أفكَار

هل يصلح النظام الرئاسي لمواجهة الاستبداد عربيا؟ (1 من 2)

أمين حسن عمر: العرب نقلوا النظام الرئاسي محورا (عربي21)

قد يظن البعض أن فتح الحوار حول شكل نظام الحكم في هذه المرحلة قد يبدو أمرا مبكرا ولكن الحاجة تمس لابتدار حوار حول شكل الحكم ليكون ذلك توطئة في الترتيب للانتخابات التي أعلن عن تنظيمها في غضون عام ونصف وهي فترة ليست بطويلة وضعا في الاعتبار أهمية التدابير والترتيبات التي يجب أن تسبق إجراءها.

وأما الرأي عندي فإنه بعد تجاربنا المريرة مع الحكم المركزي والفردي فلا بد من التوصل لصيغة دستورية تبعد النجعة عن النظام المركزي والنظام الرئاسي فكلا النظامين وصفة مجربة لتكريس الاستبداد.

فالمركزية ضد فكرة الجمهورية التي هي ولاية الجمهور من أهل البلاد لكن المركزية تفرض وصاية القلة في المركز على كل الشؤون في كل أجزاء البلاد وأنحائها فيصبح أهل البلاد وكافة شؤونهم معلقة في مشجب في المركز لا يستطيع الناس إليه سبيلا ولا وصولا.

والناس يأخذون فكرة الجمهورية أخذا عاجلا طفيفا غافلين عن كونها تكتنز فلسفة جوهرية ضد الفردية التي كان يمثلها الحكم الملكي والإمبراطوري.

ولذلك فنحن في السودان إن أردنا أن يكون بلدنا جمهورية بالمعنى المراد المطلوب فإن تطوير الحكم لبرلماني والتجربة الفيدرالية بعد دراسة جوانب نجاحها وإخفاقها هي ما سيوسع الديمقراطية الأفقية بحيث تنداح السلطة ليمارسها العدد الكثير من الناس لأن الأمر أمرهم والسلطة سلطتهم وهم مصدريتها ومرجعيتها.

وأما النظام الرئاسي فيعلي سلطة الواحد على سلطة الجماعة وكفى بذلك سببا لإبعاده والبعد عنه أشواطا عديدة والنظام الرئاسي يمكن أن تكون له تبديات عديدة.. وأفضل هذه التبديات هو تفويض رئيس الجمهورية لسلطاته الواسعة في مجالات محددة لكبير وزراء أو وزير أول يرأس مجلساً للوزراء ويكون الوزراء محاسبين أمامه ويكون هو ووزراؤه مساءلين ومحاسبين أمام البرلمان.

ويجوز للبرلمان التقدم بتوصية بعد استجواب الوزير الأول أو أي وزير آخر بالتقدم بتوصية لرئيس الجمهورية بعزل الوزير الأول أو أي من الوزراء المعنيين بالاستجواب. ولكن التجربة أوضحت أن ذلك لا يمثل ترياقا ضد الفردية فغالبا ما يتحول كبير الوزراء إلى سلطة تابعة للرئيس تبعية الخادم لربة البيت. 

النظام الرئاسي ملامحه ومعالمه:

ـ النظام الرئاسي الكامل هو وريث الملكية الدستورية، فهو نمط من الحكم الفردي لشخص لا تجري في عروقه دماء زرقاء ولكنه مع مضي الوقت يتحول إلى ما بات الملأ المرائي من حوله إلى رئيس قائد ملهم. ويلاحظ أن جميع البلاد التي احتفظت بنظام ملكي دستوري ذهبت للنظام البرلماني بينما ذهبت غالبية الجمهوريات للنظام الرئاسي.

والمثال الأنموذجي للنظام الرئاسي هو النظام الأمريكي وقد ارتبط بملامح مهمة. أولها منح السلطة التنفيذية الكاملة لرئيس منتخب من قبل الشعب عن طريق كلية انتخابية تشكل وفق عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح في كل ولاية من الولايات المكونة للاتحاد. والملمح الثاني هو استخدام مبدأ الفصل بين السلطات بصورة صارمة. 

 

النظام الرئاسي الأصل اقتبسته بعض الدول الأخرى، وخاصة تلكم الدول في العالم النامي والثالث. ولكنه نقل محوراً بذهاب أهم عناصره الضابطة لدينامية مسيره وهو مبدأ الفصل بين السلطات فلم يتحقق الغرض من التحوير والذي هو تقليل سلطة الفرد،

 



فالسلطات التشريعية يحتفظ بها للبرلمان بمجلسيه بما في ذلك تشريع الموازنة المالية للاتحاد. بينما تذهب السلطة القضائية لتكون مستقلة تماماً ويعين أعضاء المحكمة الأعلى لمدى الحياة. ويتقاسم الرئيس السلطة في التعيين للمحكمة مع المجلسين من خلال اختيار الرئيس للمرشحين وإقرارهم بواسطة البرلمان.

ومن خلال نظام الفصل بين السلطات هذا فإن التكابح بينها والتوازن بينها يظل مستمراً لمصلحة عدم قدرة طرف من أطراف الاستبداد على تسيير الأمور منفرداً. وفي النظام الرئاسي تخول السلطة التنفيذية كاملة للرئيس ولا يكون معه وزراء. وإنما الوزراء يُعتبرون مساعدين للرئيس ويشكل من بعضهم مجلساً Cabinet ولكن بعضهم الآخر يبقى وزيرا خارج المجلس أو قد يكونون مستشارين للرئيس.

ولا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية رئيس للوزراء سوى الرئيس نفسه وهو يملك الحق في نقض أي قرار يصدره أي من الوزراء وكذلك الحق في تغيير أيما سياسة لا يراها مناسبة في أي مجال من المجالات التنفيذية. وقد كشفت رئاسة ترامب أن الرئيس الأمريكي رغم الكوابح الدستورية يمكن أن يكون حاكما شبه مطلق التصرف مهما كانت تصرفاته مثيرة للجدل أو الاستهجان.

عيوب النظام الرئاسي

كانت عيوب النظام الرئاسي ظاهرة ليس يخفيها المراء ولذلك حاولت دول كثيرة التخفيف من عيوبه والتقليل من تجميع السلطة بيد فرد واحد غالبا ما تحيط به ثلة ذات أجندة ذاتية أو حزبية أو جهوية أو إثنية ولذلك أجريت عمليات تصحيح وترميم لفكرة الرئاسة المطلقة باقتراح تحويرات على النظام شبه الملكي المسمى رئاسيا.

النظام الرئاسي محوراً:

هذا النظام الرئاسي الأصل اقتبسته بعض الدول الأخرى، وخاصة تلكم الدول في العالم النامي والثالث. ولكنه نقل محوراً بذهاب أهم عناصره الضابطة لدينامية مسيره وهو مبدأ الفصل بين السلطات فلم يتحقق الغرض من التحوير والذي هو تقليل سلطة الفرد، فبالرغم من أن كثيرا من الدساتير تقر مبدأ الفصل بين السلطات مع النظام الرئاسي، إلا أنها لا تلتزم بهذا الفصل. 

ومن ذلك دساتير السودان 1974م و1998م و2005م فالمبادرة التشريعية في فكرة النظام الرئاسي يجب أن تكون للسلطة التشريعية لكن واقع الحال أنها عند السلطة التنفيذية بصورة شبه كاملة. ولا يملك البرلمان إلا أن يقر بتشريعات السلطة التنفيذية، أو أن يتحفظ عليها ولكنه في غالب التشريعات التي تصدر بمراسيم مؤقتة لا يملك حق التعديل للمرسوم (دستور 2005) وذلك بخلاف دستور 1998. 

ولكن حتى في دستور 1998م ظلت المبادرة التشريعية لدى السلطة التنفيذية، بل أنه عبر التاريخ التشريعي للسودان ظلت السلطة التنفيذية هي التي تقود التشريع كما تملك التنفيذ، إما من خلال استخدام الولاء الحزبي في إقرار تشريعات الحكومة أو تقييد سلطة البرلمان بالدستور أو عدم قدرة اللجان التشريعية على المبادرة بالتشريع لفقدان مبدأ الشفافية الكاملة في عمل السلطة التنفيذية.

وانعدام الشفافية الكاملة في أعمال السلطة التنفيذية تؤدي بالضرورة إلى عدم إحاطة أعضاء البرلمان بأوليات السياسات والتشريعات المطلوبة لتحسين أداء الدولة بسن التشريعات الملائمة. 

كذلك فإن النظام الرئاسي المطلق والمحور قد أثر على الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، فالقضاة ورؤساء القضاة يعينهم رئيس الجمهورية منفرداً دون شراكة برلمانية. وأهمية هذه الشراكة هي إعمال الكوابح لجعل القضاء محايداً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. 

كما أن الاختيار المشترك يشكل حصانة للقضاء من ممارسة أي نفوذ للسلطة التنفيذيه عليه، كذلك فإن المحكمة الأعلى لا يُعين أعضاؤها لفترات طويلة أو لمدى الحياة بل هم يخضعون للمعايير العادية للخدمة المدنية، وهذا يجعلهم عرضة للتفكير في استرضاء سلطة التعيين والتمديد للبقاء في المنصب. 

وهذا الوضع أيضا هو حال النظام الرئاسي في بلدان أخرى سوف نتطرق إليها في هذه المداخلة منها مصر وأندونسيا. ففي مصر على عهد الرئيس مبارك كان النظام نظاماً رئاسياً مطلقاً، يسيطر فيه الرئيس على كل مقاليد السلطات بالدولة تشريعياً وقضائياً على الوجه الذي أشرنا إليه، ولكن دستور ثورة 25 يناير جاء بنظام شبه رئاسي تميل كفته لصالح البرلمان. 

 

إن النظام الرئاسي المطلق والمحور قد أثر على الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، فالقضاة ورؤساء القضاة يعينهم رئيس الجمهورية منفرداً دون شراكة برلمانية. وأهمية هذه الشراكة هو إعمال الكوابح لجعل القضاء محايداً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

 



فيما جاء دستور 30 يونيو الجديد للعام 2014م بنظام حاول استدراك الميل الظاهر لصالح النظام البرلماني في دستور يناير، وفي الدستور الجديد يحتفظ الرئيس بغالبية الصلاحيات التنفيذية بما في ذلك اختيار رئيس للوزراء ويشارك في اختيار حكومته ويعرض رئيس الوزراء والوزراء للمصادقة البرلمانية، فإن فشل البرلمان في منح المصادقة خلال ثلاثين يوما يقدم الرئيس مرشحاً جديداً، وإن فشل البرلمان بمنح المصادقة خلال شهرين يحل مجلس النواب ويدعو إلى انتخابات جديدة.

 وفي هذا الدستور فإن حق اختيار وزراء الدفاع والخارجية والداخلية محفوظ للرئيس وحده، كما يحق له إجراء تعديل وزاري متى شاء ويقوم بعرض التعديلات على النواب بذات الطريقة التي أجيزت بها الحكومة أولاً. 

أما النظام الرئاسي السائد في أندونسيا وهي بلد فيدرالي فهو أيضا نظام رئاسي محور، ووفق دستور 1945 المعدل 2002م فإن سلطة الرئيس تشمل قدرا غير يسير من التدخل في السلطتين التشريعية والقضائية إلى جانب كونه المسؤول عن إدارة الحكم المحلي بالبلاد وصانع السياسات الداخلية والخارجية. 

والرئيس له الحق في المبادرة بالتشريعات (يحق لرئيس الجمهورية رفع مشاريع القوانين إلى مجلس النواب الشعبي) المادة (5 ـ 1) ورئيس الجمهورية هو الذي يعين منفردا وزراء الدولة ويقيلهم، وهذا حقه الكامل في السلطة التنفيذية، بينما يشارك وفق الدستور مناصفة في التشريع حسب المادة (20) التي تفيد ـ يناقش مجلس النواب كل مشروع قانون مع رئيس الجمهورية للحصول على موافقة مشتركة عليها (أي من الرئيس والمجلس) يوقع الرئيس أي مشروع للقانون الذي حصل على موافقة مشتركة مما يعني أن البرلمان لا يملك إصدار تشريع لا يوافق عليه رئيس الجمهورية.

أما في السلطة القضائية فإن الرئيس هو الذي يعين القضاة بعد موافقة مجلس النواب الشعبي عليهم، وأعضاء المحكمة الأعلى هم من يختارون رئيس المحكمة ونائبه بالانتخاب، والأعضاء ترشحهم لجنة قضائية يعينها رئيس الجمهورية بالتشاور مع مجلس النواب الشعبي والقضاة يخضعون لمعايير الخدمة العامة، ويملك الرئيس حق إقالتهم حسب القانون. وهكذا لا يصبح التعديل والتحوير في النظام الرئاسي المطلق إلا عملية تبرج وتجميل لا تترك أثرا على طبيعته الفردية التي تتحول بعد برهة ليست تطول إلى شكل من أشكال الاستبداد الذي يجعل استخدام كلمات جمهورية وديمقراطية للبلد أوصافا فارغة بلا مضمون.