سياسة عربية

هل تنهي مبادرة البارزاني الأزمة السياسية في العراق؟

الظروف الإقليمية والمحلية لن تسمح للمبادرة بأن تتراجع بعض الشيء- جيتي

أثارت المبادرة السياسية التي طرحها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، مسعود البارزاني، للخروج من أزمة تشكيل الحكومة العراقية، تساؤلات بخصوص مدى فاعليتها في إيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف الشيعية المختلفة والذهاب نحو إنهاء الأزمة الحالية.

وأعلن زعيم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني، الاثنين، عن مبادرته السياسية في رسالة موجهة للشعب العراقي، قال فيها إنه "من أجل حل المشاكل وتوفير بيئة مناسبة وجيدة للعملية السياسية في العراق، فقد طرحت مبادرة سياسية".

وأضاف: "في سياق هذه المبادرة، أقترح أن يقوم نيجيرفان بارزاني (رئيس إقليم كردستان) ومحمد الحلبوسي (رئيس البرلمان العراقي) بزيارة مقتدى الصدر والتشاور حول كيفية مواصلة العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل".

وأردف: "آمل أن تكون لهذه المبادرة نتائج إيجابية، وتكون في مصلحة العراق وجميع مكوناته"، دون تفاصيل أكثر.

وعلى إثر ذلك، أجرى وفد ضم رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيريفان البارزاني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، زيارة إلى النجف والتقى بزعيم التيار الصدري، دون الكشف عما أسفرت عنه المباحثات بخصوص المبادرة.

لكن زعيم التيار الصدري، غرّد على "تويتر" عقب اللقاء بالقول: "أوقفوا الإرهاب والعنف ضد الشعب والشركاء، فما زلنا مع تشكيل حكومة أغلبية وطنية ونرحب بالحوار مع المعارضة الوطنية".

ضغوط إقليمية

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، الدكتور عدنان السراج لـ"عربي21" إن "مبادرة البارزاني واضحة بالوفد الذي ضم رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني- وهو من منظوري سياسة التعامل مع القوى الشيعية مجتمعة وليس مع طرف على حساب آخر- إضافة إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر".

وأعرب السراج عن اعتقاده بأن "هذه المبادرة جاءت نتيجة لشعور البارزاني بأن انتخاب رئيس وزراء والعملية السياسية ستصاب بانسداد وشلل في حال جرى تهميش القوى الشيعية الأخرى التي لديها عمق تاريخي واستراتيجي وجماهيري وأمني".

 

اقرأ أيضا: 25 مرشحا للرئاسة العراقية.. والصدر يتمسك بحكومة الوحدة

ولفت الخبير إلى "وجود ضغوطات إقليمية ومحلية تهدد الواقع الأمني والسياسي بالمنطقة، وهذه كلها قُرأت بشكل صحيح وجرى تشكيل الوفد وطرح مبادرة واضحة مفادها أن على الصدر القبول بالتحالف مع القوى الشيعية الأخرى، وإيجاد نوع من التوافق السياسي في تشكيل الحكومة وهيئات السلطة".

وأشار السراج إلى أن "الصدر استلم الرسالة، وأن معناها واضح جدا بأن هناك حالة من عدم الرضا في الساحة السياسية، فالقوى الحليفة للتيار الصدري، قررت إعادة النظر، وبالتالي فنحن بحاجة إلى إعادة الحوار مع القوى الشيعية في الإطار التنسيقي".

ولفت إلى أن "الصدر أراد أن يعطي لنفسه فسحة ليقرأ حجم هذه المبادرة وقوتها ومدى فاعليتها وتأثيرها على المشهد السياسي، وبالتالي فأعتقد أنه يجب أن يستجيب للضغوطات، كما استلمها البارزاني والحلبوسي وقرأوها بشكل صحيح".

وتساءل الخبير العراقي، قائلا: "إذا لم يستجب الصدر للمبادرة، فهل سيمضى صناع المبادرة قدما أم سيكون لهم موقف آخر، وهل سيمررون هذا الرفض للصدر بعنوان آخر، لأن الوقت لا يسمح بأن يكون هناك مساجلات وانتظار للمبادرة بالرفض والإيجاب، لذلك فسيبقى الأمر مقرونا بقوة المبادرة وحجمها وإمكانية فرضها على الصدر".

وخلص السراج إلى أن "الظروف الإقليمية والمحلية لن تسمح للمبادرة بأن تتراجع بعض الشيء، وإنما هذا موقف يشير إلى الخروج عن طبيعة ما كان يعلن من حلفاء التيار الصدري، وأن هناك اليوم اعتراضا على المنهج الذي يقصي الجميع".

تأثير قاآني

وفي المقابل، رأى الباحث والمحلل السياسي العراقي، كاظم ياور أن "مبادرة البارزاني من أجل حلحلة المشاكل السياسية، جاءت في وقت حساس جدا، حيث إن الجميع مقبل على تكملة مناصب الدولة العراقية، إذ سيشهد الأسبوع الحالي انتخاب رئيس الجمهورية، وإن هوشيار زيباري مرشح الحزب الديمقراطي منافس قوي جدا على المنصب".

وأضاف ياور لـ"عربي21" أن "هناك مشاكل أمنية طاغية في المشهد العراقي، وأن ما جرى من استهداف لمطار بغداد الدولي حمل دلالات قوية جدا، بأن العامل الأمني قد يغير من المعادلات والتحالفات السياسية".

وتابع: "أصبح هناك بعض المطالب من دول الجوار الإقليمي، وقد شهدنا زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى العراق وإجراء مباحثات مع بعض المسؤولين العراقيين، وهناك أنباء شبه مؤكدة أن الأخير طلب من البارزاني أن يذهب باتجاه حلحلة بعض المشاكل العالقة خاصة في البيت الشيعي".

وأوضح ياور أن "البارزاني يرى أن التهديدات الأمنية قد طالت مواقع لقوات البيشمركة، فهذه العوامل تضغط على اللاعب السياسي للذهاب إلى إيجاد تسويات سياسية وحلول من شأنها أن تجمع الكل حول طاولة مفاوضات واحدة لتشكيل الحكومة العراقية".

ونوه إلى أن "المبادرة اتسمت بالغموض في محتواها ومطالبها وآلياتها في حلحلة الأزمة، لكننا عندما شاهدنا الوفد الذي ذهب إلى الصدر، فقد علم الجميع أن الدور الرئيس للمبادرة هو إقناع الصدر بأن تشترك قوى الإطار التنسيقي في الحكومة المقبلة، وحلحلة بعض المشاكل الشخصية بينه وبين زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي".

وأردف ياور: "لكن بعد انتهاء الاجتماع فقد غرد الصدر كعادته بالإصرار على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وما عدا ذلك سيكون محاورة للمعارضة الوطنية، بمعنى أنه لم يقتنع بما جاءت به المبادرة التي طرحها البارزاني".

وأشار إلى أن "سرعة الرد من الصدر ربما تكون قد حولت المبادرة إلى اللا شيء، ولكن يبقى استشعار الجانب الكردي متمثلا بالبارزاني وكذلك الطرف السني، بأخطار تهدد مصالحهم السياسية في العراق ومناطق تمثيلهم السياسي الحقيقي سواء في إقليم كردستان أو مناطق السنة، لذلك يحاول هذان الطرفان الاستجابة للمطالب الإقليمية أو من قوى الإطار التنسيقي من أجل تجنب مشاكل سياسية وأمنية في البلد".

ورأى ياور أنه "إذا بقيت الأمور على ما هي عليه وذهبت باتجاه تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وذهاب قوى الإطار التنسيقي إلى المعارضة، فسوف يتأزم الوضع السياسي والأمني".

وطرح الباحث في ختام حديثه تساؤلا بالقول: "هل أن التيار الصدري الحاصل على منصب رئاسة الوزراء، سيكون باستطاعته إدارة الدولة العراقية والاستجابة للمطالب الشعبية؟ فعندها يمكن أن يحجّم الطرف الآخر، ويثبت نفسه أنه قادر على إدارة الدولة العراقية".

وصدرت بعض التسريبات من مواقع عراقية محلية، بأن مبادرة البارزاني اقترحت منح قوى الإطار التنسيقي الشيعي خمس وزارات في الحكومة المقبلة، إضافة إلى منصبي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء، لكن الصدر رفض ذلك، واشترط إبعاد المالكي عن أي حكومة مقبلة.