حقوق وحريات

أكثر من ألف معتقل خلال شهر في مصر.. وانتهاكات بالجملة

علم مصر- الأناضول

يواصل الأمن المصري انتهاكات حقوق الإنسان رغم مرور نحو 100 يوم على إطلاق رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، 11 أيلول/ سبتمبر الماضي.

وفي هذا الإطار، قالت منظمة "كوميتي فور جستس" في تقرير نشرته بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 كانون الأول/ ديسمبر، إن الواقع المرصود على الأرض في مصر بعد 100 يوم من إطلاق "الاستراتيجية"، يؤكد على أنها "لم تتعد كونها حبرا على ورق".

المنظمة رصدت خلال 100 يوم مضت، انتهاكات تشريعية وحقوقية وإعدامات بشكل جماعي، مؤكدة على حدوث 1046 اعتقالا تعسفيا بـ10 محافظات، و187 حالة اختفاء قسري.

ووفق رصد "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، فإن قوات الأمن بمحافظة الشرقية قامت بعمليات اعتقال تعسفي واختفاء قسري بحق 60 مواطنا على مدار شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من مدن وقرى المحافظة.

وعبر "فيسبوك"، أكد الحقوقي أحمد العطار "ارتفاع وتيرة عمليات توقيف المصريين العائدين إلى البلاد في المطارات المصرية، وتفتيشهم وحبسهم على ذمة قضايا نشر أخبار كاذبة".


وفي السياق، طالب أهالي قرية مصرية النظام العسكري الحاكم بوقف حملات الاعتقالات المتواصلة في صفوف أبنائهم حتى بلغت نحو 25 معتقلا منذ الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013.

وفي رسالة استغاثة وصلت "عربي21"، أكد أهالي المعتقلين من قرية "ميت سهيل"، مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية (شمال شرق القاهرة)، أن حملات الاعتقال التي يقودها الأمن الوطني بالمحافظة تتواصل بشكل دوري لتصل نحو حملتين كل شهر وطالت 13 بالشهور الثلاثة الأخيرة.

وأوضحوا أن الأمن الوطني اعتقل 7 من أبنائهم دفعة واحدة فجر الأربعاء الماضي، رغم أن أغلبهم غير مصنف سياسيا ولا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بل إن بعضهم مؤيد لنظام السيسي وينتمي لأحزاب مؤيدة له.

وجزموا بأن حملات الاعتقال تستهدف الآن عائلات بعينها، موضحين أنه جرى اعتقال الشاب "علي سلطان"، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليجري اعتقال والده المدرس "سلطان محمد"، وأخيه "إبراهيم محمد".

ولفتوا إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة طالت المدرس بالمعاش "عادل عسكر" للمرة الثانية، ونجله المهندس "مصعب عادل" للمرة الثانية أيضا، رغم أن الأخير منضم لحزب "حماة وطن".

وأوضحوا أن أسرة عسكر من أكثر الأسر التي طالها الاعتقال ومنهم (الداعية شبل عسكر، ونجله باسل شبل، ووكيل وزارة التعليم الأسبق عزت عسكر).

وأكد الأهالي أن حملة الاعتقال الأخيرة طالت الشاب "محمد طه" غير المصنف سياسيا، والمعتقل اثنين من أعمامه منذ الانقلاب العسكري الإمامين بوزارة الأوقاف "محمد وفيصل عبد المنعم".

كما جرى اعتقال الشاب "محمد صلاح"، من القرية لينضم إلى خاله "عودة طه"، وابن خاله "محمود سمارة" المعتقلين منذ سنوات.

وأشاروا إلى اعتقال الشاب "محمد منصور"، الأربعاء الماضي أيضا، رغم عدم انتمائه لأي تيار ديني أو سياسي، إلا أن أحد أخواله كان قد تعرض للاعتقال سابقا، وأفرج عنه.

وأوضحوا أن حملات الاعتقالات الأخيرة نجحت 3 مرات في اعتقال أبناء القرية، والتي طالت إحداها عائلة "عبد الرسول" إذ جرى منها اعتقال نجل المعتقل الحالي منذ 8 سنوات "محمد عبد الرسول"، رغم عدم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.

كما جزموا بأن الأمن الوطني يستهدف بشدة عائلة "مخيمر"، التي يقبع منها نحو 4 معتقلين، ومنهم شهيد فض رابعة العدوية "وجيه مخيمر"، كما تمكن الأمن الوطني من اعتقال المهندس عصام مخيمر، في حزيران/ يونيو الماضي بعد مطاردة 8 سنوات وتحطيم ممتلكات الأسرة.

وأكد الأهالي أنه منذ سقوط 3 شهداء من القرية والعزب التابعة لها في "فض رابعة" 14 آب/ أغسطس 2013، و"أحداث رمسيس" بعد الفض بيومين، يجري استهداف القرية بشكل دوري من قبل الأمن الوطني.

وطالبوا في مناشدتهم عبر "عربي21"، بوقف حملات الاعتقال وترهيب الشباب وتضييع مستقبلهم في السجون رغم عدم انتمائهم لأي تيار سياسي أو ارتكابهم أية جرائم.

"الاستراتيجية للخارج"

وفي تعليقه قال الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، إن "إعلان النظام استراتيجية حقوق الإنسان ومن بعدها قرار إلغاء قانون الطوارئ، خطوات لمخاطبة الخارج في ظل الضغوط الخارجية لتحسين ملف مصر الحقوقي وتعليق 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية".

وقال لـ"عربي21"، إن "النظام أخذ بعض الخطوات الشكلية لتحسين صورته بهذا الملف دون اتخاذ إجراءات حقيقية بالداخل، وبمقابل كلا الإجراءين سواء الاستراتيجية المعلنة وإلغاء الطوارئ أخذ خطوات وقنن بعض مواد قانون الطوارئ في القوانين العادية والجنائية".

وحول أسباب إقدام الأمن على اعتقال بعض أنصار السيسي والمنتمين لأحزاب مؤيدة للنظام، ومدى ارتباط ذلك "بكوتة" معتقلين مطالب بها الأمن، قال الباحث المصري: "لا أظن بوجود كوتة، ومصر نحو 28 محافظة والاعتقالات ليست ظاهرة على مستوى الجمهورية وغالبا لا تشمل جميع الأرجاء".

ويرى أن "الاعتقالات تكون على الأرض مسببة أو على أرضية الاشتباه بأشخاص اعترضوا على إزالات مبان وتعديات أراض زراعية، أو لهم نشاط سياسي معارض ويشتبه في نشاطهم".

ويعتقد أن "اعتقال النظام لأشخاص عاديين ومن مؤيديه ليس دون سبب وهو لا يعتمد على هذا، لكنه يعتقل بأسباب أدناها درجة هي الاشتباه".

"نظام مأزوم"

سياسيا، قال السياسي المصري الدكتور عز الكومي: "النظم العسكرية الدكتاتورية تقوم بالأساس على قهر الشعوب وإذلالها ونشر الرعب لتثبيت أركان النظام".

وأضاف لـ"عربي21": "وفي نفس الوقت يكثر الحديث عن حقوق الإنسان ويتم تشكيل (المجلس القومي لحقوق الإنسان)، ولجنة حقوق الإنسان بالبرلمان؛ تماما مثلما يوجد دستور لا يعبأ النظام به ولا بالقانون ولكن هذه أمور شكلية ولتوجيه رسالة للخارج".

ويرى عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان سابقا أن "النظام الآن لا يفرق بين أتباع الإخوان المسلمين أو الإسلاميين عموما وبين غيرهم، طالما هناك من يعارض ويبدي استياء من سياساته، فهو يرفع شعار: (من ليس معي فهو ضدي)".

وتابع: "النار تحت الرماد، والنظام يعتقد أن حالة الهدوء لا تعني بالضرورة أن الأوضاع استتبت له، ولكنه ربما يكون هدوءا يسبق العاصفة".

وأشار الكومي إلى أن النظام "مؤخرا أصبح مأزوما بعد مواقف غربية مسته الشهر الماضي، مثل تصريح الخارجية الهولندية عن (فض رابعة)، وفضيحة تجسس (سيرلي) الفرنسية، وتقرير البرلمان الإيطالي بشأن قتلة جوليو ريجيني قبل أشهر".

وأضاف: "وداخليا، انتقاد الملياردير نجيب ساويرس لاقتصاد الجيش عبر الوكالة الفرنسية الشهر الماضي، وتسريبات الناشط عبد الله الشريف عن فساد مستشاري السيسي، الخميس الماضي".

وختم بالقول: "النظام مأزوم على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولذا يلجأ لإرهاب الشعب عبر هذه الاعتقالات ظنا منه أن ذلك يُخرس أصوات المعارضين".

"الإرهاب للجميع"

حقوقيا، قال مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" الحقوقي خلف بيومي، إن "وتيرة الاعتقالات لم تتوقف منذ 3 تموز/ يوليو 2013، بل اتسعت لتشمل تيارات وأشخاصا كانت مؤيدة لـ (30/6) و(3/7) 2013".

بحديثه لـ"عربي21"، جزم بأن "الاعتقالات بدأت تتسع وتشمل مؤيدي النظام بعد تظاهرات 2017، الرافضة لتنازل السيسي عن جزيرتي (تيران وصنافير) للسعودية، وازدادت بعد دعوة المقاول المعارض من الخارج محمد علي للنزول 20 أيلول/ سبتمبر 2019، ولم تتوقف".

ويعتقد بيومي، أن "هذا يعود لطبيعة النظام العسكرية وفلسفته في التعامل مع معارضيه بصفة خاصة وشعبه بصفة عامة، والتي تعتمد على الإرهاب للجميع حتى لا تقوم قائمة لمعارض أو صاحب رأي".

ويجزم الحقوقي المصري بأن "الاستراتيجية التي أعلن عنها النظام هي بالطبع موجهة للخارج بالدرجة الأولى؛ وحتى الآن لم يتحرك النظام لوضع خطوات تنفيذية عنها خاصة بها".

"يفتقد الأمان"

وأعربت الحقوقية هبة حسن، عن أسفها من أن "استراتيجية حقوق الإنسان المعلنة لم نر منها إلا أنها مجرد بروباجندا إعلامية كان هدفها تجميل صورة النظام بالخارج، وكانت تخاطب الحكومة الأمريكية وغيرها من المؤسسات الدولية".

وجزمت المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات بحديثها لـ"عربي21"، أنه بعد مرور أكثر من 100 يوم "لم نر لها أثرا أو واقعا على الأرض، وعلى العكس بالفعل تزايدت وتيرة الاعتقالات والانتهاكات حتى الاجتماعية والاقتصادية للمصريين".

وقالت: "للأسف ربما لا يستطيع أحد فهم منطق أو أسباب الهجمات الشرسة والمتكررة من النظام وتزايد الاعتقالات بين كل شرائح وفئات المصريين؛ إلا في إطار تحكم الدولة العسكرية ومنطق سيادة الخوف والقهر للمصريين في سبيل استمرار حكم هذا النظام".

وأشارت إلى أن ذلك يتزامن "مع تزايد حجم الفساد والاستغلال وتدني الأحوال المعيشية وغياب الأمن والعدالة، لصالح قلة فقط تتحكم بكل شيء وتحصد كل شيء".

ولفتت إلى أنه على الجانب الآخر "خفتت أصوات المعارضة مع الوقت؛ والنظام لا زال لا يشعر بالأمان ويصر على الاستمرار بالقمع تخوفا من أي لحظة يفقد فيها سيطرته على شعب فهمت غالبيته خداع وعود النظام، عندما قفزوا على حريته وحقه بتقرير مصيره واختيار حكامه، بعد ثورة أعطته تلك الحرية لأول مرة".