها وتشير إلى أن الطلب لموضوع آخر، لم نفهمه ولم تسمه بوضوح، الأمر الذي عزز من صدق الراوية التي نشرت نقلاً عنها!

أما "نجلاء بدر"، فقد كتبت أنها مطالبة بدفع ضريبة القيمة المضافة على برامج لم تحصل منها على أجر، قبل أن تعلق: هل نحن "سندفع فلوسنا بالإكراه"؟!

ولك أن تتخيل أن مستثمراً أجنبياً "عربياً" أم "أعجمياً"، طالع المنسوب لفنانتين، في النهاية لسن محسوبات على السياسة، كما "صفوان ثابت" صاحب شركات جهينة للألبان، و"رجب السويركي" صاحب "التوحيد والنور"، اللذان تم القبض عليهما ومعهما نجل الأول ويتعرضون للتنكيل الآن في السجون، وقد وضع النظام يده على شركاتهما، فهناك شبهة سياسة في الأمر، من خلال الاتهام بالعلاقة مع الإخوان، وهو أمر لا أناقشه الآن، فقط أضع نفسي مكان المستثمر الأجنبي!

وعندما يقرأ المستثمر المنشور المنسوب إلى "أيتن" و"نجلاء"، فلا بد أن يستقر في وجدانه أن الضرائب تشكيل عصابي، وليست مؤسسة تابعة لحكومة في دولة تمتلك الحد الأدنى من الإدارة الرشيدة بشكل يجعل مصر مكاناً يصلح للاستثمار.
عندما يقرأ المستثمر المنشور المنسوب إلى "أيتن" و"نجلاء"، فلا بد أن يستقر في وجدانه أن الضرائب تشكيل عصابي، وليست مؤسسة تابعة لحكومة في دولة تمتلك الحد الأدنى من الإدارة الرشيدة بشكل يجعل مصر مكاناً يصلح للاستثمار

والأولى، تتحدث عن التقديرات الجزافية للضرائب، فمجرد تصويرها لمسلسلين دفع المؤسسة الضريبية إلى مطالبتها بهذا المبلغ الخرافي، في حين أن الأمور يمكن ضبطها من خلالها الجهة المنتجة، وهي في النهاية تتبع السلطة التي احتكرت الإنتاج الدرامي، لكن عندما تتجاوز مصلحة الضرائب العقود، وتفرض ضرائب خيالية بحسب الظن، فإن الأمر هنا سيدفعه حتماً إلى الفرار من الاستثمار في مصر فراره من الأسد!

أما الثانية، فتتحدث عن ضريبة تصفها بأنها غير مفهومة وهي "ضريبة القيمة المضافة"، ورغم ما صرح به نقيب الممثلين من إعفاء الفنانين منها، فقد تمت مطالبتها بها. وليس هذا فحسب، فهذه "الضريبة غير المفهومة"، تقدر - كذلك - جزافاً وعلى مشاركتها في برامج لم تتقاض عليها أجراً. والأمر لا يحتاج إلى الإجابة الشهيرة على سؤال: أين أذنك يا حجا؟ بأن تتحرك يده اليمني خلف رأسه لتمسك بالأذن اليسرى لتكون الإجابة: ها هي!

فلو طالعت الجهة المنوط بها تحصيل الضريبة هذه على مستندات القنوات التلفزيونية لوقفت بسهولة على أنها لم تحصل على أجر لكي تطالبها بضريبة عليه، لأن الأصل في هذا المبلغ أن يخصم من الوعاء الضريبي للقناة، لنكون هنا بين أمرين: إما أن القناة تزور في المستندات لتثبت أنها دفعت مقابل المشاركة بدون وجه حق، وإما أن الممثلة تكذب، الأمر الذي سيجعل من مهمة مصلحة الضرائب أكثر إثارة، لكن التهاون بفرض الضرائب جزافاً هو أمر مخيف إذا علمنا أن رأس المال جبان!

أين ترعرعت سيدتي؟

ونأتي إلى ثالثة الأثافي، فـ"أيتن عامر" و"نجلاء بدر" كتبتا هذا الكلام على صفحاتهما، وكان يمكن ألا يلفت انتباه كثيرين، لولا أن صحفاً ومواقع محسوبة على النظام الحاكم هي من نقلت هذا الكلام فأعطته مصداقية، ربما كان يفتقدها!

فقد نقلت جريدة "الشروق" المكتوب على هيئة خبر وتصريحات على لسان "أيتن"، أما موقع "صدى البلد" المملوك لوكيل البرلمان ورجل الأعمال محمد أبو العينين، فقد نقل التغريدة على هيئة تساؤل هو "هل تواجه الفنانة أيتن عامر السجن؟"، وجاء في المتن أن ما كتبته أثار قلق مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يكون هناك قلق ولا يحزنون، لكن النشر تم من باب التضخيم لإعطاء القضية اهتماماً كبيراً، ولأسباب هي في "بطن الشاعر"!

بيد أن صحيفة "المصري اليوم" هي التي اهتمت بخبر الفنانة "نجلاء بدر"، وبشكل لافت صورتها للقارئ أن جهله بها يعود إليه، فمن يجهل سيدة الغناء العربي؟!

و"المصري اليوم" هي صحيفة رجل الأعمال صلاح دياب، الذي تم الضغط عليه والتنكيل به حتى يتنازل عنها لأهل الحكم ليديروها إدارة كاملة.. فانظر من أين يأتي الخطر؟!

جانب من المشكلة مرده إلى أن السلطة الحاكمة ألغت مهنة الصحافة، ومن هنا كان على الصحف أن تهرب إلى النشر الآمن، بالاستغراق في أخبار الفنانين والفنانات وبالتافه من الأمور، على نحو أعاد الصحافة إلى زمن أين ترعرعت سيدتي؟ وهو السؤال الذي كان يطرحه الصحفي في فيلم "لعبة الست" (1946) على النجمة السينمائية!
جانب من المشكلة مرده إلى أن السلطة الحاكمة ألغت مهنة الصحافة، ومن هنا كان على الصحف أن تهرب إلى النشر الآمن، بالاستغراق في أخبار الفنانين والفنانات وبالتافه من الأمور، على نحو أعاد الصحافة إلى زمن أين ترعرعت سيدتي؟

وصار الخبر العظيم هو سؤال طرحته واحدة تحتفي بها صحف القوم باعتبارها كاتبة وإعلامية وفنانة ومفكرة لحظة عقد قرانها؛ عن لماذا على مذهب أبو حنيفة النعمان؟ عندما قرأ "المأذون" صيغة عقد القرن، وكأنها فوجئت بها، مع أنها لا تفعل شيئاً غير أنها تتزوج زيجات سريعة وتطلق، أي أن الصيغة تليت أمامها أكثر من مرة، وإذا كانت المفكرة أدهشها الأمر فما وجه الدهشة لدى الصحيفة التي نشرت الدهشة ولم تزلها؟ فلماذا على مذهب أبي حنيفة؟ فلأنه المذهب الرسمي للدولة في الأحوال الشخصية!

ثم تستضيف قناة تلفزيونية الممثلة "نسمة" لتروي نظرتها السابقة للأم المرضعة بأنها بقرة، فتحتفي بذلك الصحف السيارة، ويكون الخبر المهم لصحيفة في زمن الحكم العسكري ليس قيام فنانة بدور في عمل درامي، ولكن في وصف ملابسها، فها هي "رانيا يوسف" تظهر بإطلالة جريئة في ثاني أيام مهرجان الجونة!

وإذا كان لا مندوحة من الهروب للاهتمام بأخبار الفن والفنانات، فإنه كان يمكن أن يخلق هذا دوراً للصحفي، فبدلاً من أن ينقل تغريدة الفنانة للقارئ، كان عليه أن يتميز عن نشطاء منصات التواصل، بسؤال الفنانة عن تفاصيل ما كتبت ويحققه مع الجهات المختصة، مثل مصلحة الضرائب في حالة "أيتن عامر"، وبالاطلاع على أوراق الدعوى المرفوعة عليها، ومناقشة نقيب الممثلين في وعد إعفاء الفنانين من ضريبة القيمة المضافة، وتقديم تعريف لهذه الضريبة عبر أحد المختصين، ومناقشة ادعاء الفنانة "نجلاء" مع فرع الضرائب المختص. وقد يتوسع الصحفي فيعرف ما تقاضته الأولى عن المسلسلين، ومناقشة منتجي البرامج التي شاركت فيها الثانية في أمر الأجر!

وبعيداً عن المهنة التي أصبحت هي "الفريضة الغائبة" في كثير من المؤسسات الإعلامية، فإن اللجوء إلى المساحة الآمنة قد يترتب عليه أضرار عظيمة لحكم الجنرال، ربما كان يتحرج محمد ناصر وحمزة زوبع ومعتز مطر وهشام عبد الله، من التطرق إليها.

لا يعرف من أين ستأتيه الضربة!

twitter.com/selimazouz1