صحافة دولية

MEE: أوروبا ترصد كافة قوارب المهاجرين لكنها تتركهم يغرقون

مهاجرين غرق جيتي

قال موقع ميدل إيست آي البريطاني، إن عمليات رصد ومراقبة البحر الأبيض المتوسط، تجري بصورة دائمة وشاملة، عبر العديد من الدول وبتنسيق عال، لكن قوارب المهاجرين التي تتعرض للغرق تترك لمصيرها.

وقال الموقع في تقرير ترجمته "عربي21"، إن العمليات الأوروبية للمراقبة والرصد الجوي تعتمد بشكل كثيف على القطاع الخاص، وهو عبارة عن شبكة غير خاضعة للإجراءات الحكومية من حيث التنظيم والأداء، بل يكتنفها الغموض، وتتكون هذه الشبكة التي تستخدمها فرونتكس من مجموعة من شركات الأسلحة والتكنولوجيا.

 

وفي ما يأتي النص الكامل للتقرير: 

في الثاني والعشرين من إبريل/ نيسان من العام الماضي، وعلى مسافة من السواحل الليبية، اكتشفت سفينة أوشن فايكنغ بقايا قارب مطاطي، هشمته عاصفة دهمته في الليلة الماضية فمزقته وتركت جثث من كانوا على متنه عائمة على سطح الماء من حوله. وحلقت طائرة بيضاء فوق المكان ثم اختفت.

وكان قارب البحث والإنقاذ التابع لمنظمة إنسانية تدعى "إس أو إس مديتراني" قد استجاب لإشارة استغاثة وردت من "هاتف إنذار"، وهو عبارة عن خط ساخن يعمل على مدى أربع وعشرين ساعة ويديره نشطاء في منطقة البحر المتوسط. ونظراً لأن هذه المبادرة لا تحظى بتوجيه من أي من دول المنطقة، فقد سلك النشطاء أنماطاً عشوائية من البحث طوال الليل.

تقوم بريتا رابي بتشغيل الهواتف التابعة لمبادرة "هاتف إنذار" منذ تأسيسها في عام 2014.

وعن ذلك صرحت لموقع ميدل إيست آي، قائلة: "ليس لدينا القدرة على منع تحطم القوارب." فكل ما كان بوسعها فعله هو البقاء على الخط والقيام مراراً وتكراراً بالإبلاغ عن مواقع الجي بيه إس إلى حرس السواحل في كل من إيطاليا ومالطا وليبيا، على الرغم من صلفهم وامتناعهم عن الاستجابة.

حاول فريق الإنقاذ مراراً وتكراراً على مدي ما يزيد على العشر ساعات توصيل مواقع الجي بيه إس الخاصة بالقارب المطاطي إلى حرس السواحل في كل من هذه البلدان بينما كان ركاب القارب يصارعون الموت للبقاء على قيد الحياة. وكانت الأجواء سيئة وكان خط الهاتف رديئاً.

بالإضافة إلى الموقع كان نشطاء "هاتف الإنذار" ينقلون كذلك رسائل الاستغاثة الواردة من القارب. كانت المياه تتسرب إلى القارب وكانت الأمواج التي وصل ارتفاعها إلى عدة أقدام تداهمه من كل صوب.

قوبل نشاط الخط الساخن وصراع ركاب القارب مع الموت باستجابة فاترة من السلطات التي لم تعبأ حتى برفع سماعة الهاتف أو اكتفت بالنأي بنفسها عن أي مسؤولية.

قال مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما باقتضاب للقائمين على "هاتف الإنذار" إنه عليهم أن يبلغوا "الجهات المعنية". وكانوا بذلك يقصدون حرس السواحل الليبي، الذي تعذر الوصول إليه.

عندما تمكن "هاتف الإنذار" أخيراً من التحدث إلى شخص ما عبر الهاتف قيل لهم إن الليبيين ليس بإمكانهم إرسال قارب إنقاذ بسبب سوء الأحوال الجوية. فيما بعد اكتشف "هاتف الإنذار" أن حرس السواحل اعترض قارباً آخر في تلك الليلة.

بعد عدة ساعات، شاهد ركاب القارب طائرة تحوم من فوقهم. كانت تلك طائرة مراقبة ورصد من طراز أوسبري 3 تابعة لسلطة حدود الاتحاد الأوروبي التي تعرف باسم "فرونتيكس". سرعان ما غادرت الطائرة الموقع بعد إبلاغ مراكز الإنقاذ الوطني في كل من إيطاليا وليبيا ومالطا وتوجيه نداء استغاثة للفت انتباه السفن التي تبحر في الجوار.

في مقابلة مع موقع ميدل إيست آي، صرح ناطق باسم فرونتيكس قائلاً: "توجهت عدة سفن تجارية كانت متواجدة في المنطقة لتقديم المساعدة. ونظراً لسوء الأحوال الجوية، ولأن وقود الطائرة كاد أن ينفد، فقد اضطرت إلى العودة إلى قاعدتها في وقت متأخر من الليل."

كان آخر اتصال بين "هاتف الإنذار" والقارب في حدود الساعة الثامنة والربع يوم الحادي والعشرين من إبريل. ثم بعد ذلك ساد خط الهاتف الصمت.

في اليوم التالي عادت أوسبري 3 إلى المكان لتجد حطام القارب وجثث ركابه.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت ديانا دادوسك، وهي ناشطة أخرى في "هاتف الإنذار": "شعرنا بسخط شديد بالذات بعد تحطم القارب، لأنك أمام كثير من الحالات التي تتحطم فيها القوارب تتساءل في نفسك ما الذي كان يمكن أن يُعمل لتفادي ذلك؟".

وأضافت: "ولكننا في هذه الحالة كنا على تواصل مع القارب، وتمكنا من تحديد الموقع بدقة، وحاولنا استنفار جميع السلطات."

في صباح اليوم التالي تم تنظيم رحلة بحث وإنقاذ أخرى، ولكنها لم تعثر سوى على قارب مطاطي محطم وجثة واحدة عائمة على سطح الماء.

ولدى سؤال متحدث باسم فرونتكس عن الحادثة قال: "تارة أخرى، إنها العصابات الإجرامية التي تؤثر جني الأرباح على حفظ الأرواح، فتقوم بالزج بالناس في قارب لا يصلح للنقل وتدفع به وبهم إلى عرض البحر في أحوال جوية غاية في السوء."

لم تكن دادوسك على تواصل مع القارب ولكنها حملت على كاهلها المهمة المضنية المتمثلة بالتحري وإعادة تركيب ما وقع في تلك الليلة انطلاقاً من موقع الحطام.

وعن ذلك تقول: "ترك الناس ليموتوا ليست مرة واحدة ولا مرتين بل ثلاث مرات. تخلى عنهم حرس السواحل الليبي... كانت فرونتكس ترصد القارب... ولكنهم غادروا لأن الأحوال الجوية كانت في غاية السوء."

لدى تجميع المعلومات وتركيبها معاً، تمكنت دادوسك من استخلاص شيء واحد ألا وهو أن "ذلك كان جهداً منسقاً."

التظاهر بإنقاذ الأرواح

بالنسبة لدادوسك ورابي لم تكن حادثة إبريل/ نيسان مأساة معزولة، بل كانت جزءاً من نمط.

عندما بدأت رابي العمل في هذا المجال لأول مرة في عام 2014، كانت سلطات الدول المعنية متعاونة، ولكن سرعان ما ساءت الأوضاع بعد عام 2016، وما لبثت، كما تقول، "تزداد سوءاً على سوء".

وبالتدريج سحبت عمليات الإنقاذ بدءاً من تقييد الحكومة الإيطالية للعملية المسماة "ماريه نوسترام" (وهي لفظة لاتينية تعني "بحرنا" وتشير إلى البحر المتوسط) واستمرت لعام كامل ابتداءً من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2013، ثم الانتقال إلى الرصد الجوي من قبل فرونتكس بدءاً من شهر إبريل/ نيسان من عام 2019، الأمر الذي نجم عنه إيجاد فراغ في المركز من البحر المتوسط.

ولهذا السبب وجد الناس الذين كانوا يتعلقون بقارب يغرق في الربيع الماضي أن طائرة رصد أرسلت إليهم بدلاً من سفينة إنقاذ.

كان لهذا التحول أثر ملموس على عمل كل من رابي ودادوسك، فكل ما بات بإمكانهم أن يعملوه هو البقاء على الهاتف لنقل نداءات الاستغاثة مع علمهم بأنها ستقع على آذان صماء.

وعن ذلك تقول رابي: "يسألنا الناس الذي ينتظرون الإغاثة، أوكيه، متى ستأتي النجدة؟ ونقول لهم نحن آسفون لا نعرف متى، وليس بإمكاننا إخباركم لأنه ما من مجيب."

وتضيف: "ولذلك يتوجب علينا إيجاد طرق لإخبارهم الحقيقة من ناحية، ومن ناحية أخرى علينا بطريقة أو بأخرى مساندتهم ليبقوا على قيد الحياة تلك الساعات إلى أن تأتي النجدة. هذا ما يغضبنا ويشعرنا بالأسى."

إلا أن ذلك لم يردع المهاجرين عن محاولة خوض غمار البحر المتوسط لينتقلوا من قارة إلى أخرى على متن قطع مهلهلة من المطاط.

تحدث موقع ميدل إيست آي مع كل من رابي ودادوسك قبل فترة قصيرة من وقوع حادثتي تحطم أمام السواحل الليبية نجم عنهما وفاة أكثر من 160 شخصاً ما بين السابع عشر والثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول. ثم في يوم الأحد السادس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول لفظت المياه على الشواطئ الليبية جثث ستة عشر شخصاً آخرين.

ارتفعت أعداد الوفيات بشكل كبير في المركز من البحر المتوسط في الأشهر الأخيرة، حيث سجلت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة (آي أو إم) 2041 لاجئاً في عداد الموتى والمفقودين في عام 2021 بينما كان العدد المدون في عام 2021 هو 1448.

كما ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم "الدفع بهم للعودة" من قبل حرس السواحل الليبي، والذي هو عبارة عن ائتلاف من جماعات المليشيات ومهربي البشر، بحسب ما تقوله وكالة آي أو إم، إذ بلغ العدد 31500 في عام 2021 بعد أن كان في السنة السابقة 11900.

تقول رابي: "إنهم يتظاهرون بإنقاذ الأرواح، ولكن بإمكانك أن ترى من الأعداد أن تلك ليست غايتهم الرئيسية."

جميع العيون على البحر

وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد حكمت في عام 2012 بأن إيطاليا انتهكت مبادئ حقوق الإنسان من خلال رفض المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي الأفريقيين وهم في عرض البحر. وحرم الحكم الشهير، الذي يعرف باسم "حكم هيرسي"، إعادة اللاجئين قسراً إلى ليبيا. 

رداً على ذلك بدأت أقطار الاتحاد الأوروبي تبحث عن سبل وآليات للتعامل مع الوضع لدى المصدر، وبدأت بتدريب وتجهيز حرس السواحل الليبي حتى يحول دون أن يتمكن المهاجرون من الوصول إلى السواحل الأوروبية.

بالنسبة لنشطاء من مثل رابي ودادوسك، غدا مركز البحر المتوسط "صندوقاً أسود" يزداد اجتيازه صعوبة يوماً بعد يوم.

يبدو البحر المتوسط خال من الدول الفاعلة ولكنه في حقيقة الأمر خاضع من قبلها لمراقبة مكثفة من الجو، حيث تقدم الطائرات الأوروبية الدعم لحرس السواحل.

تعتمد العمليات الأوروبية للمراقبة والرصد الجوي بشكل كثيف على القطاع الخاص، وهو عبارة عن شبكة غير خاضعة للإجراءات الحكومية من حيث التنظيم والأداء، بل ويكتنفها الغموض. تتكون هذه الشبكة التي تستخدمها فرونتكس من مجموعة من شركات الأسلحة والتكنولوجيا.

ما بين عام 2005 وعام 2021 تضخمت ميزانية فرونتكس من 6.3 مليون يورو إلى 534 مليون يورو. ولقد ضمنت هذه المنظمة لنفسها ميزانية للفترة من عام 2021 إلى عام 2027 تصل إلى 5.6 مليار يورو.

وبحسب تنظيمات صادرة في العام 2016، فقد حصلت وكالة الحدود الأوروبية على صلاحية التصرف بممتلكاتها شراء وإقراضاً وإيجاراً. وباتت الان تنفق سدس ميزانيتها على الرصد الجوي، وللقيام بذلك تستأجر الطائرات من الشركات الخاصة لصالح ما يسمى خدمة فرونتكس للرصد الجوي (إف إيه إس إس).

ما يتم رصده وما يدون من بيانات ينقل عبر البث الحي إلى منظومة الرصد الحدودية الأوروبية (يوروسور)، والتي تشكل مركزاً لتبادل المعلومات وإتاحتها لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تقوم بدورها بإتاحة ما يتوفر لديها من معلومات واردة من حدودها.

حروب الطائرات المسيرة

في العام الماضي منحت فرونتكس عقوداً قيمتها 100 مليون يورو لشركات حتى تقوم بتشغيل طائرات مسيرة غير مأهولة للكشف عن اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط.

كان أحد العقود، وقيمته 50 مليون يورو (ما يعادل 56 مليون دولار أمريكي) من نصيب شركة إيرباص الأوروبية المتخصصة في الدفاع الجوي وشركة صناعات الجو والفضاء (آي إيه آي) المملوكة للدولة في إسرائيل من أجل تشغيل طائرتها المسيرة من نوع هيرون. وأبرمت صفقة أخرى قيمتها 50 مليون يورو مع شركة أسلحة إسرائيلية اسمها إلبيت سيستمز حتى تشغل طائرتها المسيرة من طراز هيرميس 900.

تستخدم الطائرتان المسيرتان من قبل الجيش الإسرائيلي في الهجمات التي تشن على قطاع غزة، وهذا يعني أنه من الممكن أن توكل إليها مهام رصد الحدود باعتبارها معدات "قتالية مجربة".

تزعم آي إيه آي أن طائرة هيرون المسيرة بإمكانها التحليق لما يزيد على الـ24 ساعة وأن تغطي مسافة تصل إلى ألف ميل من على ارتفاع 35 ألف قدم. وبحسب ما تقوله إلبيت سيستمز فإن طائرة هيرميس المسيرة لديها القدرة على العمل لما يصل إلى 26 ساعة من على ارتفاع 30 ألف قدم، وتوصف بأنها تتمتع بحواس حادة ولديها عضة قاتلة.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، يقول ماثياس مونروي، الناشط ومحرر مجلة الحقوق المدنية في ألمانيا واسمها "بورجريخت و بوليزاي": "إنهم يسعون لتحسين رصدهم الجوي وصولاً إلى الكمال."

ويضيف: "قارن هذا الأمر بطائرة فرونتكس، فحسب حجم الطائرة، بإمكانها أن تحلق لفترة قصوى تتراوح ما بين 5 إلى 10 ساعات، ولذلك فإن من الأيسر بكثير تغطية المنطقة بأسرها باستخدام طائرة مسيرة."

صرح الناطق باسم فرونتكس لموقع ميدل إيست آي بأن الطائرات المسيرة، وهي غير مسلحة، تتيح للوكالة "أداء مهام رصد الحدود ودعم عمليات الإنقاذ لمدد أطول من الزمن."

في المنطقة الوسطى من البحر المتوسط، تعتبر التكنولوجيا هي الأداة الأخرى المستخدمة من قبل سلطات الدول للتهرب من التزاماتها القانونية بإنقاذ الأشخاص المهددين بالهلاك – وذلك أن القانون لا ينطبق على الطائرات المسيرة غير المأهولة.

قرية بوتيمكين

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال فيليكس وايز، الناطق باسم بعثة الرصد البحري "مونبيرد": "الطائرات المسيرة تغير من قواعد اللعب."

وفي إشارة إلى عمليات الرصد الجوي المتزايدة التي تنفذها فرونتكس وما يقابل ذلك من تزايد مماثل في نسبة الاعتراضات، قال وايز: "لقد زاد بشكل كبير عدد من يدفع بهم للعودة .. يمكننا أن نقول إن 65 بالمائة من الأشخاص الذين يحاولون عبور المنطقة الوسطى من البحر المتوسط يتم دفعهم للعودة إلى ليبيا."

بينما لا تتوفر لديهم صورة كاملة، وذلك لأن الطائرات المسيرة لم تدخل الخدمة إلا ابتداء من شهر مايو/ أيار من عام 2021، فإننا نجد هذه العلاقة معبراً عنها في تقارير مونبيرد، والتي ترسم خطوط طيران الطائرات المسيرة التي تحلق فوق منطقة البحث والإنقاذ الليبية، والتي أنشأها الاتحاد الأوروبي في عام 2018.

يوثق التقرير عدة حالات من الإنقاذ المتأخر وعلاقة الطائرات المسيرة بذلك، كما يشير أيضاً إلى تواجد الطائرات المسيرة في الحالات التي ينفذ فيها حرس السواحل الليبي عمليات إجبار المهاجرين على العودة.

وعن ذلك يقول وايز: "بدون الرصد الجوي سيغدو حرس السواحل الليبي في حالة من العمى التام. ولقد رأينا مرات عديدة أنه كلما وجد فرونتكس قارباً فإنهم يردفون عناصر حرس السواحل الليبي ويرشدونهم مباشرة إلى المواقع التي تتواجد فيها القوارب."

لا يرتبط حرس السواحل الليبي بمنظومة يورسور، إلا أن رسائل الواتسآب المنشورة تكشف عن تبادل الإحداثيات بين فرونتكس وحرس السواحل.

ونظراً لعدم وجود أي اتفاق رسمي بين فرونتكس وليبيا فإنهم يلجأون إلى استخدام قنوات بديلة للتواصل فيما بينهم.

صرح متحدث باسم فرونتكس لموقع ميدل إيست آي بأن وكالة الحدود "لم يحصل بتاتاً أن دخلت في أي تعاون مباشر مع السلطات الليبية ولا تتعاون مع حرس السواحل الليبي."

وقالوا إنه "في أي وقت تكتشف طائرة تابعة لفرونتكس قارباً في محنة، فإنها تقوم مباشرة بإبلاغ مراكز تنسيق الإنقاذ البحري المعنية في المنطقة: إيطاليا ومالطا، إضافة كذلك إلى كل من ليبيا وتونس، فيما لو كان القارب الذي يتعرض للغرق يقع ضمن منطقة البحث والإنقاذ التابعة لهما."

وأضاف الناطق باسم فرونتكس إن الوكالة تحاول في حالات الطوارئ وبكل الوسائل الممكنة "توصيل المعلومات حول أماكن تواجد القوارب التي تمر بمحنة إلى كل من يهمهم الأمر ضمن عمليات الإنقاذ. وهذا يتضمن التواصل عبر الإيميل وكذلك عبر المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وفي بعض الحالات الصعبة نداءات الاستغاثة عبر المذياع."

مثله مثل كثير من الجوانب الأخرى لإجراءات حماية حدود الاتحاد الأوروبي، كانت الغاية من إنشاء منطقة البحث والإنقاذ الليبية في عام 2018 هي التنصل من المسؤولية والتهرب من الالتزام بالقانون.

وقال مونروي في تصريحه لموقع ميدل إيست آي: "أظن أن ذلك يشبه قرية بوتمكين."

ورداً على سؤال وجه لهم من قبل مونروي والعضو الألماني في البرلمان الأوروبي أوزلم دميريل، زعمت المفوضية الأوروبية وكذلك المجلس الأوروبي أنهما لا يعرفان موقع مركز تنسيق الإنقاذ البحري الليبي.

وعن ذلك صرح مونروي لموقع ميدل إيست آي قائلاً: "إذن، بات جلياً أن هذا المركز الذي تناط بها مهمة تنسيق الإنقاذ البحري لا وجود له في الواقع. ولهذا فإنني يمكنني القول إنه لا يجوز قانونياً أن يقوم فرونتكس بتمرير هذه المعلومات إلى الليبيين، وهذا يفسر لماذا يلجأون إلى استخدام الواتساب."

وأما الناطق باسم قوة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي فيقول: "لا ينسق فرونتكس عمليات البحث والإنقاذ. بل بموجب القانون الدولي هذه المهمة ليست من اختصاص مراكز تنسيق الإنقاذ البحري."

وطبقاً لمؤسستي "سي واتش" (الرقابة البحرية) و "ألارم فون" (هاتف الإنذار)، لا تتوفر في مركز تنسيق الإنقاذ البحري الليبي الشروط الإلزامية. بل يكاد يكون من المحال في معظم الأوقات الوصول إلى العاملين في ذلك المركز، ولو حصل التواصل فإنهم لا يتكلمون الإنجليزية.

يقول وايز إن حرس السواحل اكتسب مظهر المهنية إذ يحظى بالتمويل والتجهيز من الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لم يطرأ أي تحسن على أدائه.

ويضيف: "ما زالوا رديئين في ما يقومون به، وكثيراً ما يكونون تحت تأثير المسكرات أو المخدرات... فلا يمكنهم القيام بأي تنسيق."

يقول النشطاء إن حرس السواحل يترددون في القيام بمهام البحث والإنقاذ لأن الغاية الأساسية من وجودهم هو إجبار القوارب على العودة من حيث جاءت، وإعادة المهاجرين إلى الأرض الأفريقية.

وذلك كان هو السبب من وراء رفضهم إرسال قارب للإنقاذ أثناء حادثة التحطم التي وقعت في إبريل/ نيسان الماضي.

يقول وايز إنه حتى حينما يتم إجراء عملية البحث والإنقاذ فإنها تتم بشكل أخرق وباستخدام قوارب ليست سلسة في القيادة، وبطواقم تنقصها المهارة ولا تتوفر لديها المعدات المطلوبة.

ومضى يقول: "يثبت لنا ذلك أن حرس السواحل الليبي ليس لديه اهتمام بتجنيد أشخاص مؤهلين للقيام بمهام الإنقاذ، وكل ما يهمهم هو التقدم بأرقام من شأنها أن تيسر لهم الحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي."

وعلى الرغم من ذلك فإن مونبيرد وألارم فون ملزمون بالاتصال بمركز التنسيق. يقول وايز: "إنه لأمر مريع. كلما شاهدنا قارباً مطاطياً على متنه مائة وخمسون شخصاً فإنه يتوجب علينا الاتصال بالجميع. إذا اكتشف هذا القارب داخل منطقة البحث والإنقاذ الليبية فإنه يتوجب علينا الاتصال بحرس السواحل الليبي."

يحول الرصد ما هو مرئي إلى مخفي

بعد حادثة التحطم التي وقعت في الحادي والعشرين من إبريل/ نيسان، مشطت دادوسك تدوينات عائلات المفقودين في موقع فيسبوك. وعن ذلك تقول متطوعة ألارم فون: "في هذه الحالة، تمكنا فقط من العثور على هويات عشرين شخصاً من بين 130، وما زلنا نبحث عن المزيد."

هذا أصعب جزء من العمل بالنسبة لدادوسك، فمن النادر أن يتم التعرف على معظم الجثث.

كما هو الحال في حوادث التحطم الأخرى، فإن وفيات حادثة إبريل/ نيسان الماضي لم تمر دون إقرار كلي. فقد تواجدت في الموقع سفينة ذي أوشين فايكنغ لكي تسجل الحادث وتدون تفاصيله. ولولا ذلك لوجد نشطاء ألارم فون صعوبة بالغة في إقناع العائلات بأن أحبابهم لقوا مصرعهم، لأنه، وكما تقول دادوسك في تصريحها لموقع ميدل إيست آي، "لا يقوم أحد بالبحث بشكل فعال عن الجثث."

من وجهة نظر دادوسك، تعتبر مهمة عد وتسمية الضحايا أمراً في غاية الأهمية من أجل الكشف بجلاء عن العنف الذي يُرتكب في البحر المتوسط. وتقول: "بينما يجري الكثير من عمليات الرصد والاستكشاف، إلا أن ذلك يجعل الأمور أكثر خفاء."

ولولا ما تقدمه مؤسسة مثل مونبيرد من رصد معاكس لغدت مياه المنطقة الوسطى من البحر المتوسط أشد صعوبة ولما تمكن متطوعو ألارم فون من مخر عبابها بسهولة.

كما أن المقاطع المصورة التي تلتقطها مونبيرد مفيدة جداً لما يقوم به ألارم فون من نشاط حقوقي. وعن ذلك تقول دادوسك: "لقد وثقنا العشرات من حوادث تحطم القوارب .. ولكن لا أحد يعبأ بذلك. ولكن عندما تكون مونبيرد حاضرة وتلتقط الصور فإن الناس تتاح لهم فرصة مشاهدة ما وقع بالفعل."

وكانت العلاقة بين الطرفين متبادلة، وعن ذلك يقول وايز: "لولا ألارم فون لكنا عمياً في الظلام." بعد أن أخبرهم نشطاء ألارم فون بأن طائرتهم تشبه طائرات فرونتكس، أشارت مونبيرد إلى اللون الأحمر الذي يميز الجهة السفلى من طائرتهم.

يعتبر العمل الذي يقوم به نشطاء مثل وايز ودادوسك ورابي بمثابة نور يشع على مياه البحر المتوسط التي تزداد كلاحة.

بينما يناضلون من أجل مزيد من الشفافية على حدودهم البحرية، إلا أن سلطات الدول وكذلك فرونتكس، وعلى الرغم من أنهم يحظون بأحدث تكنولوجيا الرصد والاستكشاف، إلا أنهم يفرضون حجاباً على جثث الضحايا التي تغرق بصمت في مياه البحر.