قضايا وآراء

نفق الحرية في زمن الهزيمة

1300x600
نتوق إلى الحرية والكرامة والتخلص من الاستبداد والاستعباد، لكننا محبطون ويلفنا الضعف أمام قوى دولتيّة لا تتورع عن استخدام أدوات القهر لكبح تطلع الشعوب بفطرتها إلى الحرية والعدالة. هذا حالنا وتلك مشاعرنا المختلطة التي تعجّ بها أنفسنا.

فبعد أن امتلأت شوارعنا بأمواج الغاضبين المندهشين من قدرتهم على الفعل والتغيير، ومن سرعة سقوط قلاع السلطة الحصينة، حتى بدأت تفيق على واقع أكثر قساوة وقتامة بنجاح سلطة الأمر الواقع وحرّاسها الأشداء في الالتفاف على إنجازات الشعوب في عقد ربيعها الأول، فأحالت حالها إلى خريف قاسٍ يكاد لا ينتهي من مشرقه إلى مغربه.

فصول توالت وكتاب لا زالت صفحاته مفتوحة على عناوين الفقر، والبطالة، وفقدان الأمن والحرية، والهجرة، إلى مجهول نحلم أن ينقذنا من فقرنا وغدنا البائس.

شعوب تهرب فَزِعة من واقعها، من دولها، من مدنها، من حاراتها وشوارعها، بحثا عن أوطان تائهة في الذاكرة والتاريخ كشخوصنا التائهة في ذواتنا. فهل نحن خلقنا للتيه والعبودية؟ وهل العبودية امتلاك أم انقياد وطاعة لسيّد واهم، موهوم في نفوسنا المريضة الأسيرة في قفص الإحباط والعجز عن بناء مستقبلنا كما نشاء وكيف نشاء، في أرض وسماء خلقها الخالق لتكون بيتنا الكبير الواسع اللامحدود بقيود الظلم والاستبداد؟
شعوبنا مظلومة مقهورة، حالها كحال أبطال سجن "جلبوع" الاحتلالي في فلسطين المحتلة. لم يعد هناك من شيء تخسره، سوى العبودية أو نَفْس مستعبدة، ثمنا للحرية

شعوبنا مظلومة مقهورة، حالها كحال أبطال سجن "جلبوع" الاحتلالي في فلسطين المحتلة. لم يعد هناك من شيء تخسره، سوى العبودية أو نَفْس مستعبدة، ثمنا للحرية. وهي لازمة لعشرية ثانية بعد أن أوغل الأسياد والحراس في الذبح والقتل، ونشر الفقر والبؤس في ربوع سجننا الكبير، وطننا الممزّق الكبير.

لقد عاشوا في "الخزنة الحديدية"، الاسم المشهور لسجن جلبوع، ومعادلتهم بسيطة عميقة؛ لم يعد هناك من شيء نخسره سوى العبودية، ولم يبق أمامنا إلا الموت بشهادة أو العيش بكرامة، فاندفعوا يحفرون نفق الحرية، بملعقة الصبر والخوف والرجاء، أشهرا عديدة، عدد أيامها كعدد حبات التراب وقطرات جبين معجون بغبار الأرض.
من فلسطين المحتلة إلى ربوع وطننا العربي الكبير، السجن الكبير، تتقارب الغايات، وتتشابه الأحوال في البحث عن نفق الحرية في زمن الهزيمة؛ فغاية العباد معروفة، ودوافع الخلاص من الاستبداد والظلم موجودة، ولم يبق سوى العقل الذي يدير ويتدبّر بحكمة وشجاعة وريادة

إن إرادة الإنسان الغلّابة التي استطاعت أن تخرق خزنة حديدية بملعقة الصبر والتوق إلى الحرية، لقادرة على مغالبة حرّاس القلعة والسلطة المستبدة، فالظلم والاستبداد والاحتلال ملّة واحدة.

والإنسان بطبعه، كالموج يتقدم ويتأخر، شجاعا وجبانا، فإذا استوت حياته مع العَدَم، فهو للشجاعة أقرب إن كان متصلا بالله ومؤمنا بغاية وجوده كإنسان حر مُكرّم. وهذا حال أبطال سجن جلبوع الأسطوري المحصّن.

من فلسطين المحتلة إلى ربوع وطننا العربي الكبير، السجن الكبير، تتقارب الغايات، وتتشابه الأحوال في البحث عن نفق الحرية في زمن الهزيمة؛ فغاية العباد معروفة، ودوافع الخلاص من الاستبداد والظلم موجودة، ولم يبق سوى العقل الذي يدير ويتدبّر بحكمة وشجاعة وريادة، وهذا مرهون بمن همّته تناطع السحاب بلا شطط، وعزيمته تحفر الصخر بلا كلل، وظلّه يجمع ولا يفرق، دون تنازل عن حق وقيمة، هي سر وجودنا ومَركَبنا نحو الحرية والعزة والكرامة.