قضايا وآراء

لبنان: انهيار فاعتذار فانفجار

1300x600
لا شك في أن الوضع في لبنان بات مزريا لحدود لم يعد بمقدور الكثيرين تحملها أفرادا ومؤسسات ودولا، خاصة بعد اللعب بالاحتياطي الإلزامي الذي ستكون له ارتدادات سلبية كبيرة في قابل الأيام؛ لا زالت كل المؤشرات تدل على طريق واحد هو طريق الهاوية والسقوط الكبير. وللمفارقة، هو سقوط أخلاقي قبل السياسة، فأي تاريخ سيرحم من لعب بقوت اللبنانيين وعلبة حليب أطفالهم الرضع؟

أي تاريخ سيكتب على من صعقوا العملة اللبنانية إلى جهنم أسعار الصرف؟ حيث لا يزال الدولار محلقا على مشارف 19000 ليرة للدولار الواحد، ولا سقوف بإجماع أهل الاختصاص. وفي ذلك إمعان لسكين التضخم التي تذبح القدرة الشرائية للبنانيين وتحولهم إلى متسولين بنوعين؛ إما تسول الحاجة أو التسول تحت مظلة أحد التعميمين الصادرين عن مصرف لبنان (الأول الرقم 151، الذي يقص الدولار على سعر 3900 في عملية نصب موصوفة بما يفوق 85 في المئة من القيمة الفاعلية للودائع، والثاني تحت التعميم 158، الذي أصبح أحجية يصعب حلها، ونهاية الأحجية حماية المصارف وضرب حقوق المودعين عبر ألف صيغة وصيغة.. وللحديث تتمة).

الانهيار

كل المؤشرات والتقارير والأرقام الصادرة عن بلاد الأرز مسارها سلبي ومزعج، بدءا من تقرير اليونيسف؛ فوفق المسح الذي أجرته المنظمة، فإن أكثر من 30 في المئة من الأطفال في لبنان ناموا في فراشهم في الشهر الماضي ببطون خاوية، لعدم حصولهم على عدد كاف من وجبات الطعام.

وأكثر من ذلك، حيث لا تملك 77 في المئة من الأسر ما يكفي من غذاء أو من مال لشراء الغذاء، وترتفع هذه النسبة بين الأسر السورية اللاجئة في لبنان إلى 99 في المئة. وتضطر 60 في المئة من الأسر لشراء الطعام، عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الاقتراض والاستدانة، الذي ينتهي بعواقب وخيمة.

كذلك لا يتلقى 30 في المئة من الأطفال الرعاية الصحية الأولية التي يحتاجون إليها، حيث أعربت 76 في المئة من الأسر عن تأثرها الكبير بالزيادة الهائلة في أسعار الأدوية. وللمفارقة، اصبح الدواء صعب المنال؛ خاصة بعد إعلان الصيادلة إضرابهم المفتوح اعتبارا من الجمعة (9 تموز/ يوليو).

أما كارثة الكوارث في بلد صدّر الحِرَف للعالم؛ فتكمن في التعليم الذي سيكون أيلول/ سبتمبر المقبل نقطة فاصلة مهمة فيه.

وتقول اليونيسف لقد توقفت 15 في المئة من الأسر في لبنان عن تعليم أطفالها، في حين أشار 80 في المئة من مقدمي الرعاية إلى مواجهة الأطفال صعوبات في التركيز على دراستهم في المنزل، إما بسبب الجوع أو نتيجة الاضطراب النفسي. وهنا أيضا للحديث تتمة، حيث المؤشرات لا تنبئ بالخير كثيرا.

أما التقرير الأكثر واقعية، فهو الصادر عن مرصد الجامعة الأمريكية؛ إذ أشار إلى أن أسعار بعض السلع والحاجات الأساسية قد ارتفعت، فقد تخطى سعر زيت دوار الشمس نسبة 1100 في المئة منذ صيف 2019، أي قبل حدوث الانهيار المالي والاقتصادي، فيما ارتفع سعر لحم البقر 627 في المئة، والأرز العادي 545 في المئة. أما سعر البيض، فقد ارتفع 450 في المئة، وتضاعف سعر اللبنة 275 في المئة.

وتاليا، وطبقا لمعادلة حسابية بسيطة ستجد أكثرية الأسر في لبنان (72 في المئة)، التي لا تتعدى مداخيلها مليونين و400 ألف ليرة لبنانية شهريا، صعوبة في تأمين قوتها بالحد الأدنى المطلوب، استنادا إلى أرقام دخل الأسر بحسب تقرير إدارة الإحصاء المركزي لعام المنصرم، فكيف مع تحولات العام 2020 المدمرة على الصعد كافة؟ ووصولا إلى تقرير البنك الدولي الذي قالها بوضوح: لبنان يغرق نحو أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ القرن التاسع عشر.

يواجه لبنان منذ أكثر من عام ونصف تحديات متفاقمة، تتمثل في أكبر أزمة اقتصادية ومالية في زمن السلم وجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت الذي لا زالت استدعاءاته حديث الأروقة السياسية.

الاعتذار

وانطلاقا من هذه التقارير الاقتصادية الصادمة بأرقامها، ومع انغلاق الأفق السياسي لمبادرة الرئيس بري، بالرغم من لقاءات روما للوزراء ثم لقاء السفراء المعنيين في الرياض، إلا أن الحلول مستعصية لبلورة معادلة ترضي الفرنسيين والأمريكان والسعوديين، مضافا إليهم المسعى القطري. ولكن الهوة كل يوم تتسع بين الأفرقاء السياسيين، والمسافات تبدو بعيدة عن متناول أي حكومة. ومن ثم، فنحن قادمون على زمن الاعتذار المدوي بعد الترشيح المدوي للموقع، ومعادلات جديدة لاتفاق طائف معدل وربما جديد، والأرض ستجهز لمواجهات سياسية شرسة بين القصرين.

وعليه، كل النصائح التي يتلقاها رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري، في العدول عن قرار الاعتذار المتّخذ لديه واستكمال مسار تأليف الحكومة، يتجاهلها أو يتصرّف تجاهها كشروط غير ملزمة، وتاليا الاعتذار على الأبواب.

الانفجار

برغم تمنيات بري الذي يدرك أن الاعتذار باب للانفجار، يبدو الرئيس المكلف كسائر إلى دروب صعبة لا مفر منها، وعليه ستطرح أسئلة كثيرة:

- من يخلف الحريري تكليفا؟ وهل يقبل سيد بيت الوسط؟ وما الثمن المقابل لمساعدة العهد في رهن ورقة الحكومة بين يديه؟

- ما الضمانات لأي شخصية سنية ألا يتكرر المشهد نفسه والشروط نفسها، وعليه نبدأ البحث عن طائف جديد؟!

- من هو/ هي الانتحاري الذي سيقبل بالمهمة في ظل التقارير الدولية السالفة عن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وربما الأمني القادم، خاصة بعد كلام وزير الداخلية بأن الأمن الاجتماعي في خطر؟!

وتاليا، ربما المعادلة الجديدة عنوانها: انهيار فاعتذار فانفجار.. أليست تلك نبوءة سيد الدبلوماسية الفرنسية عن غرق التيتانيك اللبنانية؟.. حمى الله لبنان.