ملفات وتقارير

مصر تفكر بإنشاء ممر ملاحي عملاق.. ما إمكانية تنفيذه؟

المشروع وفق معلومات أولية يشمل تدشين خط سكة حديد وربطا كهربائيا وكابل إنترنت بين دول حوض النيل- CC0

في خطوة تمثل نقلة استراتيجية في علاقات مصر مع دول القارة الأفريقية وبخاصة منطقة حوض نهر النيل، تفكر القاهرة في مشروع لإنشاء ممر ملاحي يربط بحيرة "فيكتوريا" جنوبا والبحر المتوسط شمالا عبر نهر النيل، ليربط اقتصاديا وتجاريا بين دول الحوض العشرة.


وعرض وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي خلال اجتماعه الأربعاء الماضي، الفكرة أمام خبير المياه بالحكومة الأمريكية ماثيو باركس، ونائبة السفير الأمريكي بالقاهرة نيكول شامبين، في محاولة للحصول على دعم للمشروع.


المشروع وفق معلومات أولية يشمل تدشين خط سكة حديد وربطا كهربائيا وكابل إنترنت بين دول الحوض، إلى جانب ممر ملاحي وطريق أرضي لتدعيم حركة التجارة بين دول حوض النيل ودول العالم، ما يحدث نقلة اقتصادية وتجارية ويوفر فرص عمل لسكان تلك الدول.


خبير التنمية المستدامة هاني السلاموني، أكد أن المشروع يفتح الطريق للدول الحبيسة مثل أوغندا وجنوب السودان وإثيوبيا للاتصال بالبحار والموانئ العالمية وحركة التجارة الدولية، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بدول حوض النيل.


لكن السلاموني لم يخفِ مخاوفه بشأن قدرة مصر على جلب وضخ استثمارات للمشروع، خاصة أن دول حوض النيل تعاني من صعوبات اقتصادية، تمنعها من المساهمة بالمشروع.


وتطرق الخبير المصري في منشور بموقع "فيسبوك" إلى العقبات التي تواجه المشروع العملاق، وأبرزها العوائق اللوجستية بطول النهر من سدود وقناطر وخزانات تعيق حركة الملاحة، منوها إلى عدم انتظام عمق مجرى النهر وحركة الطمي، خصوصا في موسم الفيضان، ما يشكل عائقا جديدا أمام المشروع.


وبعيدا عن أزمة التمويل والعقبات والعوائق اللوجستية والفنية، يطفو إلى السطح تساؤل مهم حول واقع دول حوض نهر النيل، ومدى استعدادها سياسيا وأمنيا لمثل هذا المشروع، خاصة مع ما تشهده دول الحوض من صراعات بينية.
وتشهد منطقة شرق أفريقيا وصولا إلى وسط القارة وحتى شمالها، أزمة منذ عقد كامل، بين مصر والسودان وإثيوبيا حول مشروع سد النهضة الذي تبينه الأخيرة على مجرى النيل الأزرق، وتعتبره دولتا المصب مضرا بحقوقهما المائية وخطرا عليهما.


كما تشهد علاقات الخرطوم وأديس أبابا أزمة حدودية وتوترا متواليا، بجانب ما يجري في الداخل الإثيوبي من احتراب داخلي بين عرقية "التيغراي" والحكومة الاتحادية في أديس أبابا منذ نهاية 2020، إلى جانب الصراعات الداخلية التي تشهدها دولة جنوب أفريقيا، مع ما تعيشه دول الحوض من أزمات سياسية واقتصادية.


استعادة التأثير


وفي تعليقه على الفكرة، تحدث الباحث والأكاديمي المصري المتخصص في الدراسات الأفريقية، الدكتور بدر شافعي، بداية عن عدم وجود تفاصيل كثيرة حول الموضوع، مستدركا: "لكن في هذا الإطار توجد عقبات لوجستية ومادية مهمة تقف أمام المشروع، بل ربما تجعل الفكرة غير قابلة للتطبيق".


وأضاف شافعي في حديثه لـ"عربي21"، أن "المشروع يتكلم عن بحيرة فكتوريا التي تقع عليها 6 دول من حوض النيل، غير هضبة الحبشة التي تقع عليها من الناحية الأخرى إثيوبيا وإريتريا، وهي البحيرة التي تأتي لمصر منها نحو 15 بالمئة من موارد النيل المائية، ومن ثم الموضوع لا علاقة له بسد النهضة".


ولفت إلى أن "الدول الواقعة على بحيرة فيكتوريا هي من تستفيد من مثل هذا المشروع، وليست دول الهضبة الاستوائية؛ لأن إثيوبيا مثلا الأقرب إليها كمنفذ بحري لدولتي جيبوتي وإريتريا وليس بحيرة فكتوريا".


وبشأن هدف مصر من الفكرة، يعتقد أن "مصر هنا ربما لا تستهدف مباشرة سد النهضة الإثيوبي، وربما تستهدف أن يكون لها تأثير وهيمنة على حوض النيل كما كان من قبل، خصوصا أن اتفاقية (عنتيبي) لم تدخل بعد حيز التنفيذ، ولم تصدق عليها بعض الدول".


وتابع: "ربما تقديم مصر لهذه الفكرة يدخل في هذا الإطار؛ ولكن هناك عقبة التكلفة الكبيرة جدا، ناهيك عن عدم معرفة ماذا تستفيد مصر من المشروع، وجدواه الاقتصادية، وغيرها من الأمور غير الواضحة".


ويعتقد أنه "من الجانب السياسي، ربما يأتي المشروع في إطار الهيمنة على حوض النيل والتنافس عليها بين مصر وإثيوبيا، وربما يكون هدف مصر بعيدا؛ ليس سد النهضة فقط بل السدود الثلاثة التي أقامتها إثيوبيا، والتي تؤثر على مصر وستحجز نحو 150 إلى 200 مليار متر مكعب من المياه، سيكون خصما من حصص مصر".


ويرى أن "مصر ربما تستهدف صناعة تكتل مع باقي دول الحوض، بحيث تضيق هامش المناورة على إثيوبيا في اتفاقية (عنتيبي) أو أية مشاريع مشتركة أخرى، وأن تشاكس مصر إثيوبيا وتكسب نقاطا تفاوضية وتعزز موقف القاهرة"، وفق تقديره.


مشروع قديم

 
من جانبه، أكد الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية بجامعة "سكاريا" التركية الدكتور خيري عمر، أنه "كلام قديم منذ نحو أربعة عقود، وتعثرت خطواته بسبب تردد مصر في الدخول لأفريقيا بعهد حسني مبارك، ما تسبب في توقف الفكرة وغيرها من المشاريع".


وفي حديثه لـ"عربي21"، ألمح إلى أن ذلك المشروع توقفت فكرته تماما مع دخول "السودان بحرب أهلية منذ 1983 حتى 2011، ورواندا أيضا خلال تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن ممكنا الحديث عن مشروعات تنمية، وتعطلت الفكرة".


وقال؛ إن "هذه الأفكار مطروحة باعتبار أن نظرية القاهرة: كلما ترابطت المصالح بين دول الحوض يمكن حل أي مشكلة، ولهذا تركز الفكرة على المنافع المشتركة للأطراف، باعتبار أن مشكلة المياه مصطنعة ومسيسة، وأن هناك فائضا منها يتم فقده بالتبخر وبالمستنقعات ومعظم الزراعات بحوض النيل الشرقي والأبيض مطرية وليست مروية".


ويرى الخبير بالشؤن الأفريقية أن "المسارات المتاحة هي استخدامات المياه للزراعة والكهرباء والملاحة، والنظرية المصرية ترى أنه يمكن الجمع بين الاستخدامات الثلاثة".


وأكد أن "مصر عرضت هذه الأفكار على إثيوبيا بمشروع سد النهضة، لكن الأخيرة تأخذ المسألة سياسية وليست تنموية، وهذا ما يفسر الخلاف بين الطرفين".


ويعتقد أن "نجاح هذا المسار يتطلب حكومات مستقرة وقوية بهذه البلدان، كشرط لازم لنجاح أية مشروعات تنموية بالمنطقة التي تضم نحو 400 مليون نسمة".


وفي قراءته للوضع السياسي القائم بدول الحوض حاليا، يرى أنها "ليست مهيأة لهذا المشروع؛ باعتبار أن هناك دولا في مرحلة بناء الدولة والخروج من الحرب الأهلية أو عدم الدخول فيها مجددا".


ولفت إلى أنه "يمكن أن تتم الفكرة عبر الربط بين المشروعات التنموية المحلية والمشاريع الدولية أو الإقليمية، بحيث تكون الاتجاهات الدولية دعم حل الصراعات بالتنمية؛ لكن هذا يحتاج وقتا؛ لأن الدول الأخرى سواء أوروبية أو غيرها ليست نزيهة بمثل هذه المواقف".


وجزم عمر، بأنه "إذا وُجدت 3 دول قائدة في حوض النيل تتوافق على شيء ما مثل مصر والسودان وكينيا، يمكن أن تنضم الدول الأخرى مثل تنزانيا ورواندا وبورندي؛ ومن ثم فإن تمهيد الأرضية السياسية، المعضلة الأساسية أمام مثل هذا المشروع".


وعن صعوبة التمويل والمعوقات اللوجستية، قال عمر: "إذا وجدت الإرادة السياسية يمكن حل الكثير من المعضلات والمعوقات، والهدوء والاسترخاء السياسي هو العامل الحاكم".