ملفات وتقارير

سد جديد في جنوب السودان ينذر بأزمة جديدة بحوض النيل

أكد خبير أفريقي أن بناء سد على مجرى النيل لا يمثل خطرا مثل الذي يمثله سد النهضة- عربي21

أزمة جديدة قد تضرب منطقة حوض نهر النيل، وتؤثر على دولتي المصب مصر والسودان، إلى جانب أزمة السد الإثيوبي المتصاعدة مؤخرا بشدة، والتي تمتد لأكثر 10 سنوات، دون حل جذري.


نائب وزير خارجية دولة جنوب السودان، دينق داو دينق، فجر مفاجأة من العيار الثقيل، معلنا أن حكومة جوبا تخطط لتحقيق حلم تطمح لتحقيقه منذ 10 سنوات لبناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير الكهرباء ومنع الفيضانات المدمرة، بتمويل صيني، مؤكدا أنه حق سيادي لبلاده.

دينق، وفي حوار لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، السبت، قال إن "بلادنا تعاني من الفيضانات، ونقص الكهرباء، وندرة المياه، وضعف البنية التحتية، والمشروع جزء من خطة الحكومة، وسيتم تمويله من عائدات النفط".

وبشأن الصدام المحتمل مع دولتي المصب حال إنشاء جوبا سدا على نهر النيل، كما الصدام الحالي الآن مع إثيوبيا التي تبني سدا عملاقا على النيل الأزرق، قال إن "استخدام موارد المياه من حقنا السيادي، ولا ينبغي أن تكون مياه النيل لعنة، بل سلعة سلمية وهبها الله للمنطقة".

المسؤول الجنوب سوداني، تحدث عن تفاصيل المشروع وخطوات بلاده، موضحا أن وزارة الري أصدرت تعليمات لبدء إجراء دراسات أولية للمساعدة في إعداد خطط البناء، بما في ذلك مدى ارتفاع السد، وحجم الخزان خلف جسم السد، وعدد التوربينات التي يمكنها تشغيلها.

وحول تمويل السد، أشار إلى لحصول على استثمارات أجنبية من الصين، مضيفا أن "عائدات النفط تمنح بلادنا المال لبناء السد، ولدينا موارد وطنية هائلة، كالمعادن والغابات والزراعة والثروة الحيوانية والموارد البشرية.. لدينا المال".

"زيارة الأيام الخمسة"

 

المثير أن حديث نائب وزير خارجية جنوب السودان للصحيفة الإماراتية يأتي بعد يوم واحد من نهاية زيارة وزير الري المصري محمد عبد العاطي لجوبا، التي استمرت من 21 وحتى 25 حزيران/ يونيو 2021، التقى خلالها رئيس جنوب السودان سلفا كير، للتباحث حول أزمة مياه النيل، ومشروعات المياه والري والكهرباء بجوبا.

الوزير المصري وقع مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروعا للحد من مخاطر الفيضان بحوض بحر الجبل، وبحث دعم مصر لتطوير قطاعي الموارد المائية والزراعة، وتوفير إمدادات مياه الشرب للأهالي والثروة الحيوانية.

وفي محاولة لتخفيف وقع تصريحات نائب وزير خارجية جنوب السودان، قال سفير جنوب السودان بالقاهرة جوزيف موم، لموقع "القاهرة 24"، المصري المحلي، السبت، إنه "ليس لديه معلومة مؤكدة حول تصريحات دينق، ببناء سد كبير على النيل الأبيض".

وأوضح أن هناك تنسيقا بين البلدين لبناء سدين بمنطقتي "مومولي، وجوجريال" على النيل الأبيض بدعم فني ومادي مصري لتوفير الكهرباء.

وبالتزامن مع تلك التصريحات، أعلنت وزارة الري المصرية، السبت، عن إنشاء مشروع سد "واو" متعدد الأغراض على نهر سيوى، أحد فروع نهر الجور بحوض بحر الغزال، لتوليد 10.40 ميجاوات من الكهرباء، ولتوفير مياه الشرب لـ500 ألف نسمة، وري حوالي 30 إلى 40 ألف فدان.

الوزارة لم تشر إلى حديث المسؤول الجنوب سوداني عن السد الكبير على النيل الأبيض، لكنها أوضحت أن مصر أعدت الدراسات الفنية والاقتصادية لمشروع سد "واو"، وسلمتها لجنوب السودان شباط/ فبراير 2015، مشيرة إلى دور القاهرة بإنشاء السدود بدول حوض النيل، مثل "سد أوين" بأوغندا، وخزان "جبل الأولياء" بالسودان.

"مجرد كلام"

وحول مخاطر إنشاء جنوب السودان سدا كبيرا على المورد الدائم من نهر النيل على دولتي المصب، قال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام: "هذا كله كلام حتى الآن، ولا يمكن التعليق على خبر صدر من موقع صحفي قد تكون له أغراض أخرى"، في إشارة للموقع الإماراتي.

علام، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، "أنه حديث عن سد ليس معلوما موقعه أو سعته أو قدرته الكهربائية"، مؤكدا أنه "لا داعي للانزعاج المبكر، وفي وقت نحتاج فيه إلى تكاتف لمواجهة قضية أهم وأخطر"، مشيرا إلى ضرورة عدم فتح جبهات أخرى، والتركيز في أزمة السد الإثيوبي.

"أمر محمود"

الخبير الاقتصادي المصري المهتم بملف المياه، الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، قال إن "إقامة السدود على مساقط الأمطار، ومحاولة تجميعها للاستفادة منها، أمر محمود ومفيد، وليس للدول التي تقيم السدود فقط، ولكن للدول التي تشاركها مجرى النهر".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "حساب المنافع والخسائر يبقى رهن مدى التعاون واحترام المعاهدات والمواثيق والأعراف الدولية"، مضيفا أنه "منذ فترة طويلة ونحن نتحدث عن قناة (جونجلي) في جنوب السودان، لكن دون أي تقدم فيها".

عبدالمطلب، أشار إلى أنه "أخيرا بدأنا نسمع حديث عن نهر الكونجو، دون أي بيانات أو معلومات علمية حول سبل الاستفادة منه".

وفي رؤيته لكيفية مجاراة مصر طموح دول حوض النيل بما يتوافق مع استمرار تدفق المياه، يعتقد أن "المطلوب هو تعاون كامل بين كافة دول حوض النيل؛ لوضع أسس للاستفادة القصوى من الثروة المائية".

وأضاف أن الأمر يحتاج إلى توافق دول الحوض حول مستقبلها مع المياه، وليس إلى مواجهات عسكرية، مبينا أن "الحلول العسكرية سوف تسبب المزيد من المشاكل، ولن تحل المشاكل القائمة حاليا".

"غير منطقي"

الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور خيري عمر، قال إن "حديث المسؤول السوداني ببناء سد على مجرى النيل الأبيض لا يمثل خطرا مثل الذي يمثله سد النهضة، الواقع على النيل الأزرق، لأسباب عديدة".

أستاذ العلوم السياسية بمعهد الشرق الأوسط، بجامعة سكاريا (تركيا) أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "طبيعة المنطقة المحيطة بالنيل الأبيض بجنوب السودان ليس بها مجار قوية مثل النيل الأزرق حتى يقام أمامها سد".

وأكد أنه "من حيث طبيعة المنطقة، ومن حيث الدراسات التي يجب أن تجري، فهي في الأساس منطقة مستنقعات لا تفيد في إقامة سد على المجرى عند جوبا، لأنه بالمنطق يزيد نسب المياه بالمستنقعات، ما يجعله أمر غير منطقي".

ويرى أنه "ليست هناك مخاطر حقيقية على مصر، لكن الأضرار لدى الجانب الجنوب سوداني كبيرة من إقامة أي سد، كما أن الانحدار لديه ليس شديدا مثل الهضبة الإثيوبية والهضبة المنخفضة في السودان، وكذلك النظام المطري وطريق سريان المياه".

وأوضح أن "التدفق المائي الذي يأتي لمصر من المورد الدائم لنهر النيل يبلغ نحو 15 بالمئة من حصة مصر، البالغة 55 مليار متر مكعب"، مبينا أن "مناطق المستنقعات بجنوب السودان تحتاج لعمل كبير بشق قنوات لتجميع مياه المستنقعات، وتطهير مجرى النهر، وليس إقامة سد عليه".

وفي تقديره لكيفية موازنة مصر ومجاراتها طموح تلك الدول، بما يسمح باستمرار مرور مياه النيل لدولتي المصب، ووقف أزمات محتملة مستقبلا، قال الأكاديمي المصري، إن "الموضوع كبير جدا، ويحتاج وجود مشروعات مصرية مشتركة عديدة مع دول حوض النيل".

وحول صدور هذا الحديث من المسؤول الجنوب سوداني بعد زيارة وزير الري المصري لجوبا، ألمح إلى أن "تصريحات العديد من المسؤولين الأفارقة أحيانا تأتي غير مطابقة للواقع، وتصدر بشكل غير مسؤول، ودائما ما يكون لديهم نظريات أخرى".

وقال عمر: "بشكل عام، لو أنشأت جنوب السودان سدا على النيل يضر بها أكثر مما يفيد، ولا يؤثر على مصر، بسبب الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، التي تغطيها المستنقعات، ولا تشكل نهرا إلا في جوبا فقط".

وأشار في نهاية حديثه إلى أهمية "إحياء مشروع (قناة جونجلي)، التي تمتص المياه المنتشرة في تلك المستنقعات، وتزيد تدفق نهر النيل، وفي المقابل توفر لهم بعض الأراضي الصالحة للزراعة".

سياسيون ونشطاء تفاعلوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول الخبر، بينهم رئيس "حزب الجيل" ناجي الشهابي، الذي قال: "نتيجة التهاون مع إثيوبيا، والتراخي، وعدم الحسم؛ جنوب السودان تعلن أنها ستبني سدا ضخما على النيل الأبيض، ولديها المال اللازم"، معلقا بقوله: "أضاعوا هيبتك يا مصر".