سياسة عربية

محافظة شبوة اليمنية تعود لواجهة الصراع مع الإمارات

الإمارات تتحكم بمنشأة لتصدير الغاز المسال عبر بحر العرب- جيتي

تعود محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، إلى واجهة الصراع مع الإمارات، التي لم تتوقف مساعيها في استعادة هيمنتها على هذه المحافظة الاستراتيجية، وتوجيه دفة الأحداث لمصلحتها وحلفائها الانفصاليين الجنوبيين.

وما إن تنتهي جولة من التصعيد بين السلطات المحلية في شبوة والإماراتيين الذين يتحكمون بمنشأة لتصدير الغاز المسال عبر بحر العرب، إلا وتبدأ أخرى، منذ هزيمة ما كانت تعرف بقوات "النخبة الشبوانية"، وهي مليشيات انفصالية شكلتها وسلحتها أبوظبي في آب/ أغسطس 2019، على أيدي القوات الحكومية.

وفيما كان منتظرا، إخلاء منشأة بلحاف ومينائها الاستراتيجي في مديرية رضوم، جنوب شرقي شبوة، من القوات الإماراتية أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بموجب تسوية رعتها السعودية، بينها وبين السلطات الحكومية في المحافظة، إلا أن الإمارات قررت خوض جولة جديدة من التصعيد لتعويض خسارتها لنفوذها منذ العام 2019.  

وبحسب مراقبين، فإن الإمارات أخرجت ورقة جديدة، وربما آخر أوراقها، إلى مسرح الأحداث في شبوة، إذ دفعت بالشيخ القبلي وعضو مجلس النواب عوض بن الوزير العولقي، المقيم في أبوظبي منذ سنوات، بعدما وجدت نفسها أمام سباق مع الزمن قبيل انتهاء المهلة المحددة لمغادرة قواتها منشأة بلحاف لتصدير الغاز، الشهر الجاري.

وبدا الشيخ عوض العولقي، وهو قيادي بحزب المؤتمر الموالي للإمارات، والقريب من عائلة الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، نشيطا في ما رسم له من أدوار منذ وصوله إلى مسقط رأسه في مديرية نصاب بشبوة، قبل نحو أسبوعين.

الشيخ العولقي، وهو من سلالة آخر سلاطين العوالق، يتمثل دوره الحقيقي في "تمهيد الطريق أمام نجل شقيق صالح، العميد طارق صالح، الذي يقود تشكيلات عسكرية في الساحل الغربي من البلاد، إلى المسرح السياسي والعسكري في شبوة، وتوسيع رقعة حضوره المحصورة حاليا في منطقة الساحل الغربي من محافظة تعز (جنوب غرب البلاد).

 وفي الأيام الثلاثة الماضية، عقد الشيخ العولقي، لقاء قبليا موسعا، في مديرية نصاب، في الوسط الشمالي من شبوة، هدفه المعلن "توحيد صفوف المجتمع الشبواني"، إلا أنه كان شعارا لتنفيذ أجندة أبوظبي القادم منها، وفق ناشطين ومسؤولين يمنيين.

وقد خرج اللقاء، بمصفوفة من المطالب، كان أبرزها إقالة محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، المحسوب على حزب الإصلاح ( إسلامي)، والذي يناصبه الإماراتيون العداء ويحظى بشعبية واسعة، بفعل الإنجازات التنموية والبنى التحتية التي تحققت خلال عهده الممتد منذ عام 2019.  

وتتسم العلاقة بين دولة الإمارات وقيادة السلطة المحلية في شبوة، بـ"العدائية"، إذ ترى الدولة الخليجية، في محمد بن صالح بن عديو، مصدر إزعاج دائم لها، وحائط صد أمام نفوذها، ولذلك، بدا مطلب تغييره، في سلم مخرجات اللقاء القبلي الذي عقده رجلها الجديد في المحافظة.

وكان لافتا، أن حظيت مطالب، ابن الوزير العولقي، بترحيب من قبل "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا، فيما قوبلت باستنكار مسؤولين ودبلوماسيين يمنيين.

اقرأ أيضا: قوات سعودية تنسحب من عدن والانتقالي يهدد بالانسحاب من الحكومة

"دراهم إماراتية"

 

الدبلوماسي اليمني، عبدالوهاب طواف، علق على مخرجات اللقاء القبلي الذي نظمه، الشيخ عوض العولقي، وقال: "تابعت كلمة الشيخ عوض الوزير العولقي ـ مستشار رئيس الجمهورية ـ  وكنت في شوق لسماع تفاصيل خطط وبرامج، مما سيوحد القوم، ويعضد جهود مواجهة إيران وحوثيها، ويُعيد لشبوة خاصة وللجنوب ولليمن عامة أمنه واستقراره وحريته وسيادته".

وأضاف عبر صفحته في "فيسبوك": "خاب الرجاء، وتكسرت المجاديف، وتفاجأت أنه لم يتطرق حتى بكلمة واحدة إلى الحوثي"، متابعا بأنه "كان الحديث فقط، والزوملة كلها حول المحافظ، وأنه ينتمي إلى الإصلاح، وأنه يغالط في حسابات مشروع الجسر الذي انهار بعد شهر".

وأشار الدبلوماسي اليمني، وهو قيادي في حزب المؤتمر: "كل الحشود التي مولها عوض خرجت ببيان ناري يطالب الرئيس بمحاسبة المحافظ الذي يُدير بقايا السلطة في شبوة"، معربا عن أسفه من "تحول علية القوم إلى فوارس يتقاتلون حول ما تبقى من مغانم الدولة، التي لم تطلها صرخات الموت الحوثية".

وأردف طواف قائلا: "أنا أحترم عوض، وهو من قادة ووجهاء وعقلاء اليمن، إلا أنني أشم في تحركاته الأخيرة الدراهم الإماراتية".

وكان وزير النقل السابق، صالح الجبواني، قد حذر قبل يوم من اللقاء القبلي، من خطورة "تبني، الشيخ، العولقي، أجندات تؤدي إلى صدام مع السلطة المحلية وأجهزتها العسكرية والأمنية، ما سيؤدي إلى احتراب أهلي ستكون نتيجته فتح كل الطرق للحوثي لدخول شبوة حتى بالحاف"، داعيا إياه إلى أن يربأ بنفسه من تحمل مسؤولية مثل هذا الوضع إن حدث.

وقال: "لا أحد يدق الطبول، أو أن دولا سوف تتدخل.. فلن يتدخل أحد ولن يتقاتل غير أبناء شبوة والمسؤولية في هذا المنحى عظيمة والذي لم يستطع الانتقالي وخلفه الإمارات بالأمس فعله، لن يستطيع غيرهم فعله وإن فعل فسيهدي شبوة إلى الحوثي".

وعلى الرغم من التحشيد الإعلامي والمالي للقاء الذي سينظمه، البرلماني العولقي، إلا أن الحضور الباهت، مثل خيبة أمل كبيرة للإماراتيين قبل الجهة المنظمة له محليا.

وتقاتل حكومة أبوظبي، لأجل بناء نفوذ لها في هذه المحافظة، وتعويض خساراتها الواحدة تلو الأخرى فيها، إلا أنها على ما يبدو فشلت في توجيه دفة هذه الجولة من الصراع لمصلحتها.

وأواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أخلت القوات الإماراتية وجها العسكري في قاعدة "العلم" في مديرية جردان، شرقي مدينة عتق، عاصمة شبوة، وسلمتها لمليشيات موالية لها، قبل أن تقوم القوات الحكومية باقتحام القاعدة والسيطرة عليها، بعد سنوات من تحكم الإمارات بها.

ومطلع الشهر الجاري، غادرت قوات سعودية، مطار "عتق"، في عاصمة شبوة، تحمل الاسم ذاته، بالتنسيق مع السلطات المحلية، نحو منفذ الوديعة الحدودي بين اليمن والمملكة.

وهو المكان الوحيد الذي كانت تتواجد فيه قوات سعودية رمزية مكونة من بعض الضباط والجنود والآليات العسكرية، وبعض الأجهزة والمعدات، منذ أواخر العام 2019.

 

"حائط صد وتقاطع مصالح"


وفي السياق ذاته، يرى كاتب وسياسي يمني، أن الحراك الذي حصل في شبوة هو تقاطع مصالح بين تيار من المؤتمر الشعبي العام يرى أنه حرم من مواقع مهمة ونفوذ سابق كان رموزه يحظون به وبين رغبة إماراتية في الانتقام من سلطة شبوة التي مثلت عائقا أمام بسطها لنفوذها في شبوة عبر أدواتها.

وقال في تصريح لـ"عربي21"، رافضا الكشف عن اسمه: "لقد تحولت شبوة إلى حائط صد لأي تمدد نحو حضرموت، شرقا، من قبل المليشيات المدعومة اماراتيا في عدن، جنوبا"، مؤكدا أن "هذا الحراك لن يتجاوز ما حصل في الحشد الذي قدم مطالب يراها، ولن يجنح للعنف كون شبوة فيها من الخصوصية الاجتماعية والتركيبة القبلية ما يحول دون مثل هذا الاحتراب".

وأوضح أنه "يبقى الدور الأهم على قيادة الشرعية والتحالف في الحيلولة دون استغلال الإمارات للقوات المنسحبة من تهامة (مدينة الحديدة) في تصفية الحسابات مع سلطة شبوة، وهو الأمر الذي سيجدد الاحتراب الجنوبي الجنوبي".

وفي موازاة ذلك، يجري الحديث عن أن ألوية من قوات العمالقة المنسحبة من جنوب مدينة الحديدة، سيُعاد نشرها في شبوة، تحت لافتة تحرير مديريات بيحان التي سيطر عليها الحوثيون أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي.

وورد ذلك، في البيان الذي أصدرته القوات المشتركة في الساحل الغربي، الذي يضم إلى جانب العمالقة، قوات "المقاومة الوطنية" التي يقودها طارق صالح، وألوية المقاومة التهامية، عقب انسحابها من محيط مدينة الحديدة، أنه "في سياق متابعتها للتطورات التي تشهدها جبهات البلاد كلها، والتي تفرض على كل حرٍّ قادر أن يقدِّم الدعم والعون بالوسائل المختلفة لجبهات الدفاع عن اليمن واليمنيين في مواجهة أدوات إيران، التي تعيث خرابا في محافظتي البيضاء والجوف (وسط وشمال) وإسقاط ثلاث مديريات من محافظة شبوة وعبرها، فقد تم الوصول إلى مشارف مدينة مأرب (شمال شرق البلاد)".

وكان التوتر قد بلغ أوجه، بين السلطات المحلية في شبوة والسلطات الإماراتية، في نهاية آب/ أغسطس الماضي، بعدما فرضت القوات الحكومية طوقا أمنيا على منشأة بلحاف التي تتمركز فيها قوات إماراتية منذ العام 2016.

وتدخلت بعد ذلك، السعودية بوساطة لاحتواء الموقف، والتوصل إلى تسوية تقضي بمنح القوات الإماراتية مهلة تترواح مابين شهرين إلى ثلاثة أشهر، تنتهى في تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

ومنشأة بلحاف هي أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في اليمن، حيث كلف إنشاؤها 4.5 مليار دولار، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال القادم من مأرب، شمال شرق البلاد.

"رفض إماراتي"


وفي أحدث تصريحاته، أكد محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، الأحد الماضي، في مقابلة مع "وكالة سبوتنيك" الروسية، الأحد الماضي، أن الإمارات ترفض الخروج من ميناء بلحاف الذي يقع ضمن منشأة نفطية تحمل الاسم ذاته، وقد سيطرت عليها قبل سنوات، نافيا في الوقت ذاته "وجود أي مباحثات بين السلطات المحلية للمحافظة وبين الإماراتيين في هذا الشأن".

وأضاف بن عديو أن "السلطات المحلية في شبوة تستطيع دخول الميناء الاستراتيجي على بحر العرب الذي يتواجد فيه نحو 100 شخص من القوات الإماراتية إضافة إلى سودانيين وبحرينيين، ولكن بأعداد قليلة".

وشدد محافظ شبوة على أن الثقة مفقودة مع الإمارات، متهما إياها "بخلق مليشيات مناهضة للدولة لا تخضع لها ولا تأتمر بأمرها، بل هي كيانات موازية دخلت مع الدولة عدة مرات في حروب وصدامات وتنفيذ هجمات واغتيالات".

وتابع: "إن تمويل (هذه الكيانات) من الإمارات، وهناك 90 ألف مرتزق ـ ينضوون في هذه الكيانات ـ يستلمون مرتباتهم شهريا من الدولة الخليجية، في كل المناطق المحررة، ابتداء من المهرة، ثم حضرموت (شرقا) وشبوة، ثم أبين ثم عدن وتعز (جنوب وجنوب غرب) وصولا إلى الساحل الغربي من البلاد".

ويتكبد اليمن خسائر كبيرة جراء وقف تصدير الغاز، بفعل تحويل منشأة بلحاف ومينائها إلى قاعدة عسكرية إماراتية منذ العام 2016، وهو ما حرم البلد من عائدات مالية تقدر بنحو 6 مليارات دولار خلال الأعوام الماضية.

ويبقى وجود القوات الإماراتية في منشأة بلحاف، مصدرا للتوتر مع سلطات شبوة، ولا يمكن التنبؤ بمستقبل العلاقة بينهما، لا سيما بعدما شارفت المهلة المحددة في التسوية التي رعتها السعودية، في سبتمبر الماضي، على الانتهاء في الأسبوعين القادمين.